النسخة الكاملة

النضج في منطقة اليورو

الأحد-2012-09-09 01:58 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز- كانت الزيادة السريعة والكبيرة في الديون الحكومية بمثابة ظاهرة عامة في الدول المتقدمة منذ أزمة 2007 - 2009: فلأول مرة يتجاوز متوسط نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 100 %. وسوف تُلقي عملية تقليص العجز والديون الحكومية بظلالها الثقيلة على توقعات النمو لجيلين مقبلين، أما دولة الرفاهة الاجتماعية كما عرفناها في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية فسوف تتغير هيئتها لا محالة، وخاصة في ضوء الشيخوخة السكانية المتسارعة. ولكن أزمة الديون في منطقة اليورو تحمل سمات مميزة. فرغم أن متوسط نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لا يزيد عما هو عليه في دول متقدمة أخرى، ورغم أن جهود خفض العجز والديون الحكومية بدأت في وقت مبكر هناك، فقد انزلقت منطقة اليورو إلى أزمة ثقة حادة على مدى العامين الماضيين. وهذا يشير إلى بُعد منهجي للأزمة التي لم يعد في الإمكان اعتبارها مجرد سلوك مسرف من قِبَل خطاة ماليين. والواقع أن الأزمة اليونانية كشفت عن ثلاثة عيوب رئيسية في الاتحاد النقدي ذاته. الأول أن النظام افتقر إلى الترتيبات الفعّالة اللازمة لمواءمة السياسات المالية وغيرها من السياسات الاقتصادية. وطالما كان فرض الانضباط المالي موكولاً إلى هيئة حكومية مشتركة، فمن المحتم أن تعود المشكلة إلى الظهور، الأمر الذي يحد من مصداقية القواعد المشتركة التي تحكم الميزانية. وعلاوة على ذلك، عملت الأسواق المالية على تقييم المخاطر الائتمانية الخاصة والسيادية بأقل من قيمتها، بما يتماشى مع اعتقاد ضمني مفاده أن أحداً لن يفشل، وأن كل الديون سوف تتحول بطريقة أو أخرى إلى كل مندمج، الأمر الذي يعني ضمناً ضعف انضباط السوق في التعامل مع المقترضين. أخيرا، وبمجرد اندلاع الأزمة، التي أدت إلى إعادة تقييم المخاطر في الأسواق المالية، أرغمت الحاجة إلى تجنب الانهيار الاقتصادي والمالي الحكومات على دعم الطلب الكلي ودمج التزامات الدين الخاصة. ولكن الانفصال بين السلطة النقدية المركزية وبين السلطات المالية غير المركزية التي فرضها الأمر الواقع أدى إلى إعاقة الاستفادة الكاملة من الأدوات النقدية من أجل مواجهة الصدمات النقدية والمالية. ولقد جعل هذا دول منطقة اليورو الفردية عُرضة لضغوط وحشية من قِبَل الأسواق المالية في وقت حيث تحول ديون القطاع الخاص المفرطة إلى ديون عامة غير مستدامة. وفجأة تحولت منطقة اليورو إلى قيد. وهكذا ظل حالها: فقد تم خفض الموازنات، وتعثر النمو، وبات لزاماً على الدول الواقعة على أطراف منطقة اليورو أن تعمل على هندسة تخفيضات كبيرة لأسعار الصرف الحقيقية بهدف استعادة القدرة التنافسية وغلق فجوة العجز الخارجي. وفي الوقت نفسه، تزعم دول القلب أنها غير قادرة على القيام بالكثير لتعزيز الطلب الكلي وتخفيف الضغوط عن شركائها، حتى مع أن معاناة الدول الطرفية تجر دول القلب إلى الركود، نظراً لاعتمادها على أسواق التصدير لدى الدول الطرفية. والواقع أن البيانات الأخيرة تشير إلى تدهور سريع للبيئة الاقتصادية في ألمانيا، حيث تقلص الفائض التجاري بشكل كبير في الأشهر الأخيرة. وعلى مدى العامين الماضيين، كانت التغيرات الجوهرية التي طرأت على الإدارة الاقتصادية في منطقة اليورو تهدف إلى تصحيح العيوب التأسيسية التي تشوب الاتحاد النقدي. وعلى طول الطريق، أصبحت العملية بين الحكومية مجتمعية. ولقد تم إيكال سلطات رئيسية فيما يتصل بتنفيذ المبادئ التوجيهية للسياسة العامة إلى المفوضية الأوروبية، كما عمل المجلس الأوروبي على الحد من قدرته على رفض توصيات المفوضية من خلال فرض الأغلبية المؤهلة كشرط لتغيير هذه التوصيات. بيد أن قواعد الإدارة الاقتصادية القوية لن تكون كافية. ذلك أن الاتحاد النقدي القائم بوظيفته بشكل كامل يتطلب أيضاً وجود بنك مركزي حر وقادر على العمل وفقاً للمطلوب لمواجهة صدمات السيولة والثقة، وبعض تبادلات الديون الحكومية، والسيطرة المركزية على السياسة المالية. ولابد أن يتمتع فضلاً عن ذلك بسياسات إشرافية مصرفية مركزية، لديها صلاحيات قوية لإدارة الأزمات المصرفية وتصفية البنوك التي لا يمكن إنقاذها. ومن غير الممكن أن يتحقق كل هذا إلا بشكل تدريجي، مع تحرك أوروبا نحو اتحاد فيدرالي تام النضج. أما قدرة منطقة اليورو على البقاء إلى أن يتحقق هذا فسوف تتحدد وفقا لقدرة المجلس الأوروبي على وضع ترتيبات وسيطة قادرة على وقف الأزمة واستعادة الثقة بين أعضائه. ولقد اعترف زعماء أوروبا لأول مرة في اجتماعهم في نهاية حزيران (يونيو) بالأبعاد المتعددة للأزمة، وتقبلوا حقيقة مفادها أن التقشف ــ إعادة ترتيب كل بيت من الداخل ــ لن يكون كافيا. وعلى هذا فإن المبادرات السياسية المشتركة الجديدة سوف تعالج المشاكل المتعلقة بالنمو الاقتصادي، والاتحاد المصرفي، والسيولة. كما عمل زعماء أوروبا على وضع هذه السياسات الجديدة ضمن إطار متماسك أطول أمداً وقد يشتمل أيضاً على "إصدار ديون مشتركة". وعلى نحو مماثل، وافق المجلس الأوروبي على "مفهوم جديد للنمو وتوفير فرص العمل" يحدد بعداً أوروبياً بعينه لسياسات النمو، وهو في الأساس تكامل الطاقة، والنقل، والاتصالات، والخدمات، إلى جانب زيادة الاستثمارات في مشاريع البنية الأساسية. والأمر المفقود بشكل ملحوظ هنا يتلخص في الاعتراف بالحاجة إلى قدر أعظم من المرونة في التعامل مع جهود تقليص العجز المالي. وكما طالبت هذه اللجنة، فيتعين على الدول التي تتمتع بمواقف مالية أقوى أن تضع في اعتبارها ضرورة إبطاء جهود تقليص العجز والديون من أجل تجنب تفاقم الركود. ولكن من أجل الحفاظ على ثقة المستثمرين، فيتعين على بعض بلدان منطقة اليورو أن تعمل على إيجاد التوازن الصعب بين التقشف والمبالغة في التقشف، وهو الأمر الذي كان ليصبح سهلاً يسيراً لو أصدر المجلس الأوروبي بياناً واضحاً بأن السماح لمثبتات الاستقرار التلقائية بالعمل، مع الحفاظ على المسار فيما يتصل بأهداف الموازنة البنيوية، يتوافق تمام التوافق مع التزامات الاتحاد الأوروبي. فضلاً عن ذلك فإن حصة أعظم من أعباء التكيف لابد أن تقع على عاتق ألمانيا. وسوف تساعد اتفاقيات الأجور السخية إلى حد ما في ألمانيا، ولكنها ليست كافية؛ فهناك أيضاً الحاجة إلى تعزيز الطلب الداخلي. وقد يساهم التحرير الأكثر عدوانية للنظام المصرفي المتضخم، وخدمات الشبكات (وخاصة في مجال الطاقة والنقل)، والمشتريات العامة، في زيادة الاستثمار المحلي والدخول المحلية بشكل كبير مع الوقت. وقد تساهم الاستثمارات الكبيرة المطلوبة للتعويض عن خسارة الطاقة النووية بحوافز أكثر مباشرة. لا ينبغي لنا أن ننظر إلى كل هذا باعتباره تنازلا، بل بوصفه جزءاً من الالتزامات التي تعهدت بها حكومات منطقة اليورو لمعالجة اختلالات التوازن المفرطة. والآن أكثر من أي وقت مضى، بات من الواجب علينا إقناع ألمانيا بأن منطقة اليورو، في غياب إسهامها في تنشيط النمو وتصحيح اختلالات التوازن الخارجية، تواجه فترة مطولة من الكساد والانهيار المؤكد.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير