جفرا نيوز -
جفرا نيوز - يُعرَف العلاج بالموسيقى بأنه التدخل الذي يقوم على استخدام بعض الأنشطة الموسيقية مع المريض، بهدف التغلب على القصور الوظيفي، والأعراض غير المرغوب فيها والمصاحبة لبعض الأمراض التي يعاني منها، بهدف تلبية احتياجاته، وتحقيق حالة من التوافق الجسدي والنفسي.
ويعد العلاج بالموسيقى من أشهر أشكال العلاج بالفن وأكثرها استخداما، ويتم من قبل معالج موسيقي مختص، يقدم الدعم اللازم للفرد الذي يتلقى العلاج، ومن هنا تخرج الموسيقى من استخدامها كوسيلة للمتعة وتحويلها كوسيلة للعلاج باستخدام العلم والخبرة.
يختلف تأثير الموسيقى باختلاف كيفية توظيفها واستخدامها، وتؤثر على الأفراد باختلاف فئاتهم العمرية، وباختلاف جنسهم من ذكور وإناث، وباختلاف قدرتهم على الإدراك الموسيقي.
ويعود تأثير الموسيقى كما تقول الدكتورة رحاب كمال استشارية المناهج الموسيقية والتأهيل والعلاج بالموسيقى إلى أن "الموسيقى هي أقرب وسيلة للقلب والروح، فكل ما حولنا هو ضرب من الموسيقى، المشي موسيقى، والحركة نوع من الموسيقى، والكون كله يعيش في حالة من التوافق الموسيقي، لذلك يكون للموسيقى أثرها القوي في الأفراد، وتكون نتيجتها أسرع على الأطفال، لأنه حين يولد الطفل يتعامل مع الكون كله على أنه صوت، فيستمع إلى صوت والدته، وهمهمات من حوله، ويستمع إلى الأغاني التقليدية التي تلقى عليه في المهد، والموسيقى بالذات لا تعمل على حاسة السمع فقط، بل تعمل على عدة حواس في الوقت ذاته".
وتابعت د. رحاب، بالقول إن "الموسيقى تعود بالنفع على الإنسان بجوانب مختلفة، فيدخل تأثيرها في الجوانب السلوكية، والجوانب الاجتماعية، والجوانب الجسدية والنفسية، ولها أثرها في كل جانب من هذه الجوانب بطريقة مختلفة، واعتمادا على حالة الفرد.".
وأضافت: "تعد الموسيقى وسيلة علاجية آمنة للغاية، ولها قوة وأثر على هذه الجوانب، فهي تعتبر تدخلاً غير طبي، كما أنها تلبي احتياجات الفرد وتقدم له الدعم الذي يحتاجه، وتقوم جلسات العلاج بالموسيقى على نقله من حالة عدم الارتياح إلى جانب يرى نفسه فيه آمنا، وتؤثر عليه إيجابيا بحيث تساعده وتمكّنه من القيام بأنشطته اليومية المختلفة.".
وبين أخصائي الطب النفسي علاء الفروخ في حواره ، أن "العلاج الموسيقي يناسب كل الأعمار، ويقوم المعالج بمراعاة قدرات كل فئة عمرية".
الموسيقى كما لم نعرفها من قبل
اعتدنا على أن نأخذ الصورة الخارجية لتأثير الموسيقى في أرواحنا، فلم نكد نعرف عنها سوى أن الاستماع إليها يريح الأعصاب، وأنها قادرة على إحداث الاسترخاء، ونقل الإنسان من حالة الحزن إلى الفرح، أو مضاعفة حزنه بإيقاعها الحزين، وقد تتوسع رؤيتنا أحيانا لنرى مدى تأثيرها في سلوك الحيوانات.
ولكن لا تعد هذه إلا جزئية صغيرة من جوانب العلاج الموسيقي، حيث تقول د. رحاب، إن "للموسيقى تأثيرا أوسع مما يعتقد الكثيرون، فهي تعمل على تعديل الجوانب السلوكية، حيث تعدل سلوكيات الأطفال العدوانية كالصراخ المستمر، والعنف والعدوان ضد الأقران، وتعمل على الجوانب الجسدية كذلك، فتساعد الأفراد الذين يعانون من قصور أو ضعف في التوافق العضلي العصبي، كما أنها تساهم في مساعدة من يعانون من أمراض عقلية كالزهايمر، أو الخرف وغيرها من الأمراض".
وللموسيقى تأثيرها على الجوانب النفسية بحسب رأي الفروخ الذي يبيّن أن "الموسيقى العلاجية تساعد في عدة نواحٍ، منها تخفيف القلق والتوتر، وتحسين مهارات التواصل الاجتماعي، وتحسين قدرة الفرد على التركيز" .
لماذا يبدو أبناء جيل الألفية أصغر سنًا مما هم عليه؟
وبخصوص الوقت المناسب للتدخل الموسيقي، فقد بيّنت "شأن الموسيقى كشأن أي علاج آخر، أي كلما تدخلنا في وقت مبكر كانت النتائج أفضل، وتحقيق أي هدف لدى أي مريض يحتاج إلى وقت ويختلف هذا الوقت تبعًا للحالة، ولكننا نستطيع تحقيق الأهداف المنشودة أسرع إذا قمنا بالتدخل اللازم في المراحل الأولى".
مجالات العلاج بالموسيقى
مجال العلاج الموسيقي واسع للغاية، فهو يشمل التأهيل البدني، والعلاج السلوكي، وتوفير الدعم العاطفي للمرضى وذويهم، وغيرها من المجالات الهامة للمريض، فالموسيقى لها تأثيراتها المختلفة على أجزاء الجسد، بالإضافة إلى تأثيرها في ضغط الدم، وسرعة النبض، والتقليل من التوتر الجسدي، وزيادة الطاقة العضلية. فمثلاً نجد تفاعل الأعضاء الحسية واضحاً مع أي مصدر موسيقي يُسمع، كالحركات العشوائية تفاعلاً معها، والتصفيق، والضرب بالأرجل تناغمًا مع إيقاعها وغيرها من ردود الفعل السلوكية الواضحة على الموسيقى، باختلاف إيقاعها وآلاتها وسرعتها كذلك.
وتُظهر د. رحاب جانبًا من ذلك فتقول: "عملت شخصيًا على حالات كاضطراب طيف التوحد، وحالات تشتت الانتباه وفرط الحركة "ADHD"، وإعاقات حركية وعقلية، وصعوبات التعلم، وصعوبات النطق، وكان لجلسات العلاج بالموسيقى دورها الكبير في التخلص والحد من جوانب القصور التي تعاني منها تلك الحالات، وشهدنا نتائج أكثر من رائعة".
وردًا على سؤال، عن كيفية وضع الخطط العلاجية، وآلية التدخل الموسيقي، أجابت: "لكي نتمكن من التدخل بالموسيقى في علاج أي حالة، علينا أن نكتشف القصور المراد علاجه، ثم نقوم بعمل استراتيجية علاجية لتحقيق الأهداف المراد الوصول إليها، سواء كان على المدى القريب أو البعيد، فإن كان لدى الفرد عجز في التواصل الاجتماعي مثلاً، فإننا نعمل على استخدام الموسيقى لتمكّنه من التواصل مع المحيطين به بشكل لفظي أو غير لفظي".
وأضافت: "إن كان يعاني المريض من صعوبات في التعلم، فاستخدام الموسيقى الكلاسيكية في عصور مختلفة كموسيقى العصور الكلاسيكية والرومانتيكية وعصور النهضة، تساعد في تعزيز التركيز لديه والتعلم بشكل أفضل".
أما عن مساهمة الموسيقى في التخفيف من آلام المريض، فبعد أن يرسل الدماغ إشارات على أنه يتألم بفعل مؤثر داخلي أو خارجي، فللموسيقى دورها في تخفيف الشعور بهذا الألم مهما اختلف نوعه، وكيفية التدخل الموسيقي يختلف من مريض إلى آخر، فتقول د. رحاب: "يختلف التدخل الموسيقي حسب الحالة، فقد يحتاج البعض إلى أنشطة موسيقية حتى تحفزهم على التفاعل مع العالم الخارجي، أما البعض الآخر فيحتاج إلى أنشطة مختلفة تساعد في التعبير عن النفس وعن الآلام والأفكار، فالتعبير جزء مهم من مرحلة علاج أي ألم كان، كما أن الموسيقى تساعد على إفراز هرمونات السعادة كالإندروفين الذي يشجع على الرغبة في التواصل والحياة والتعامل مع من حوله".
وتضيف: "لا تعطي الموسيقى مسكنا لحظيا فقط، فالعلاج بالموسيقى يعمل على مساعدة المريض على تخطي ما يمر به بشكل كامل، من خلال التركيز على عرض معين ومعالجته".
فالفن الموسيقي لا يقف عند حده كأداة ترفيهية سمعية، بل إنه يتوسع إلى أكثر من ذلك بكثير، وهنا نتساءل: كَون الموسيقى تؤثر بالإنسان إلى هذا الحدّ، هل نحسن اختيار نوع الموسيقى الذي نستمع إليه في حياتنا اليومية؟