جفرا نيوز -
جفرا نيوز - نيفين عبد الهادي
استفاقت مدينة غزة صباح أمس على يوم مختلف رغم كلّ ما تعرضت له من حرب مدمّرة منذ السابع من كانون الأول الحالي.. صباح يأتي بعد ليلة ارتكب بها الاحتلال الإسرائيلي (76) مجزرة أسفرت عن استشهاد (320) شهيدا .. ليلة تأتي بعد قطع الاحتلال للإنترنت ووسائل الاتصال، ليرتكب جرائمه بعيدا عن عين الإعلام وكاميراته.
صباح غزة هاشم أمس يعدّ مرحلة جديدة أسماه الغزيّون ما بعد قطع الإنترنت والاتصالات، مرحلة بدأت بفاجعة أظهرها نور شمس الصباح ليتبين حجم جرائم الحرب التي نتجت عن قصف عشوائي للاحتلال لم يتوقف طوال تلك الليلة التي مضت كما ليالي غزة دون كهرباء ودون ماء، يضاف لهما الاتصالات، استيقظوا على أشلاء الشهداء، من أطفال ونساء ومدنيين أبرياء، ومستشفيات تجاوزت طاقتها الاستيعابية آلاف المرات، وشهداء تحت أنقاض بنايات هدمت بالكامل، وأحياء دمرت بالكامل، استيقظت على واقع مضى على بقائه خارج التغطية لساعات ربما هي الأطول على أهل غزة منذ بدء الحرب عليهم، ومستشفيات مهددة بالقصف في أي لحظة، وكثافة سكانية في مدارس الأونروا التي تستقبل في الوضع الطبيعي بالحد الأعلى تسعة آلاف طالب، لتستقبل اليوم قرابة (20) ألف مواطن غزيّ.
تفاصيل كثيرة استيقظت عليها غزة صباح أمس، ومرحلة جديدة ما بعد انقطاع الاتصالات والإنترنت أفقدتها حضورها على خارطة، رأى بها الأهل في غزة أنها الأكثر صعوبة والأكثر عدوانا، الأكثر عنفا على المدنيين الأبرياء في غزة، والأكثر صعوبة على وسائل الاعلام كافة، في محاولة إيصال الحقائق، وبالطبع الأكثر عبئا على المستشفيات والأطباء وكوادر الدفاع المدني.
وكشف المنسق الإعلامي في مدينة غزة رئيس التجمع الصحفي الديمقراطي في قطاع غزّة الإعلامي في إذاعة الشعب ناصر العريني، أن غزة مرّ عليها ساعات هي الأصعب منذ بدء الحرب عليها، وشهدت كافة مناطقها قصفا من الاحتلال لم يتوقف على مدى ساعات الليل حتى صباح وظهر يوم أمس، معتبرا (48) ساعة مضت على غزة كانت مدمّرة نتج عنها دمار لأحياء ومناطق سكنية بالكامل وشهداء وأشلاء لأجساد بشرية وشهداء ما يزالوا تحت الأنقاض لإنقاذ من فوقها من الأحياء.
وأشار العريني الذي كان يقطع حديثه معنا صوت الصواريخ والقصف، وكان يصمت لدقائق ويطلب أن نسمع هذا الصوت الذي يحرّك مشاعر مختلفة وغريبة في داخلنا، ربما لا وصف له، إلاّ أن هذا الشعب حقا هو شعب الجبارين، أشار إلى أن إسرائيل قطعت الاتصالات والإنترنت لساعات تجاوز (48) ساعة عن غزة، لترتكب (76) مجزرة، أسفرت عن أكثر من (320) شهيدة وشهيدا، لتستيقظ غزة على واقع مؤلم مدمّر بالفعل مرحلة ما بعد الانقطاع عن الحياة والعالم.
وفي سياق وصفه لما بعد انقطاع الاتصالات قال العريني عندما بزغ نهار يوم أمس، صدمنا جميعا بما شاهدنا من مجازر شهدتها غزة، في حين شهدت المستشفيات حالة من الذهول لحجم الدمار واعداد الإصابات والجرحى والشهداء، ليس هذا فحسب إنما لما تبعه من تهديد بقصفها وكأنها مواقع للترفيه أو حتى لحياة طبيعية، فيما طال عدد منها الكثير من موجات القصف، حيث قصف أغلبها وتحديدا محيط مستشفى الشفا، والتركي وهو بالمناسبة مستشفى مخصص للحالات الصعبة لمصابي الأمراض الخبيثة، تم قصفه، فالقصف كان عشوائيا دون مراعاة لخصوصية أي منطقة أو مكان.
وفيما كان يسرد لنا العريني واقع الحال في غزة، توقف عن الحديث وقال الآن دخلت حالات لمستشفى الشفا حيث يقف بجواره، لعائلة تم قصف منزلها، واستشهد عدد من أفرادها، مواصلا حديثه «بعد المجازر التي شهدتها غزة ليلة أمس الأول، حيث لم يتوقف القصف مطلقا ومن جميع الجهات، دمرت أحياء بأكملها واستشهد (3) من رجال الدفاع المدني، وقطعت كافة وسائل اتصالات المصابين بالمستشفيات لغياب اتصالات، فكان المواطنون يصابون دون أي قدرة للوصول للمستشفيات أو التواصل مع الدفاع المدني، وكان لذلك أثر على زيادة اعداد الشهداء لعدم توفير العلاج لهم، ليس هذا فحسب، إنما سيارات الدفاع المدني وهي بالمناسبة (25) سيارة في المدينة توقف معظمها عن العمل لعدم توفر الوقود، كما أن الالات التي تستخدم للبحث عن المواطنين تحت الأنقاض أيضا جزء كبير منها توقف عن العمل لعدم توفر مادة السولار التي تعمل بها.
وبين العريني الذي كان يبدأ حديثه عن يوم غد بجملة «إن بقينا أحياء» «إن لم نستشهد» أنه نتيجة لتدمير أحياء كاملة، ولزيادة عدد النازحين، فإن مدارس الأونروا التي في الوضع الطبيعي تستوعب (9) آلاف طالبة وطالب، هي اليوم تستضيف ما بين (15) إلى (20) ألف مواطن، ناهيك عن قلة الطعام، والماء والوقوف لساعات في طوابير للحصول على مياه الشرب، والاضطرار لشرب مياه ملوثة في بعض الأحيان، وحتما لكل ذلك نتائج سيئة جدا على الصحة سيعاني منها الكثيرون تحديدا الأطفال، هي معاناة عمليا يصعب تلخيصها بكلمات بسيطة.
ومن أصعب المواقف التي عاشها خلال الساعات الماضية، محاولة الاتصال بمن هم خارج غزة، وقال « ابنتي تسكن خارج فلسطين، لا يمكن وصف وضعي ووضع أسرتي خلال الساعات الماضية لأطمئنها أن وضعنا ما يزال جيدا حتى الآن»، في حين كان الأقسى أن ترد لي اتصالات من مغتربين للاطمئنان عن أسرهم فقدوا الاتصال بهم، ونضطر أن نبلغهم أن أسرهم استشهدوا»، وكثيرة هي الاتصالات التي وردتني صباح أمس لأضطر آسفا أن أخبرهم بهذه الأخبار الموجعة، فهي ساعات قطع بها الاحتلال غزة عن العالم وعن قلوب وعقول آلاف المغتربين.
وعن مهمة الاعلام قال العريني هي الأصعب منذ بدء الحرب، كانت صعبة للغاية، علما ان الاتصالات والانترنت ما يزال الوضع ضعيفا جدا، وكثيرا ما اعتذر لزملا يطلبون فيديوهات أو تسجيلات صوتية في ارسالها تحتاج وقتا طويلا، نظرا لضعف الانترنت، وبطبيعة الحال انقطعنا كصحفيين عن كل شيء لنفاجأ بهول الجرائم والمجازر في الصباح، لكن التوثيق مستمر، ونقل الحقيقة الفلسطينية لن يتوقف، مهما حاول الاحتلال اغلاق المسارات أمامنا، وإغلاق أبواب الاتصالات.
وعن حياته الشخصية قال العريني انتقلت أنا وأسرتي التي ابتعد عنها لأيام نظرا لظروف عملي، انتقلت لثلاثة أماكن حتى الآن، في حين تم قصف منزلي بالكامل منذ اليوم الثالث من الحرب على غزة، وبعد ذلك بتنا نتنقل من مكان لآخر، ولا يوجد مطلقا أي مكان آمن في غزة، وما نتعرض له اليوم هو الحرب الأخطر والأقسى نتيجة للقصف العشوائي من الاحتلال، وعدم وجود اعتبارات لأي أماكن في غزة، كل الأماكن معرّضة للقصف.
وعن عمل المستشفى الميداني الأردني في غزة قال العريني انه يقوم بدور هام جدا، ويلجأ له المواطنون بغزة رغم قصف المنطقة التي أنشئ بها، وخروجه عن الخدمة لفترة قليلة، حيث أعيد العمل به بتوجيهات من جلالة الملك عبد الله الثاني الذي يقف دوما مع غزة وأهلها ولم نشعر للحظة أن الأردن بعيد عنا، إضافة لدور الإعلام الأردني الداعم لنا بشكل كبير، ويحمل الحقيقة الفلسطينية على محمل المسؤولية.
وشدد العريني على أن الوضع في غزة والدمار والشهداء والجرحى ومن هم تحت الأنقاض، كل ذلك يجعل من الوصف صعبا، لكن يجب ان ينقل، وان يوثق الجميع الجرائم التي تحدث، وما تتعرض له غزة من تدمير لكل شيء، ومسح لأحياء ومناطق بالكامل بعشوائية خطيرة، لا تراعي شيئا من الإنسانية أو القانونية أو الصحية، وعمليا كثيرة هي القطاعات التي تلتقط أنفاسها تحديدا الطبية والدفاع المدنية والهلال الأحمر، وغيرها من قطاعات عمليا على حافة الخروج عن الخدمة.
وفي نهاية حديثه الذي استمر عبر الهاتف لأكثر من ساعة قال العريني سأكون سعيدا أن أقرأ اللقاء وأزور عمّان قريبا «إن لم استشهد»، فنحن في غزة باتت شمس الصباح لنا أملا يوميا.