جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ربما ليس من قبيل المصادفة أن كثيراً من مستخدمي "تويتر" قاموا أخيراً بحظر الحسابات التي تم التحقق منها لأجل إسكات بعض الأصوات المسيئة (أ ب)
اشترى إيلون ماسك موقع "تويتر" بهدف دعم حرية التعبير كما قال، ولطالما أصر على أن هذا هو السبب الأساس لقراره التجاري الذي اعتبر كثيرون أنه غير معقول ومريب، وزادت غرابة هذا القرار مع مرور الوقت.
قال إنه أقدم على تلك الخطوة من أجل "مساعدة الإنسانية التي أحبها" ولمنح الناس "ساحة المدينة الرقمية" Digital Town Square (مساحة عبر الإنترنت لتجمع افتراضي للأشخاص تتيح لهم المشاركة في المناقشات وتبادل المعلومات والتفاعل في ما بينهم) التي يستحقونها، مؤكداً أن المال ليس عائقاً بالنسبة إليه، وربما كان ذلك من أجل الأفضل لأن مبيعات الإعلانات تراجعت بنسبة 60 في المئة تقريباً، ولم تحقق الاشتراكات النجاح المرجو منها، فيما تقدر الفائدة على قروضه بأكثر من مليار دولار سنوياً.
قد يبدو منح الجنس البشري منصة نقاش مفتوحة أمراً محموداً ومسألة جديرة بالثناء، خصوصاً بعد فقدان إيلون ماسك مكانته السابقة كأغنى رجل في العالم، لو لم يكن ذلك يعني تفسير "حرية التعبير" على أنها "السماح للناس بأن يكونوا مريعين للغاية تجاه الآخرين"، فقد شهد موقع "تويتر" ارتفاعاً في خطاب الكراهية خلال الأشهر الستة الماضية، وبدا أن قرار ماسك منح شارات تحقق وتعزيز "مرات الظهور" Impressions [العدد الإجمالي لمرات عرض تغريدة على حسابات المستخدمين والذي يستخدم كمقياس لمدى رؤية ووصول تغريدة أو حساب إلى باقي المستخدمين] للذين يدفعون من أجل الاشتراك في "تويتر بلو" Twitter Blue (ميزة العلامة الزرقاء التي توفر للمشترك وصولاً حصرياً إلى تخصيصات التطبيق وإعداداته المميزة)، قد مكن أسوأ المحرضين والمتنمرين عبر الإنترنت من نشر آرائهم من دون أي عواقب.
إيلون ماسك يعلن تعيين رئيسة جديدة لـ"تويتر"
وأظهرت دراسة أخرى أن 99 في المئة من منشورات خطاب الكراهية سمح لها بالبقاء على المنصة، وكانت من جانب مستخدمي "تويتر بلو".
إنه حقاً لأمر مروع، لكن إذا ما تعاملنا مع الأمر من منظور إيجابي فيمكننا اعتباره نتيجة حتمية وجانباً لا مفر منه من جوانب الحياة، فـ "حرية التعبير" تشمل "حرية التعبير عن الذات بحماقة" لكنها لا تعني حرية التحرر أو الإفلات من العواقب. وليس هناك ما يمنع الأطراف المتضررة من فرض حظر على الأشخاص الذين يضايقونهم.
هذه هي الحرية أيضاً، حرية تجاهل الأفراد الذين لا تحبهم إذا كنت لا تريد الاستماع إليهم، وحرية صقل تجربتك الخاصة ورعاية بيئتك الرقمية عبر الإنترنت من خلال اختيار الأشخاص الذين تريد أن تتابعهم، وحرية البقاء داخل فقاعتك أو دائرتك الاجتماعية المفضلة إذا كنت ترغب في ذلك.
لكن ذلك قد لا يكون متاحاً لفترة أطول، ففي رد على أحد التعليقات هذا الأسبوع قال ماسك إنه يفكر في إزالة قدرة المشتركين بالكامل على حظر الحسابات، وأن يعزز في المقابل وظيفة "الكتم" Mute بدلاً من ذلك (ميزة تسمح بإزالة تغريدات أحد الحسابات من جدولك الزمني من دون إلغاء متابعتك له أو حظره، ولن يعرف صاحبه بأنك قمت بذلك).
هذه فكرة رهيبة، وهذا هو بالتحديد نقيض الحرية، فالمعادلة ليست معقدة، إذ إن التغييرات التي أجريت على الخوارزمية تعني أن الحسابات التي تم التحقق منها ستظهر في واجهة التغريدات والرسائل الخاصة بك، في كثير من الأحيان، سواء كنت تتابعها أم لا.
ونظراً إلى أن الحسابات الموثقة تتيح لأصحابها بث الكراهية ونشرها من دون أية عواقب أو تداعيات، فإنه يصبح من المثير للقلق أن تجد في جدولك الزمني محتوى يعبر عن الكراهية ولا يكون لديك سوى خيار قبوله.
إن الإصدار السابق لمنصة "تويتر" لم يكن ناجحاً بشكل دائم لكنه حقق تقدماً ملحوظاً في تحمل المسؤولية وأخذها على محمل الجد، وكان يقدم ميزات تهدف إلى ضمان سلامة المستخدمين ويسعى إلى توفير تجربة مريحة، فقد منح مستخدمي المنصة القدرة على إزالة العلامات المشار إليهم فيها، وكتم المحادثات الفردية، والتحكم في من يمكنهم الرد على تغريداتهم، إلى جانب وظائف أخرى مألوفة مثل حظر الحسابات.
لقد أرسى "تويتر" في الواقع بيئة أكثر أماناً ومتعة، فالتجربة عبر الإنترنت كانت موجهة وفقاً لتفضيلاتك أنت، وحاولت أيضاً حمايتك من التنمر والتحريض، لا سيما بالنسبة إلى الأشخاص الضعفاء، وكانت وظيفة "الحظر" بمثابة سلاح الملاذ الأخير.
ينبغي عدم التقليل من تأثير التحريض والتنمر، إذ يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الأفراد، وغالباً ما تصبح النساء اللواتي يرغبن في التعبير عن آراء سياسية صريحة هدفاً لوابل من الإساءات والشتائم، وبالمثل فإن الأفراد المتحولين جنسياً والمثليين الذين يدافعون عن حقوقهم غالباً ما يتعرضون إلى هجمات من أشخاص يتجاهلون أهمية تلك الحقوق. وفي مثل هذه الحالات يصبح خيار الحظر الطريقة الوحيدة للتحكم بتلقي مثل هذه المحادثات والتخفيف من آثارها عليهم عبر الإنترنت.
يشار هنا إلى أنه ربما ليس من قبيل المصادفة أن كثيراً من مستخدمي "تويتر" لجأوا إلى استخدام ميزة الحجب الفوري للحسابات التي تم التحقق منها سعياً إلى إسكات بعض الأصوات المسيئة، وقد أسهمت هذه الممارسة في إعادة "الخط الزمني" أو يوميات صفحتهم الرئيسة (تايم لاين) Timeline إلى ما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، وبالتالي شكلت نوعاً من السخرية من رؤية ماسك. ولا شك في أن تلقيبه بـ "سبيس كارين" Space Karen يسبب إزعاجاً كبيراً له، لأنه لا يحب أن يقوم أحد بتقويض مكانته أو الانتقاص من مركزه (شاع هذا المصطلح وأصبح طريقة للتندر عليه وإبراز سلوكه المتطرف، والتعبير هو مزيج من "كارين" الذي يطلق غالباً على الأفراد المتطلبين، و"سبيس" أو الفضاء، في إشارة إلى مشاركة إيلون ماسك في استكشاف الفضاء من خلال شركته "سبيس إكس").
وتعد إزالة ميزة حظر الحسابات مثالاً واضحاً على النفاق المطلق الذي يتسم به ماسك، إذ يكشف عن نيته الحقيقية وراء الاستحواذ على منصة "تويتر"، فالأمر لا يتعلق بمناصرة حرية التعبير التي تشمل حرية التجاهل وحرية تجنب رؤية محتوى معين، بل بمحاولة إعادة تشكيل معالم مساحته المفضلة على الإنترنت لتكون على صورته التي تتميز بكونها صاخبة ومسيئة ومستجدية لاهتمام الناس على نحو مستمر.