جفرا نيوز -
جفرا نيوز - منذ انطلاقتها عام 2017 بدت "تيك توك" المنصة الأكثر جذباً للأطفال والمراهقين والأكثر استخداماً بينهم للترفيه والتواصل وإعداد فيديوهات مرحة، مما جعلها تحقق شهرة واسعة وتستقطب بشكل خاص هذه الفئة العمرية. لكن وعلى رغم ذلك، لا يزال أثرها على الأطفال محل جدل واسع في العالم وتثار تساؤلات حول نية الصين من وراء تخصيص نسخة خاصة لأطفال البلاد لتقدم لهم محتوى مختلفاً، في مقابل النسخة الدولية لأطفال العالم.
يعلم الجميع أن التكنولوجيا بشكل عام ومنصة "تيك توك" تحديداً قد تشكل خطراً على المراهقين بحسب استخداماتها، إلا أن خطوة الصين هذه كانت الأكثر تشدداً في هذا المجال بهدف حماية الأطفال من المحتوى غير المناسب الذي تقدمه المنصة، فما الذي تقدمه الصين لأطفالها في نسخة Douyin الخاصة بها؟
أكثر جذباً للأطفال
تتزايد في الأعوام الأخيرة الضغوط التي تواجهها منصات التواصل الاجتماعي حتى تكون آمنة للأطفال، إلا أن الصين بدت سباقة في حرصها على حماية أطفالها، فأطلقت تطبيق Douyin أولاً عام 2016، للأطفال الصينيين بهدف وصول محتوى لائق إليهم، بما يختلف عن المحتوى وشروط الاستخدام المتوافرة على "تيك توك" في النسخة الدولية المتاحة لبقية أطفال العالم، علماً أن للنسخة الصينية ما يقارب 750 مليون مستخدم في الصين مقابل 1.5 مليار مستخدم لـ"تيك توك" في العالم.
يعد تطبيق "تيك توك" الأكثر استخداماً بين الشباب، فيشكل من تراوح أعمارهم بين 10 سنوات و19 سنة نسبة 25 في المئة من مستخدميها، فيما يشكل أولئك الذين هم بعمر 20 إلى 22 سنة نسبة 22 في المئة. أما من تراوح أعمارهم بين 30 و39 سنة، فيشكلون نسبة 21 في المئة، بالتالي فإن النسبة الكبرى هم من الأصغر سناً، بشكل خاص في الولايات المتحدة الأميركية حيث يصل عدد مستخدميها إلى 115 مليوناً، وفق ما يؤكده الخبير في التحول الرقمي بول سمعان في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، لكن اللافت أن تطبيق "تيك توك" غير متوافر في الصين، وإن كان صيني المنشأ ومملوكاً من شركة ByteDance تماماً كما بالنسبة إلى نسخته الخاصة بالصين وبأطفالها والمشابهة له إلى حد كبير.
بين النسختين الصينية والدولية
تتميز النسخة الصينية من "تيك توك" بأنها تقدم محتوى تربوياً وتعليمياً للأطفال، إضافة إلى قسم مخصص للتجارة الإلكترونية وهي تختلف عن النسخة الدولية من حيث المحتوى والخوارزميات، خصوصاً أن بكين فرضت قوانين صارمة عليها مع رقابة مشددة تخضع لها، مما جعلها تتميز بمحتواها الأكثر ملاءمة للأطفال. فالمنظمون الصينيون في غاية التشدد في هذا المجال حرصاً على طبيعة المحتوى الذي يعرض على الأطفال في بلادهم حصراً والذي له طابع تربوي وتثقيفي أكثر.
سواء بالنسبة إلى "تيك توك" أو Douyin تؤكد الشركة المالكة أن الهدف ترفيهي للمراهقين عبر فيديوهات مسلية وموسيقى، إضافة إلى إمكان تعزيز القدرة على التواصل وإقامة العلاقات الاجتماعية والصداقات من خلالها وتعزيز القدرة الإبداعية لدى المراهقين الذين يندفعون إلى إعداد الفيديوهات المسلية والمرحة والمشاركة في التحديات، وتشدد الشركة دوماً على الجانب التثقيفي في كل من النسختين لما يمكن تعلمه في مجالات مختلفة كالطهو والجمال والموسيقى والرقص.
ولا تخلو منصة "تيك توك" بالفعل من جانب تعليمي في ما تقدمه من محتوى للأطفال في مجالات العلوم واللغات والموسيقى والرقص والطهو. لكن بغياب الرقابة الصارمة ومع اختلاف الخوارزميات فيها، قد تزيد صعوبة وصول الطفل أو المراهق إلى هذا المحتوى التثقيفي بعكس ما يحصل في Douyin حيث تتوافر بسهولة كبرى، وفق ما يوضحه سمعان، فتقدم النسخة الصينية للأطفال تجارب علمية يمكن القيام بها في المنزل وجولات في المتاحف مع مقاطع فيديو تعليمية لمن هم دون عمر 14 سنة، إذ لا تختلف من حيث المحتوى فحسب، إنما من حيث شروط الاستخدام الصارمة، فهناك قيود على المشاهدة ويحصر الاستعمال بـ40 دقيقة في اليوم كحد أقصى وذلك بين الساعة العاشرة مساء والساعة السادسة صباحاً.
كل تلك التشديدات أدت إلى تزايد الاتهامات الموجهة إلى الصين بأنها تحاول حماية أطفالها من خطر التكنولوجيا عبر تخصيص هذه النسخة، على خلاف ما يطرح في النسخة الدولية لبقية أطفال العالم، وإن كان التطبيق يؤكد في سياسته التزامه حماية القاصرين وسلامتهم وحظر الأنشطة التي تستغلهم أو تعرضهم للخطر أو تسيء إليهم، حتى إن دولاً عدة حظرت استخدام "تيك توك" على أراضيها مثل الهند وتايوان وباكستان.
وتهدد الولايات المتحدة الأميركية بالقيام بالمثل، مما قد يشكل ضربة للشركة نظراً إلى ارتفاع عدد المستخدمين فيها، خصوصاً أن المنصة متهمة بانتهاك الخصوصية بما أن استعمالها يتطلب بيانات كثيرة، لذلك منع استخدامها في ولايات عدة من قبل الموظفين الحكوميين خوفاً من احتمال حصول عمليات تجسس من خلالها، إلا أن المنع التام ربما لا يكون بهذه السهولة، خصوصاً مع ارتفاع أعداد المستخدمين الذين تمثل المنصة لهم مصدر رزق.
من جهة أخرى كثرت التحذيرات من أخطار "تيك توك" التي يزيد فيها خطر الإدمان نظراً إلى طريقة إعداد الخوارزميات بشكل يدفع المستخدم إلى الاستهلاك المفرط بعد تقديم محتوى يناسب تفضيلاته، من دون أن ننسى خطر التنمر الإلكتروني الذي يمكن أن يتعرض له الطفل في ظل إمكانات التواصل المتاحة عبر المنصة المفتوحة للجميع.
أما التحديات التي يطلقها "تيك توك"، فربما تكون من أهم الأخطار التي يواجهها الأطفال والمراهقون حالياً وكانت السبب وراء وفيات عدة سجلت أخيراً، إضافة إلى بقية تداعياتها النفسية والصحية، بما أن الأطفال يشاركون في هذه التحديات من دون التفكير بالعواقب مع إمكان استغلال هؤلاء الأطفال من قبل بعض الأشخاص عبر هذه المنصة.
في مواجهة الخطر
على أثر الجدال المثار حول المنصة وما تحمله من أخطار على الأطفال والمراهقين، برزت خطوات مستجدة اتخذها المنظمون لجعل النسخة الدولية أقرب إلى الصينية للأطفال وتقضي بمنع استخدام "تيك توك" لمن هم دون عمر 18 سنة لأكثر من ساعة واحدة في اليوم مع إمكان تمديد هذه المهلة لمدة نصف ساعة إضافية بتصريح من الأهل.
لكن يبقى احتمال عدم التصريح بالعمر الحقيقي ممكناً. في هذه الحالة، إذا تبين لاحقاً أن المستخدم لم يعلن عن سنه الحقيقية، فيمنع بشكل تام من استخدامها. لذلك يفضل المراهقون عدم المخاطرة حتى لا تفرض عليهم قواعد صارمة، سواء في النسخة الصينية أو في تلك الدولية.
وعلى رغم الأخطار التي يمكن أن تنتج من استخدام "تيك توك"، يشدد سمعان على دور الأهل الأساسي في توجيه الأطفال وتحذيرهم منها وذلك بوجودهم إلى جانبهم وإحاطتهم وتحديد أوقات استخدام المنصة. كما تبرز أهمية التشديد على مبدأ الخصوصية والحد من البيانات الخاصة التي يمكن أن يشاركها الطفل، ومن المهم تشجيع الأطفال على التبليغ عن أي انتهاك للخصوصية أو سلوك مريب أو محتوى غير ملائم. وتتوافر خاصية report على منصة "تيك توك" للتبليغ عن أي محتوى أو فيديو غير ملائم، إضافة إلى إمكان اعتماد الـrestricted mode مع رمز دخول لحماية للطفل، كما أن خاصية Family pairing موجودة لتحديد استخدامات "تيك توك" والأوقات المخصصة لذلك للطفل، وربما تكون هذه من أهم الخاصيات المتوافرة فيها لتحديد الوقت والاختيارات المتاحة للطفل في البحث مع إمكان حظر الرسالة المباشرة وحصر التعليقات على الفيديوهات بأشخاص معينين.