جفرا نيوز - بعد أشهر من حرب غزة تجد إسرائيل نفسها في موقف قد يكون غير مسبوق، حيث تواجه ضغوطا متزايدة، حتى من أقرب حلفائها كالولايات المتحدة، والهدف تقليل حجم الخسائر في صفوف المدنيين نتيجة الحرب في غزة.
مؤخرا، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو انتقادات صريحة من الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة في الحزب الديموقراطي، وكذلك قررت كندا وقف تسليح إسرائيل، قبل أن يظهر نتانياهو في رسم كاريكاتوري في صحيفة كندية كـ "مصاص للدماء".
إلى جانب ذلك تراجعت إسرائيل في مؤشر الديموقراطية الذي يصدره المعهد البحثي السويدي "في ـ ديم"، للمرة الأولى منذ نصف قرن.
يضغط المسؤولون في العديد من دول العالم من أجل إنهاء ستة أشهر من القتال الذي أودى بحياة ما يقرب من 32 ألف فلسطيني، بحسب السلطات الصحية التابعة لحماس في غزة.
واندلعت الحرب بعد أن شن مسلحون من حماس هجوما على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة.
ضغط أميركي
بينما تدعم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أهداف إسرائيل من الحرب المتمثلة بالقضاء على حماس، يساورها قلق بسبب تزايد عدد القتلى في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
في العاشر من مارس، وفي مقابلة مع قناة "إم إس إن بي سي" قال بايدن، إن نتانياهو، "يضر إسرائيل أكثر مما ينفعها" بطريقة إدارته الحرب في غزة، مشيرا إلى أن القرارات التي اتخذها والتي تسببت بقتل المدنيين "تعد خطأ كبيرا".
والأسبوع الماضي أشاد بايدن بخطاب ألقاه زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر ودعا فيه لإجراء انتخابات في إسرائيل، مؤكدا أن كثيرا من الأميركيين قلقون بشأن طريقة تعامل نتانياهو مع الحرب في غزة.
والدعوة التي وجهها شومر، وهو أعلى سياسي أميركي يهودي منتخب في تاريخ الولايات المتحدة، هي الأشد بحق إسرائيل حتى الآن من جانب مسؤول أميركي كبير منذ هجوم السابع من أكتوبر.
وأتى خطاب شومر في خضم ضغوط متزايدة من بايدن على نتانياهو لتقليل عدد المدنيين الفلسطينيين الذين يُقتلون في غزة، والسماح بدخول مزيد من المساعدات إلى القطاع المحاصر المهدد بالمجاعة.
ويواجه الزعماء الديموقراطيون انقسامات داخل حزبهم بسبب الكارثة الإنسانية في غزة.
وطالب تقدميون من الرئيس الديموقراطي بايدن ممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لتخفيف وطأة الأزمة الإنسانية في غزة حيث تحذر جماعات الإغاثة من مجاعة.
كذلك تم الكشف عن مذكرة صادرة عن الأمن القومي نشرت الشهر الماضي تنص على أنه قبل تزويد أية دولة بالأسلحة الأميركية، فإن عليها أن تعطي الولايات المتحدة "تأكيدات مكتوبة وموثوقة" أنها ستستخدم الأسلحة "وفقًا للقانون الإنساني الدولي".
وأفاد مسؤولون إسرائيليون وأميركيون لموقع "أكسيوس" الأميركي بأن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت وقّع الأسبوع الماضي على "خطاب ضمان" موجه لواشنطن يؤكد فيه "التزام إسرائيل باستخدام الأسلحة الأميركية وفقا للقانون الدولي، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة إلى غزة".
كندا
أعلنت الحكومة الكندية، الأربعاء، أنها لم توافق على تصاريح جديدة لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل منذ الثامن من يناير وأن التجميد سيستمر حتى تتمكن أوتاوا من التأكد من استخدام الأسلحة بما يتوافق مع القانون الكندي.
وجاء في بيان لمكتب وزيرة الخارجية ميلاني جولي أن "كندا لديها نظام تصاريح تصدير من أقوى الأنظمة في العالم. لا توجد تصاريح مفتوحة لتصدير المنتجات المميتة إلى إسرائيل".
ويحظر القانون الكندي تصدير الأسلحة في حالة وجود احتمال لاستخدامها في "انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني" أو "أفعال عنف خطيرة ضد النساء والأطفال". ويجب على أوتاوا أيضا التأكد من مدى مساهمة الأسلحة "في تحقيق السلام والأمن أو تقويضهما".
وأقر برلمان كندا مقترحا غير ملزم هذا الأسبوع بشأن صراع غزة يدعو الحكومة إلى "منع أي موافقة أخرى على تصدير أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل".
وقالت كندا، وهي من صغار موردي الأسلحة إلى إسرائيل، الأسبوع الماضي، إنها أوقفت مؤقتا تصدير أسلحة قتالية منذ يناير بسبب الموقف سريع التطور على الأرض.
وفي كندا أيضا أظهر رسم كاريكاتوري نشرته صحيفة "لا برس"، وهي صحيفة رقمية تصدر باللغة الفرنسية في مونتريال، نتانياهو على أنه "مصاص دماء".
وظهر نتانياهو بأذنين مسنّنتين ومخالب وهو يقف مرتديا معطفا طويلا على متن سفينة شراعية في صورة تذكر بمصاص الدماء في فيلم "نوسفيراتو" لعام 1922. وكتبت الصحيفة تحت الرسم عبارة "نوسفينياهو في طريقه إلى رفح".
وانتقد سياسيون كنديون وزعماء يهود وآخرون الرسم الكاريكاتوري، بمن فيهم رئيس الوزراء جاستن ترودو الذي وصفه بأنه "مثير للاشمئزاز"، بينما واجهت الصحيفة اتهامات بمعاداة السامية.
وبحلول منتصف، الأربعاء، أزيل الرسم الكاريكاتوري وأصدرت صحيفة "لا برس" اعتذارا.
الاتحاد الأوروبي
عمل الاتحاد الأوروبي جاهدا لتوحيد صفوف دوله حيال حرب غزة إذ أن بعض بلدانه تدعم إسرائيل بشدّة بينما تتبع أخرى نهجا أكثر تأييدا للفلسطينيين.
ويعتزم زعماء الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل الدعوة إلى وقف مستدام لإطلاق النار، وقال مسؤول السياسة الخارجية في التكتل جوزيب بوريل إنهم سيتخذون موقفا أكثر حزما من التصريحات السابقة.
وأضاف "إنهم (سكان غزة) يتضورون جوعا. لذا آمل أن يبعث المجلس برسالة قوية إلى إسرائيل مفادها أوقفوا المنع.. كفوا عن منع دخول الغذاء إلى غزة واهتموا بالمدنيين".
ومضى قائلا "من المؤكد أن لإسرائيل الحق في الدفاع (لكن) ليس في الانتقام".
الديموقراطية في إسرائيل
تراجعت إسرائيل في مقياس الديمقراطية الذي يصدره المعهد البحثي السويدي "في ـ ديم"، للمرة الأولى منذ 5 عقود، حيث تحولت من فئة "ديمقراطية ليبرالية" إلى "ديمقراطية انتخابية".
وعزا التقرير الصادر حديثا، هذا التقهقر التاريخي إلى "الانخفاض الكبير في مؤشرات قياس الشفافية والقدرة على التنبؤ بالقانون، وهجمات الحكومة على السلطة القضائية"، في وقت تعيش البلاد حالة من الانقسام السياسي، بشأن عدد من القضايا الخلافية، داخليا وخارجيا.
ويضع المعهد تصنيفات من الأكثر حرية إلى الأقل ضمن فئات: الديمقراطية الليبرالية، الديمقراطية الانتخابية، ديمقراطية المنطقة الرمادية، الاستبدادية الرمادية، الاستبدادية الانتخابية والأوتوقراطية المغلقة.
وتمثل الديمقراطية الليبرالية، بحسب التقرير، أعلى درجات الديمقراطية، وتعني الاستيفاء بالديمقراطية الانتخابية ووجود قيود تشريعية وقضائية على السلطة التنفيذية وحماية للحريات المدنية والمساواة أمام القانون.
فيما تعني الديمقراطية الانتخابية وجود انتخابات حرة متعددة الأحزاب، ودرجات مرضية لحق التصويت، وحرية التعبير، وحرية التنظيم.
وخلال الأشهر الماضية، أبدى أعضاء ائتلاف نتانياهو، المكون من الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة عداء صريحا وانتقدوا المحكمة العليا وهي أعلى هيئة قضائية لديهم، واتهموها بالميل لليسار.
ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في تقرير آخر عن مؤشر الديمقراطية لعام 2023 الذي يصدره معهد الديمقراطية الإسرائيلي، أن "ثقة الجمهور في المؤسسات السياسية في إسرائيل انهار إلى حد كبير".
وحتى قبل السابع من أكتوبر، واجه نتانياهو تظاهرات حاشدة ضد الإصلاح القضائي الذي كانت حكومته تحاول إقراره.
هل يتغير الموقف الأميركي؟
يقول الكاتب السياسي في معهد الشرق الأوسط في واشنطن حسن منيمنة إن "خطوة كندا ودول أخرى بمنع تصدير بعض قطع السلاح لإسرائيل هو ضغط فعلي لكنه ضئيل ورمزي".
ويضيف منيمنة لموقع "الحرة" أنه "لن يكون هناك ضغط حقيقي على إسرائيل ما لم يكن صادرا من الولايات المتحدة".
ويتابع منيمنة: "إلى اليوم الموقف الأميركي لا يزال على حاله، رغم بعض التلويح عبر تسريبات إعلامية وليس رسمية، بأن واشنطن قد تعمد لنوع من الضغط الفعلي بدورها".
"يبقى الموقف الرسمي للولايات المتحدة، يتمثل بالدعم المستمر والكامل لإسرائيل حتى في حال كان هناك اختلاف بوجهات النظر"، يقول منيمنة.
ويرى منيمنة أن "الطرف الوحيد القادر على التأثير على إسرائيل هو الولايات المتحدة، وإلى اليوم لم تمارس واشنطن هذا الضغط ولا أعتقد بأنها ستقدم عليه لعدة اعتبارات".
من هذه الاعتبارات، وفقا لمنيمنة، هو أن الولايات في موسم انتخابي "وبايدن لا يستطيع تعريض نفسه لهجوم من قبل الجمهوريين تحديدا، وكذلك من الجناح المؤيد لإسرائيل داخل الحزب الديموقراطي، الذين هم أكثر صمتا من الجناح التقدمي، لكن لديهم تأثير فاعل في الحزب".