النسخة الكاملة

سينما وسط البلد.. تاريخ مشرق وحاضر مؤلم - صور

الخميس-2023-09-17 11:27 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - محمود كريشان

لا شك أن السينما كانت مرآة المجتمع، فمن يتذكر في حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، عندما كانت صالة العرض تضاء قبل عرض الفيلم ويقف جميع الحضور ويتم عزف السلام الملكي ويظهر علم الأردن على الستار الفضي بنجمته وألوانه الزاهية، والجميع يقف للأردن ورايته، ولن ننسى كيف كانت صالة العرض تعج بالتصفيق الشديد من قبل الحضور خاصة عندما يقوم البطل بمداهمة العصابة، فيما كان احد العاملين بالسينما يحمل اللوكس لاضاءة الطريق وهو ينادي: ببسي، بزر، سندويش، وما يرافق ذلك من طقوس عالقة في اذهان ابناء عمان القديمة حتى يومنا هذا..

سينما أبوصياح

"جفرا نيوز" وفي سياق فتحها لملف دور السينما في عمان، التقت ابرز نقاد السينما في الاردن والوطن العربي الزميل ناجح حسن الذي قال: جاء إنشاء دور السينما في وقت مبكر بالأردن التي أخذت تعرض لاحقا أفلاماً عربية إلى جانب الفيلم الأجنبي حيث كانت سينما النصر أول دار للسينما في عمان والتي كانت يطلق عليها سينما (أبو صياح القباني) نسبة لصاحبها وهو رجل سوري، وكانت هذه الدار مسقوفة بصفائح التنك تقع في شارع البتراء وحين أنشئت هذه السينما في أواخر العشرينيات قامت بتقديم الأفلام الصامتة وكان يعلن عنها بواسطة النفخ بالبوق والذي كان يطلق عليه اسم (البورزان) إضافة إلى المناداة والضرب على الطبل.

الفيلم الصامت
وأشار حسن الى ان عملية اعتماد السوق السينمائي الأردني آنذاك استمرت على الفيلم الصامت لفترة طويلة نسبية حتى جاء عام/ 1934/ حيث تم بناء أول دار للسينما صممت خصيصاً لعرض الأفلام الناطقة وعرفت باسم سينما (البتراء) التي ظلت لفترة طويلة حتى نهاية عام/ 1981/ وقد كانت الصالة اليتيمة حتى مطلع الأربعينات حيث أقيمت صالة للسينما سميت باسم الإمارة الواقعة في شارع الملك حسين موقع البنك الإسلامي حالياً وأصحابها وهم من تجار الشام أصلاً، وكانت هذه الصالة الجديدة تعمل بالنظام الصيفي حيث استغل أصحابها سطح البنايات المعروفة في عمان ليضعوا على السطح مقاعد للمتفرجين وأحضروا آلة للعرض يعرضون عليها الأفلام الناطقة قبل أن يبني هؤلاء بناية جديدة لصالتهم ولتصلح للعمل صيفاً وشتاءً ومع منتصف الأربعينيات توالى ظهور صالات السينما في عمان سينما الفردوس والفيومي (الخيام) وسينما الأردن واستديو الأردن وسينما بسمان وشهرزاد في جبل عمان مقابل الرينبو حالياً وقد كانت هذه الصالة تعمل بنظام /16 ملم/ وتوقفت بعد أن ظهرت صالات أخرى مناسبة تعمل على نظام /35ملم/ مثل سينما زهران واستديو زهران وعمان ورغدان، وفلسطين والحمراء والرينبو والحسين الفخمة وريفولي والشرق وغرناطة والأهلي والأمير والقدس (توقف جميعها مؤخراً) كما شهدت العاصمة ظهور الكثير من الصالات الحديثة والمكيفة والمجهزة بالات وتقنيات حديثة تنافس كبرى صالات السينما في العالم وبدات في صالات الكونكورد والأوبرا وفيلادلفيا وجاليريا وسنشري االتي هي الأخرى توقفت بعد فترة من افتتاحها بفعل حمى المنافسة التي جاءت فيها افلام المولات.
خارج العاصمة.

أجواء عائلية
من جانبه اعتبر المؤرخ الزميل وليد سليمان انه وفي البحث عن عناصر الحياة الثقافية والاجتماعية والترفية بمدينة عمان منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اليوم، نجد ان السينما، محبوبة عائلات هذه المدينة، التي كانت تداوم على حضور ومشاهدة الأفلام السينمائية، في دور العرض السينمائية، التي انتشرت بشكل كبير في وسط البلد، حيث كانت ظاهرة حضور الأفلام في دور السينما، طقساً جميلاً يستعد له الناس بل ويبرمجونه، كأن تحضر العائلة بجميع أفرادها، حفلة سينمائية كل أسبوع تقريباً يوم الخميس أو الجمعة.

واشار سليمان الى ان مستويات دور العرض السينمائية في عمان تنوعت : فمنها الفخم ومنها الشعبي، وكبداية لظهور دور وصالات السينما في عمان قديماً فانه يمكننا الإشارة إلى ذلك من خلال خبرة شخصية، عدا من مراجع الكتب والشخصيات التي زودتنا ببعض الملاحظات والمعلومات حول ذلك، وانه من المعروف إن أول دار للسينما أنشئت في مدينة عمان هي سينما النصر أو سينما أبو صياح على اسم صاحبها أبو صياح، وكانت هذه السينما بدائية بسيطة جداً أقيمت في المنطقة ما بين سوق اليمنية للملابس القديمة وما بين سوق السكر الشهير، وكانت عبارة عن مبنى صغير من الزينكو وكراسي القش الصغيرة المتنقلة، وتعمل على ماتور كهربائي خاص لعرض بعض الأفلام الصامتة , كما هي أفلام الكوميدي الشهير تشارلي شابلن، وظهرت هذه السينما في أواخر العشرينات وانتهى العمل بها عندما ظهرت السينما الأم الحديثة والتاريخية الفخمة سينما البتراء في نفس محيط المكان السابق في العام 1935.

سينما البترا
ولفت سليمان انه يمكن ان نؤرخ لبداية ظهور الثقافة السينمائية في عمان من خلال نشوء سينما البترا وسط البلد في عمان، حيث صارت هذه الدار عبارة عن سينما لعرض الأفلام العربية والأجنبية الناطقة، مع تحويلها أحياناً الى مسرح وقاعة لعقد المؤتمرات والندوات واللقاءات الفنية والغنائية والسياسية والوطنية، حيث كانت بها مقصورة ملكية لسمو الأمير عبدالله الأول قبل عهد المملكة للجلوس لحضور بعض الاحتفالات في تلك السينما من خلال مسرحها الواسع.

وتميزت سينما البتراء بعرضها لأحدث وأهم الأفلام في ذلك الوقت مثل فيلم ذهب مع الريح من بطولة كلارك غيبل، وعرض اول فيلم ناطق بعنوان أنشودة الفؤاد للمطربة نادرة، وافلام مشاهير الغناء والتمثيل مثل :أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب واسمهان وأنور وجدي وعبدالحليم حافظ.. الخ, مع افلام المغامرات مثل طرزان والافلام الحربية والكابوي الامريكية وغيرها.
وظلت هذه السينما الاولى والوحيدة عند قيامها الى أن بدأت تتأسس دور سينمات اخرى بعد حوالي سبع سنوات الى ان ظهرت سينما الإمارة – ويذكر ان سينما البتراء أتى عليها حريق دمرها وتوقفت عن العمل منتصف الستينات، الى ان تم اعادة بنائها بشكل آخر شعبي اقل جودة مما كانت واستمرت من العام 1975 – 1985 تقريباً ثم اغلقت نهائياً ليتم استبدال الموقع كله بسوق كبير للأقمشة الآن.

سينما الإمارة
واشار سليمان الى ان سينما الإمارة فريدة من نوعها حقاً لأنها كانت سينما صيفية تعمل في فصل الصيف حيث لا سقف لها وتعمل ليلاً من فوق سطح عمارة آل ماضي في شارع الملك فيصل، ثم تم نقلها الى سطح عمارة أخرى قريبة في دخلة شريم القريبة من دخلة مصرف الرافدين حيث كانت تعرض أفلاماً عربية وأجنبية متنوعة.. وقد تم انشاؤها عام 1943 وقد عرضت هذه السينما الصيفية الامارة افلاماً هامة لاقت اقبالاً كبيراً مثل فيلم لليلى مراد وفيلم الطريق المستقيم ليوسف وهبي وفاطمة رشدي وغيرهما الكثير.

سينما الفيومي والفردوس
وبين سليمان انه ومقابل البنك العربي في شارع فيصل كان يقع مقر سينما استوديو الفيومي التي اسسها شقيقان من آل الفيومي في عمارة قردن في العام 1947، حيث عرضت العديد من الافلام العربية مثل بلبل افندي لفريد الاطرش وصباح، وبعض الافلام اللبنانية المصرية المشتركة، والاجنبية مثل: جيلدا للنجمة العالمية الامريكية ريتا هيوارت، ومما يروى عن هذه السينما انها استأجرت ذات مرة طائرة عامودية لتحلق فوق العاصمة عمان وهي تعرض لوحة قماشية كُتب عليها اسم الفيلم الذي سوف تعرضه هذه السينما. ومن ثم ذهب الفيومي ليؤسس دار سينما الفيومي (الخيام) في سفح جبل اللويبدة وليشتري سينما استوديو الفيومي اشخاص آخرون ويطلقون عليها اسماً جديداً هو سينما الفردوس ولتستمر عدة سنوات الى ان تغلق ويتم تحويلها الى مقهى شعبي شهير وفخم اسمه (مقهى العاصمة) للأدباء والمثقفين وقدم هدمت العمارة جميعها قبل نحو (18) سنة ليتم اقامة عمارة حديثة جداً مكانها.

سينما الخيام وبعد ان ذهب آل الفيومي وانشأوا سينما الفيومي في جبل اللويبدة فوق البريد المركزي تقريباً، اشترى آخرون هذه السينما وهم شركة محمود ابو قورة واخوانه وغيروا اسم السينما الى سينما الخيام بعد ان قاموا ببعض التحسينات والاضافات عليها حتى صارت تعرف باسم سينما الخيام الكبرى.
ومرت تلك السينما في فترات ذهبية رائعة حيث كانت محط انظار ورواد لحضور الافلام السينمائية من شباب وعائلات عمان، فقد عرضت افلاماً متنوعة هامة منها مثلاً: ابنة ريان، وافلام دريد لحام وافلاماً حربية واخرى عن الكراتيه واخرى هندية.. الخ.

سينما زهران
وهذه الدار السينمائية راقية المبنى والتصميم من الداخل والخارج، إذ إن أصحابها من آل الكردي عندما اشتروها من توفيق قطان اضافوا اليها بعض التعديلات مثل فتح بابها الرئيسي من عند شارع الملك الحسين.
واشتهرت بعرضها لأحدث واجمل الافلام العربية مثل فيلم الافتتاح عام 1952 وهو فيلم لحن الخلود لفريد الاطرش وفاتن حمامة، وافلامه الاخرى فيما بعد مثل: يوم بلا غد، رسالة غرام، لحن حبي.

وعرضت ايضاً العديد من الافلام الاجنبية الشهيرة مثل: سبارتا كوس، سايونار من بطولة مارلون براندو، مدام اكس.
وفيما بعد في السبعينيات والثمانينيات صارت تُعرض افلام للكراتيه واخرى يونانية جريئة، واخرى حربية، وغيرها من الافلام الهندية الساحرة، وتكرر عرض فيلم الرسالة للعقاد، وكان في تلك السينما مقصورة ملكية خاصة لجلوس الملك الحسين رحمه الله لمشاهدة بعض الافلام القديمة في فترة الخمسينات.

سينما الأردن
تم افتتاح سينما الاردن في العام 1951، وقد اسسها محمود ابو قورة على سفح جبل عمان المطل على مبنى البريد في شارع الامير محمد، وكان الذاهب اليها لا بد له من صعود درج طويل يقع بجانب مكتبة الاستقلال الشهيرة حتى الآن، وأول فيلم تم عرضه فيها فيلم بلدي وخفة للفنانة الاستعراضية نعيمة عاكف، حيث لاقى الفيلم اقبالاً جماهيريا كبيراً لعدة اسابيع، واخذت الدار تعرض الافلام الممتعة والهامة والحديثة الغربية الاخرى مثل: شاطئ الغرام لليلى مراد، وغزل البنات، وفتاة السيرك، قصة حبي لفريد الاطرش.
واذكر انه في منتصف الستينيات ذهبنا في رحلة طلابية سينمائية مشياً على الاقدام من مدرستنا في شارع المصدار الى سينما الاردن لحضور فيلم جميلة الجزائرية بطولة ماجدة ورشدي اباظة، ثم شاهدنا فيما بعد العديد من الافلام فيها في ايام الاعياد وغيرها من الايام، ولهذه السينما سينما اخرى صغيرة شعبية هي استوديو الاردن كانت تعرض فيلمين بتذكرة واحدة. وفي فترة الثمانينات والتسعينات تحولت هذه السينما الى سينما بعنوان آخر اسمها سينما فرساي الشعبية، ثم الان تحولت الى مسرح البلد الثقافي والفني.

سينما بسمان
وهذه السينما أسسها رجل الأعمال واصف باشا البشارات في شارع بسمان عام 1951، وكان فيلم الافتتاح بفيلم عنوانه ظهور الاسلام عن قصة لطه حسين الوعد الحق، ثم عرضت فيما بعد أرقى الافلام الاجنبية والهندية والعربية منها مثلاً: فيلم مدرسة المشاغبين، وفيلم عمر المختار – أسد الصحراء( عمر المختار )، وافلام فريد الاطرش مثل: ما تقولش لحد، تعالى سلم، وحبيب الروح لأنور وجدي وليلى مراد، امريكا في باريس، وبعض افلام كابوي من بطولة رونالد ريغان رئيس امريكا السابق عندما كان ممثلاً سينمائية قديماً!!.

سينما رغدان وعمان
وهما داران للسينما تقعان فوق بعضهما البعض، ولكن لكل سينما مدخل خاص بعيد عن الاخر. وقد تميزت سينما عمان بدخلتها الخاصة التي كان وما زال فيها مطعم الحلويات للكنافة شهرزاد، ثم صالة البلياردو للشباب ومطعم الساندويشات للكبدة والطحل ابو علي.
ومن ذكريات هذه السينما انها كانت تعرض فيلمين بتذكرة واحدة منها الافلام العربية والاجنبية وبالذات الحربية، اما سينما رغدان فقد اشتهرت بعرض الافلام الفرنسية وقصص الحب والكراتيه وبعض الافلام العربية.
ويوم افتتاح سينما عمان عام 1957 عرضت فيلم الارملة الطروب من بطولة كمال الشناوي وليلى فوزي، وفي الستينيات اذكر ذات يوم عيد شاهدنا فيلماً عربياً فيها وجاء الفنان الشهير توفيق الدقن ووقف على خشبة مسرح سينما عمان وحيّا الجمهور وقال لهم بعض عباراته الشهيرة: ألو يا أمم.. ألو يا همبكة... الخ.

سينما الحسين
افتتحت سينما الحسين الفخمة عام 1960، حيث كان فيلم الافتتاح اجنبياً اسمه رحلة الى باطن الارض ثم توالت الافلام الاخرى الاجنبية الشهيرة مثل فيلم صوت الموسيقى من بطولة جولي اندروز، وقصة الحي الغربي.. الخ. واذكر انه في الستينيات تم عرض الفيلم الشهير الناصر صلاح الدين لأحمد مظهر ونادية لطفي حيث قامت السينما ببيع التذاكر مسبقاً قبل ان يحضر الشخص الفيلم بعدة ايام بسبب الحشود الجماهيرية الهائلة جداً لحضور هذا الفيلم العربي العالمي لمخرجه يوسف شاهين.
وهناك سينمات اخرى شهيرة في وسط البلد في عمان القديمة كانت تتميز بشعبيتها وعرضها لأفلام قديمة كل فيلمين بتذكرة واحدة زهيدة الثمن لا تتجاوز الخمسة او السبعة قروش مثل سينمات الكواكب والحمرا وفلسطين وسينما الاهلي في المحطة.
وللأسف فإن جميع دور السينما في وسط البلد قد أغلقت أبوابها وأصبحت عبارة عن خرائب مهجورة دون أن تكلف أية جهة معنية نفسها لإعادة الإعتبار لجزء مهم من تاريخ عمان..!