النسخة الكاملة

مساجد وكنائس بغداد تستجدي مآذنها وأجراسها

الخميس-2023-05-22 10:12 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - يزخر تاريخ العراق، الذي مر بحقب وحضارات متعددة وأديان ومذاهب مختلفة، بعدد كبير من الآثار ما زالت شواهدها حاضرة إلى حد الآن على رغم مرور قرون عدة على إنشائها.

فقرب ضفاف نهر دجلة، وبالتحديد جانبه الشرقي الممتد بمسافة كيلو مترات، كانت تلك المنطقة خلال قرون مضت مقراً لحكومات عصر الخلافة العباسية التي أقيمت عام 750 للميلاد، وكانت بغداد عاصمتها، مروراً بالدولة العثمانية وتأسيس الدولة العراقية عام 1920، الأمر الذي زاد من أهمية هذه المنطقة ليجري إنشاء عدد من الجوامع والكنائس المهمة فيها خلال تلك الفترات، حتى باتت جزءاً من تاريخ العراق.

آثار وحكايات قديمة

بجوار جسر باب المعظم، وبالقرب من مقر وزارة الدفاع القديمة عند مدخل شارع الرشيد، يشخص جامع الأوزبك، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى رعايا دولة أوزباكستان الحالية، وكانوا قد قدموا إلى بغداد مع الجيش العثماني إبان حكم السلطان العثماني مراد الرابع عام 1638، وبعد انتهاء مهمتهم استقروا في بغداد.

أنشأ الجامع السلطان عبدالعزيز خان عام 1682، ورمم مرات عدة في حقب زمنية مختلفة مما جعله لايزال محافظاً على طرازه القديم منذ أنشئ أول مرة.

"متنبي بغداد" يستعيد زمنه

ليس بعيداً من جامع الأوزبك يقع جامع آخر هو جامع المرادية الذي شيد أيضاً في زمن والي بغداد مراد باشا، وإبان عهد السلطان العثماني سليم الثاني عام 1570، وأعيد ترميمه عام 1901، وجدد في 2009.

على بعد مئات الأمتار من جامع المرادية بمنطقة الميدان، تشخص كنيسة مسكنتة التي شيدت عام 1663، وأعيد ترميمها عام 1970، وما زالت تتمتع بطراز جميل وحال جيدة.

قرب سوق السراي في شارع الرشيد يوجد أحد الجوامع التراثية القديمة هو جامع الحيدر خانة، الذي شيده الوزير داوود باشا والي بغداد عام 1819، وفرغ من تعميره في 1827، ويضم عدداً من مدارس العلوم الإسلامية، ومكتبة تحتوي على مصنفات لأبرز علماء الأمة.

ولجامع الحيدر خانة أهمية كبيرة، ففي عام 1920 اجتمع في هذا المسجد أعيان بغداد وانطلقت منه بداية أحداث ثورة الـ20 التي على أثرها تم تأسيس المملكة العراقية، وجرت عمليات ترميم على جامع الحيدر خانة، لا سيما قبته التي ظهرت فيها شقوق واضحة، وكان آخر هذه العمليات عام 2013.

قرب سوق الشورجة في شارع الرشيد، يوجد مسجد يعاني الإهمال هو جامع مرجان، الذي عام 1356 للميلاد، ويحتوي حرم الجامع على ثلاث قباب، اثنتان منها صغيرتا الحجم وواحدة كبيرة مرتكزة على أقواس تنتهي بالجدران المحيطة بها.

تقول كتب التاريخ إن من شيد هذه المدرسة هو أمين الدين مرجان بن عبدالله بن عبدالرحمن السلطاني الأولجايتي، من موالي السلطان أويس بن حسن الإليخاني، أحد أمراء الجلائريين.

وفي الجانب الآخر من سوق الشورجة في شارع الجمهورية، تنهض ثلاث كنائس قديمة شيدت في أوقات متزامنة، وعلى رغم إجراء عدد من أعمال الصيانة للكنائس الثلاث فإنها بحاجة إلى ترميم واسع النطاق.

يقابل الكنائس الثلاث جامع الخلفاء بمئذنته العالية المعروفة، الذي شيد في القرن الثالث الهجري في زمن الخليفة المكتفي بالله، وقد بات واضحاً الآن ميلان منارة الجامع من دون أي إجراء حكومي لإنقاذ هذا المعلم الإسلامي المهم.

كنائس جميلة وإهمال

يستعرض المهندس عصام إفرام حنا مدير عام دائرة شؤون المسيحيين في ديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية، أهم الكنائس التراثية في المنطقة القديمة من بغداد، مشيراً إلى أن الديوان بانتظار التخصيصات المالية للمباشرة بحملة تأهيل الكنائس.

ويضيف حنا "هناك خمس كنائس تقع في المنطقة القديمة التراثية من جسر باب المعظم إلى جسر السنك، ففي الطريق الواصل بين شارعي الرشيد والجمهوري يوجد ثلاث كنائس، أولها كنيسة اللاتين (السيدة العذراء)، وأنشئت عام 1871، وكان من المفترض أن يجري ترميمها خلال 2014، لكن دخول (داعش) إلى العراق أرجأ عملية التأهيل الشاملة، واقتصر الأمر على معالجة التشققات في الجدار، ونحتاج إلى إطلاق التخصيصات لترميمها بالكامل، لا سيما أنها تعاني تشققاً في قبتها وجدرانها".

خلف هذه الكنيسة توجد كنيسة أخرى، بحسب حنا، وهي كنيسة مريم العذراء للسريان الكاثوليك القريبة من السوق العربي، التي تم بناؤها عام 1863، وكانت من أجمل كنائس العراق لوجود فسيفساء زرقاء بها، لكنها تعرضت لانهيار أجزاء كبيرة منها وشيدت مكانها محال تجارية.

الكنيسة الثالثة أنشئت عام 1834 وهي كنيسة أم الأحزان، وتعود لطائفة الكلدان، وفق حنا، الذي يشير إلى أن هناك كنيسة رابعة هي كنيسة الأرمن وتسمى مسكنتة، وتقع في منطقة الميدان، وقد بنيت عام 1639 في الفترة العثمانية على يد ضابط أرمني في سلاح المدفعية، ورممت عام 1967 بالتفاصيل السابقة نفسها، وهي بحال جدية لكنها تحتاج إلى ترميم بسيط.

كنيسة خامسة في شارع السنك اسمها كنيسة الباتري بيير للكلدان، شيدت عام 1932، ورممت في 2009، وهي بحسب حنا، من أجمل كنائس بغداد، وتتألف من قاعات مزينة بالنقوش التراثية والتماثيل الدينية الخاصة بالسيدة مريم العذراء والسيد المسيح، لكنها تقع في منطقة تجارية ومن الصعب إجراء القداس أو الصلاة فيها، ومن الممكن أن تصير متحفاً.

يقول حنا إن المباشرة بصيانة تلك الكنائس مرهونة بالتخصيصات المالية ومقدارها من قبل الحكومة، ويأمل في أن تزودهم منظمة اليونسكو بمبالغ لترميم جميع الكنائس التراثية في عموم العراق، مثل كنائس في البصرة ونينوى التي تحتاج إلى حملة ترميم واسعة.

ما يمكن إنقاذه

مدير إعلام الوقف السني محمود القيسي، يشير إلى وجود مشروع لتطوير بغداد القديمة من خلال لجنة مشكلة من قبل رئاسة الوزراء، وتضم في عضويتها عدداً من الوزارات كل بحسب تخصصه، إذ تتولى اللجنة عملية تأهيل كل ما هو تراثي في تلك المنطقة، بما في ذلك الجوامع التي تقع تحت إشراف ديوان الوقف السني، موضحاً أن "المباشرة في المشروع ستكون هذا العام بعد إقرار الموازنة".

من جهته، يبين رئيس هيئة الآثار والتراث ليث مجيد، أن أعمال الترميم للجوامع والكنائس التراثية تجري بالتعاون مع الهيئة، وتستخدم مواد بناء مشابهة للمواد التي بنيت بها، موضحاً أن "أعمال الصيانة توقفت منذ عقود، وننتظر التخصيصات المالية لاستئنافها مجدداً".

وأضاف مجيد أن "أعمال الترميم للمواقع التراثية يجب أن تكون مشابهة لشكل ومواد البناء السابقة، وتجري الاستعانة بالمخططات القديمة للتأكد من شكلها السابق، على أن تكون مواد البناء الجديدة صديقة للبيئة".

ويشير مجيد إلى أن غالبية تلك المباني مبنية من الطوب اللبن والآجر، لذلك فهم يستخدمون تلك المواد نفسها في عملية الترميم، مما يتطلب مجهوداً مضاعفاً في تطبيق تلك المحددات بصرامة.

ويتابع "منظمة اليونسكو تساعدنا بخبراتها، كما أن لدينا خبرات محلية لا سيما في ترميم الجوامع، وآخر عملية صيانة جرت للجوامع والكنائس بشكل واسع كانت في سبعينيات القرن الماضي، وما جرى بعدها هو عمليات ترميم محدودة".