النسخة الكاملة

رسام أردني صقل موهبته متأثرا بليوناردو دافنشي .. من هو؟

الخميس-2023-06-05 11:44 am
جفرا نيوز  - تزدحم ناصية شارع الرضا وسط البلد من محبي الرسم، حول الرسام بالفطرة احمد عقل وهو يحبر خلال ربع ساعة على أقصى تقدير بشكل مباشر وعلى مرأى الجميع، وجوه المارة من خلال فن البورتريه أو فن الكاريكاتير الهزلي طابعا البهجة والانبهار على مُحَيَّا المراقبين.

وكالة  (بترا)، التقطت المشهد اللافت، فحاورت الفنان مستخرجة مكنوناته الدفينة بالعودة معه الى الوراء لأكثر من 30 عاما من العناء، حيث قال، إنه منذ 17 عاما استقر كرسام بورتريه وكاريكاتير عند حافة درج الرضا 7 نزول شارع الشابسوغ، مشيرا إلى أنه خط رسوماته الأولى في سن الـ 9 سنوات متأثرا بالفنان الفلسطيني الكاريكاتيري ناجي العلي الذي حمل جرح وطن كامل، مؤكدا أنه يرسم الوجوه بشكل مباشر خلال 10 دقائق بمهارة وإتقان عالي الحرفية.

وأضاف أنه في بداية مشواره كان يرسم على دفاتر الرسم المدرسية التي لم تكن تتسع لطموحاته مما اضطره الى الاستعانة بالورق الذي تلف به ساندويشات الفلافل ليتسنى له التدريب مرارا وتكرارا على الرسومات دون تكاليف مادية إضافية لا يستطيع تأمينها لنفسه، مؤكدا أن الموهبة وحدها لا تكفى وإن وهبها الله للإنسان وأن التدريب والممارسة المستمرة للموهبة هي من تعززها وتهذبها.

وبين أنه لم يجد من يسانده في صقل موهبته إلا الشغف والإصرار، إضافة الى إيمانه بالرسم الذي لا يزال الدافع والمحرك الأول له على الدوام.

ووصف عقل نفسه "بسارق الكلمة"، قائلا "كنت أقتحم حرم الجامعة الأردنية قاصدا كلية الفنون من أجل الاستماع لو لكلمة واحدة من خلف الأبواب لما يتعلمه طلاب الفنون الجميلة داخل المحاضرات، في حين أنه تم طردي من الجامعة مرات ومرات لكن اليأس لم يعرف طريقي أبدا، علما بأنني حرمت من مواصلة تعليمي وألزمت بعدم الذهاب إلى المدرسة منذ الصف السادس الابتدائي جراء الحالة الاقتصادية العائلية وتوجب علي العمل لمساعدة والدي الذي لم يكن فنانا ولكنه كان يدعمني ويساعدني بالوقوف على قدماي في كل مرة كانت فيها خيبة الأمل حليفة خطاي".

وأكد أنه لا يؤمن بوجود المستحيل قائلا أن الإنسان وحده هو من يختار طريقه وأن حلاوة الحياة لا يتذوقها ولا يستمتع بها إلا من ذاق مرارتها وشعر بمعاناتها فقط.
وأوضح أنه خلال تواجده لسنوات عديدة أمام بوابة الجامعة الأردنية الرئيسية كون صداقات كثيرة مع طلبة الجامعة كرسام يعلمهم مهارات الرسم مقابل استعارة كتب تعليم فنون الرسم منهم، وذلك لإشباع رغبته وشغفه في التعلم من بحور العلم، الى أن جاء اليوم الذي تم فيه إزالة الشجرة التي كان يتفيأ ظلالها ليجد نفسه دون مأوى أو مقر يمارس فيه عشقه للرسم، قائلا "منذ ذلك الحين انتقلت الى وسط البلد حاملا معي وجعي وألمي لما جرى".

وبين عقل أنه درس وتعلم من تلقاء نفسه بمساعدة أخته في البداية التي ساهمت في تعليمه القراءة والكتابة حتى أصبح أكثر مهارة منها، مواصلا تعلم رسم البورتريه من مدرسة ليوناردو دافنشي تعليما ذاتيا وهي الصورة الصامتة بأقلام الفحم الفرنسية والألمانية تحديدا المستخلصة من الطبيعة، موضحا أن مدرسة ليوناردو دافنشي تركز على أن الدائرة هي السر العبقري في رسم وجه الإنسان في فن البورترية والذي يغفل عنه الكثير من الفنانين.

وأضاف أن الكثير يعتقدون أن جمال الوجه يكمن في الرموش أو لون العيون، لكن الحقيقة أن الجفون هي مصدر الجمال والدليل على ذلك لوحة الموناليزا التي لا تملك الرموش ولا الحواجب ومع ذلك فإن ثمنها قدر أخيرا بنحو 750 مليون دولار، إضافة إلى أن عدد زوارها في فرنسا يصل الى ستة ملايين زائر سنويا، كما أنها تعتبر أشهر لوحة في تاريخ البشرية على الإطلاق لا يُنافسها في تلك المرتبة لوحة أخرى.

من جهته، قال رئيس رابطة الفنانين التشكيليين سابقا الفنان التشكيلي كمال ابو حلاوة إن فنون الشارع من الفنون القديمة التي تعامل معها الإنسان منذ العصور الأولى، معبرا عن اختلافه مع كل من وثق ظهور فن الشارع الى نهاية القرن الحادي والعشرين وحصره في الفن الجرافيتي فقط، ولفت الى أنه ظهر عند الفراعنة، والأنباط، والآشوريين منذ العصور القديمة، فضلا عن المسرح المفتوح والشعر وفنون السيرك في الجاهلية.

وأكد أن فن الشارع يعتمد على الأماكن المكتظة بالجمهور كالمدن الكبيرة المزدحمة بالسكان مما يجعل الرسامين على تماس مباشر مع المارة حيث أن رسام البورترية يجلس على الرصيف ليرسم وجوه المارة لمجرد إعجابه بوجه معين أو مقابل مبلغ زهيد، ومنهم من يحول الوجوه الى رسومات كاريكاتيرية صانعا بذلك حالة من الفرح أو النقد بأسلوب فكاهي هزلي.

وتابع أن الرسم الجرافيتي يرسم على الجدران بأساليب مختلفة كرسم الخط، والصور التعبيرية أو رسم شخصيات ثقافية، سياسية وتاريخية، فضلاً عن الأعمال النحتية، والإنشائية، التي تحمل رسائل سياسية أو بعض هموم وأوجاع المجتمع، كما ساهمت التكنولوجيا والعالم الرقمي في نقل فنون الشارع الى كل أرجاء العالم بسرعة مذهلة مما أدى الى انفتاح ثقافات العالم على بعضها البعض بكل سهولة ويسر.

وأكد ابو حلاوة أن هناك ربطا بين الحالة الإبداعية والمسببات المحفزة الى ولادة كل ما هو صادق، بالإضافة إلى أهمية حضور الموهبة الربانية التي تلمس مشاعر المتلقي تاركة الأثر الذي يجسد تغيرا حقيقيا في سلوكه العام، كالمعاناة التي يعيشها الفنان والتي تجعله صادقا بما يقدمه للجمهور بالإضافة الى أهمية التركيز على دور التدريب والبحث والتجريب في نمو وتطور الموهبة.

وأوضح أن من أهداف رابطة الفنانين الأساسية تجاه المجتمع المحلي استقطاب المواهب المميزة والفريدة، والعمل على محو الأمية البصرية وإبراز الفنون بشتى أشكالها لما لها من تأثير إيجابي على العوامل النفسية في أفراد المجتمع، كما أن الرابطة تشجع المسابقات التنافسية لجميع أنواع الفنون ولجميع الأعمار، مشددا على أهمية إعادة إحياء مادة التربية الفنية في المناهج المدرسية في التعليم وإدراج علاماتها ضمن المعدل العام، وإعادة إحياء الخط العربي وإبراز أهميته وخصوصيته.

وطالب وزارة التربية والتعليم بضرورة الاستفادة من خبرات الفنانين من خلال توظيف فنان واحد على الأقل في كل مدرسة وإشراكهم ضمن المخيمات والملتقيات المدرسية للاستفادة من خبرات الفنانين المحترفين منهم.

بدوره، قال الأستاذ المشارك في الفنون البصرية المعاصرة بكلية الفنون والتصميم في الجامعة الأردنية الدكتور محمد بكر العباس، إن للفنون البصرية دورا فاعلا ومتشعبا في المجتمع وإن لم ينتبه المواطن إليها بشكل مباشر بسبب انشغالاته اليومية 
لكنه يتفاعل معها بشكل صامت في الفضاء العام على الرصيف أو في الحديقة وفي المحال التجارية وبيوت العبادة حيثما تظهر الألوان المختلفة مثل الديكورات والأزياء والإضاءات التي تبعث البهجة في نفوس الصغار والكبار دون الخوض في تاريخها.
وأضاف أن فنون البورترية بأشكالها المختلفة تنتمي إلى الفنون البصرية التي نتعامل معها من خلال الصحافة والتلفاز كما تستخدم أيضا ضمن الحملات الانتخابية المختلفة التي مرت على المجتمع الأردني في السنوات القليلة الماضية.

وقال إن فن الكاريكاتير يمثل شخصيات محلية وغير محلية معروفة عند المجتمع من خلال الأخبار ووسائل الإعلام حيث يظهر ملامح الشخصيات وأوصافهم بصورة مبالغ فيها بهدف النقد أو الفكاهة، مشيرا الى أن الفنان الكاريكاتيري الأردني تحديدا يلتزم بثقافة المجتمع العامة ويحترمها فهو يلعب دورا بناء في تكوين وعي إيجابي عند المواطن نحو الثقافة المعاصرة والانتماء إلى 
قيمها وجمالياتها والتأثير على الرأي العام بشكل مباشر.

وأكد العباس، أنه أداة تعليمية وتوعوية منتشرة في المجتمع حيث أصبح وسيلة قوية ووسيطا فعالا في نقل الرسائل والمضامين، بالإضافة الى دوره في تسليط الضوء على قضايا هامة ودوره في تجاوز الخلافات بين الأفراد بالرغم من اختلاف المستويات الثقافية والتعليمية، ونقل رسائل حول عادات الاستهلاك بأسلوب أفضل كوسيلة من وسائل الرفاهية والراحة لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وحث على ضرورة استخدامه في المدارس لتعليم وتثقيف الأجيال الصاعدة حول قضايا اجتماعية هامة.

وأكد ضرورة مساهمة مؤسسات المجتمع المدني والوزارات والهيئات العامة ودور النشر والصحافة والإعلام بتسليط الضوء على الفنان وإنتاجه وتوجيهه نحو الاهتمام بقضايا المجتمع و طرق حلها واستثمار فن الكاريكاتير في الصالح العام نحو تربية المجتمع وتثقيفه بشكل مباشر، لأن الفنون البصرية تعتبر صفة من صفات المجتمع المتمدن وناقلا للثقافة العامة وحاميا لها.

الخبير الاقتصادي حسام عايش، قال إن علاقة الاقتصاد بالفنون علاقة تبادلية نفعية، فمن خلال صنع قيمة اقتصادية للفن يمكن تداول وتدوير المنتج الفني وتحقيق منافع اقتصادية شاملة وزيادة المعدلات الاقتصادية للدول، مشيرا الى حجم المنافع الاقتصادية للفن في الدول الكبرى التي عرفت بفنونها، والتي صنعت من خلالها أيقونات سياحية يوفد إليها السياح من مختلف أنحاء العالم كقوة تسويقية.

وأضاف، أن الأهمية الاقتصاديَّة للفن تزداد في خلق فرص عمل جديدة وزيادة القوى العاملة، الأمر الذي يُسهم بشكل كبير في زيادة الناتج المحلّي الإجمالي، وتنمية اقتصاد الدولة، مبينا دور السينما في تعزيز الاقتصاد الوطني حيث أنه من الأدوات والمنتجات الأهم في السوق الاقتصادي للدول العالمية وخلق المزيد من التنافس كصناعة قائمه في حد ذاتها.
وبيَّن أن مجال الفنون يُعد أحد الروافد التي تنطلق منها الفنون الإبداعية والابتكار، إذ أن القطاع الفني هو أحد المجالات التي تقوم على بلورة الطاقة الإبداعية والتعبير عنها في إطار ثقافي واجتماعي وتنموي يساهم في بناء البيئة الإبداعية والاقتصادية، 
ويساعد على فتح قنوات التواصل مع العالم الخارجي والتعريف بثقافتنا وفنوننا، فضلاً عن الانفتاح على الثقافات الأخرى والتعرف على فنونهم واكتساب الخبرات الجديدة وتقنينها مع ما ينسجم مع ثقافتنا.

بترا - رانا النمرات