جفرا نيوز -
جفرا نيو ز - لبعض الوقت، كانت التنبؤات الجوية لا تحظى بأي احترام، حتى إن كثيرأ من المتشككين يقولون إن "مشكلة التنبؤ بالطقس هي أنه من الصواب في كثير من الأحيان تجاهلها، ومن الخطأ في كثير من الأحيان الاعتماد عليها".
وتشكلت هذه الثقافة عبر تاريخ طويل من التنبؤات التي كانت لا توافق الواقع في بعض الأحيان، وهو ما دفع الممثل الكوميدي الأميركي رودني دانغرفيلد للقول ذات يوم إن " تنبؤات الطقس لا تحظى بأي إحترام". غير أن هناك آمالا عريضة في أن يمنح توظيف الذكاء الإصطناعي في هذه المهمة مزيدا من الاحترام، وهو ما أكدته دراسة لفريق بحثي من شركة "غوغل ديب ميند".
وفي تلك الدراسة التي نشرت في العدد الأخير من دورية "ساينس"، أُعلن عن البرنامج المدعوم بالذكاء الإصطناعي "غراف كاست"، ليكون أسرع عدة مرات من النماذج الحكومية الموجودة منذ عقود، والتي استثمرت فيها الدول مئات الملايين من الدولارات، حيث يمكنه التنبؤ بضغط الهواء ودرجة الحرارة والرطوبة والرياح لمدة تصل إلى 10 أيام مقدما.
وسعت شركات التكنولوجيا الكبرى، بما في ذلك غوغل ومايكروسوفت ونفيديا وهواوي، إلى إحراز تقدم سريع خلال العامين الماضيين في التنبؤ بالطقس باستخدام الذكاء الاصطناعي، ونشرت جميعها دراسات أكاديمية تدعي أن نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها تعمل على الأقل مثل نماذج الطقس التقليدية. غير أن باحثي غوغل أعلنوا في دراستهم الأخيرة تجاوز النموذج الأوروبي الذي يعتبر على نطاق واسع هو المعيار الذهبي في التنبؤ.
حاسوب بحجم حافلة
ونماذج الطقس التقليدية، مثل "النموذج الأوروبي" الذي يديره المركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى في ريدينغ ببريطانيا، و"الأميركي" الذي تديره الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، تقدم تنبؤات تعتمد على معادلات رياضية معقدة، وهذه المعادلات تدعم مثل هذه التنبؤات والتحذيرات المنقذة للحياة في جميع أنحاء العالم، ولكن تشغيلها مكلف لأنها تتطلب كميات هائلة من الطاقة الحاسوبية، يتم إنجازها بواسطة حاسوب عملاق بحجم حافلة مدرسية.
وتستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي نهجا مختلفا في التنبؤ، حيث يتم تدريبها أولا على التعرف على أنماط الطقس من خلال كميات هائلة من بيانات الطقس التاريخية، ثم تولد التنبؤات من خلال استيعاب الظروف الحالية، وتطبيق ما تعلمته من الأنماط التاريخية. وتعد هذه العملية أقل كثافة من الناحية الحسابية، ويمكن إكمالها في دقائق أو حتى ثوانٍ على أجهزة حاسوب أصغر بكثير.
وبالتطبيق على نموذج الذكاء الاصطناعي "غراف كاست" الخاص بشركة "غوغل ديب ميند"، فقد أعلن الباحثون في دراستهم أنه تم تدريبه على ما يقرب من 40 عاما من البيانات التاريخية، وهو ما ساعده على تقديم توقعات لمدة 10 أيام بفواصل زمنية مدتها 6 ساعات لمواقع منتشرة حول العالم في أقل من دقيقة، وذلك باستخدام جهاز حاسوب صغير غير مستهلِك للطاقة، بينما كان هذا الأمر يستغرق في النموذج التقليدي ساعة أو أكثر لإنجاز نفس العمل الفذ، وذلك باستخدام حاسوب عملاق يستهلك كمية كبيرة من الطاقة.
الذكاء الإصطناعي يحد من القدرة على تفسير أسباب التنبؤ، مما يحول دون توظيفه في النصائح التي يتم تقديمها للمزارعين " شركة بيز فور انتيليا"
الذكاء الاصطناعي يحد من القدرة على تفسير أسباب التنبؤ مما يحول دون توظيفه في النصائح التي تُقدم للمزارعين (شركة بيز فور إنتيليا)
سباق الدقة.. مضمار آخر
وبالإضافة لعنصر السرعة والتكلفة، ربح "غراف كاست" في مضمار الدقة أيضا، حيث كان أكثر دقة بنحو 10% من النموذج الأوروبي فيما يتعلق بأكثر من 90% من متغيرات الطقس التي قُيمت.
وتم تقييم أداء النموذج الجديد مقابل النموذج الأوروبي، ليس فقط بالنسبة لمتغيرات الطقس الفردية مثل درجة الحرارة والرياح والضغط، ولكن أيضا في التنبؤ بالأحداث المتطرفة بما في ذلك الأعاصير الاستوائية والأنهار الجوية (ممرات طويلة وضيقة توجد في الغلاف الجوي ويمكنها نقل الرطوبة لآلاف الأميال) وموجات الحرارة والبرد.
وعلى الرغم من أن الباحثين أعربوا في السابق عن مخاوفهم إزاء قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالطقس القاسي بدقة -ويرجع ذلك جزئيا إلى وجود عدد قليل نسبيا من مثل هذه الأحداث في الماضي التي يمكن للذكاء الاصطناعي التعلم منها- فإن "غراف كاست" تجاوزت هذه المشكلة إلى حد ما وخفضت من أخطاء التنبؤ بالأعاصير بنحو 10 إلى 15 ميلا في فترة زمنية تتراوح بين 2 و4 أيام، وحسّنت التنبؤات ببخار الماء المرتبط بالأنهار الجوية بنسبة 10 إلى 25%، وقدمت تنبؤات أكثر دقة للحرارة الشديدة والبرد من 5 إلى 10 أيام قبل الموعد المحدد.