جفرا نيوز -
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
صديقي الذي أعرف أنه يلقي الليل بالنهار من أجل تأمين متطلبات أبنائه، فهو لا يكتفي بعمل واحد، بل يتعدى ذلك لعملين وأحيانا لثلاثة أعمال. هذا الصديق لم يفاجئني حين سرد علي قصته مع طفله ذي السبعة أعوام حين استوقفه لدى الباب، وبيده مال ادخره في حصالته.
بابا أنت تعمل من أجلنا، نعلم هذا، ونشكرك كثيراً جداً. أنت تعمل عملين أو أكثر لتكفي حاجتنا المادية، ولكنك بعيد عنا. وأريد أن تسمح لي بسؤال واحد فقط، قبل أن تغادر، وأرجو أن تجيبنا عنه بكل صدق ودقة.
صديقي تضايق من طفله بداية الأمر، لأنه أخره عن عمله لكنه أجاب بتذمر: تستطيع أن تقول إن (يوميتي) بحدود الأربعين ديناراً، فما كان من الطفل إلا أن عدَّ على والده خمسين ديناراً من فئة الدنانير قائلاً بهمس: يا بابا نحن جمعنا هذا المبلغ لنشتري منك يوماً واحداً تكونه لنا فقط.
عند تلك اللحظة قال صديقي بأنه أصيب برعشة كهربائية فأغلق الباب وقضى أكثر من ساعة يحتضن أطفاله بكل حرارة، ويحدق في بؤبؤ عيونهم، ويقرأ أنفاسهم المنعشة، ويقرقط أذانهم ويباطحهم، ويلعب معهم. سؤال طفلي أعاد لي صوابي يضيف صديقي، فأنا أركض من أجلهم، ولكني في غمرة ركضي اللاهث، نسيت أن أكون معهم ولهم.
تذكرت هذه الحادثة بمناسبة يوم الطفل العالمي، الذي مر يوم أمس، وهو مناسبة تؤشر للطفولة كونها عالماً كبيراً أكبر من عالمنا هذا نحن الكبار، فأطفالنا ليسوا بحاجة للحليب والدواء والألعاب فقط، بل بحاجة أن نبيعهم يوماً أو بعض يوم، نحياه معهم وبهم ولهم بكامل جوارحنا.
جميل أن يعيش الواحد منا من أجل أطفاله، يؤمن مسكنهم وملبسهم ومطعمهم، ولكن الأجمل أيضاً أن يحيا ويعيش معهم ولهم وبهم. فما فائدة أبوة نختصرها بمطاردة الرغيف دون أخذ دقيقة واحدة للنظر في عيون أطفالنا وقراءتها بحروف الحب ولغته؛ لنشعرهم بأننا نحبهم من كل قلوبنا؟!. وما فائدة أبوة منزوعة من الاحتضان وتبادل العناق. فلا أكاد أتصور أن طفلاً سينمو وسيكبر وسيصبح مكتملاً عاطفياً وأسرياً، دون أن يأخذ نصابه القانون من الاحتضان.
الطفل حسب رأي علماء النفس بحاجة إلى 24 ضمة في اليوم، لتحقيق النمو النفسي والجسدي السليم له. فكم حضنة نمنحهم كل يوم أو كل أسبوع، وكم دقيقة نحدق في بحر عيونهم، وكم نقضي من الوقت في تمشيط رؤوسهم بأصابعنا الدافئة.