جفرا نيوز -
جفرا نيوز - تمر الأيَّام على الأردن وما زال عَلَمه يرتفع خفَّاقًا عاليًا تحت حراسة الأردنيين النَّشامى على مرِّ العصور، متباهين به وتخفق قلوبهم شوقا وحبا لثرى أرضهم الطهور، حيث كان وما زال وسيبقى هذا العلم دليلا حيًا على هوية أردنية تجمع ولا تفرِّق.
اليوم الأحد يُصادف اليوم الوطنيِّ للعَلَم الأردنيِّ، وبهذا اليوم تتبعت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) تاريخ العلم الأردني ورمزيته وقصَّته منذ بداية الاستقرار البشري، بدأ بعلم الآدوميين مرورًا بعلم الثَّورة العربية الكُبرى وانتهاء بعلم النَّشامى الملون بالأخضر والأحمر والأسود والأبيض، وبكل المراحل والسنوات والعصور كان العَلم شاهدًا على الإنسان والتَّاريخ والحضارة الأردنية العظيمة.
ويردِّد الأردنيون كل يوم وعبر كل الأجيال نشيد العلم ويقولون "خافق في المعالي والمنى، عربيُّ الظّلال والسّنا، في الذّرى والأعالي، فوق هام الرّجال زاهيًا أهيَبا"، حيث يعبر هذا النَّشيد عن جزء أصيل في تاريخ هذه البلاد الممتد لأكثر من 14 ألف عام.
ويشير الباحث في التاريخ والإرث الأردني بكر الرقاد إلى أنَّ العلم أو الراية -بشكل عامٍّ- رافق الأردنيّين في أفراحهم وأحزانهم ورخائهم وشدَّتهم، وفي كلِّ المعارك والاحتفالات الشعبيَّة التي مرَّت على الأردن، وكان أوَّلُها تاريخيًا ووفق المصادر التاريخية تلك الرَّايات التي رفعها الأردنيّون الأدوميّون، وآخرُها ما نحمله اليوم في قلوبنا، وما نرفعه فوق بيوتنا، ويرفرف بألوانه التي تتجذَّر معانيها في أرض التاريخ.
ويوضح أننا اليوم نرى علم المملكة الأردنيَّة الهاشمية يحتوى على العناصر الثقافية ذاتها التي احتوت عليها الرَّايات والأعلام الأردنيَّة القديمة، وبذات الألوان ما عدا الأخضر، ولو دلَّت أعلام اليوم على ممالك عربيَّة إسلاميَّة قديمة، فإنَّ مصبَّ الثقافة الأول يبقى واحدًا، ممَّا يدل بشكل واضح على أنَّ الثقافة إنَّما هي تراكمٌ لتجارب الشُّعوب تتناقله الأجيال، ليترك بصمةً لا تنمحي وثقافةً لا تندثر، تظهر جليًّا في علمٍ يمثِّل البلاد، يرفرف فوق الهامات، ويعتلي أكتاف أبنائه الشجعان، ويرسمه الأطفال في كرَّاساتهم بكلِّ حب.
ويضيف إنَّه إذا ما عدنا إلى جذور تاريخ البلاد الأردنية، سنجد أنَّ أوَّلَ الرايات والدلالات الوطنية، رافقت إحدى الممالك التي استحوذت على جزء كبير من جنوبي الوطن، ألا وهي مملكة الأدوميين، الذين اكتسبوا هذا الاسم من الرِّواية الدينية التي وردت فيها كلمة "أدوم" التي تعني الأحمر.
ويبين أنَّ الأحمر رافق الأردنيّين على مدى التاريخ، وكان جزءًا مهمًّا من الذَّوق العامِّ الأردنيِّ وواحدةً من علامات الثقافة فيه أيضًا، خاصة في الصناعات الصلصالية والألوان العامة المحبَّبة، والتعابير الرمزية والرايات والأعلام.
ويضيف أنَّ اللون الأحمر هو الأسبق في التَّعبيرات الثَّقافيَّة في الأردنّ، إذ استُخدِم آنذاك في جدارية "تليلات الغسول"، وهي جدارية مرسومة بالألوان "الأحمر والأسود"، كانت تمثِّل الشمس، ويبلغ عمر هذه الجدارية حوالي ستَّة آلاف عام، أي بعمر شمال شرقي البحر الميت، وهو واحد من أقدم المواقع البشرية في البلاد.
ويبين أنه كلَّما تحركت عجلة الزمن، نجد الألوان "الأحمر والأسود والأبيض" تكمن في كلِّ دورة؛ فتجد راية مملكة الغساسنة التي ظهرت بعد أفول نجم بترا، واستمرَّت في الحكم حتى العهد الإسلاميّ، تُرفع بشكلٍ مثلَّث أفقيٍّ، وباللون الأحمر بشكلٍ كامل، يتوسَّطه صورة الشهيدٍ "سركيس" الذي آمَنَ به الأردنيُون حينها.
ويلفت الرقاد إلى أنه بعد الغساسنة، تعود الرَّايات والأعلام بالظهور، لكنْ -هذه المرة- ليست لمملكة محلية في البلاد، أو دولة عاصمتها إحدى مدنها، بل لقبائل الأردن القديمة، وظهرت أعلام ورايات تكشف أنَّ الحاضر وريث الماضي، وأنَّ الرايات، والأشكال الهندسية التي رسمها الأجداد على الفخَّار والجدران، هي نفسها جزءٌ من تراثنا اليوم.
ويتابع قائلا: "ففي معركة صفّين، قدمت وفود القبائلِ العربيَّة كلّها رايات تمثل تلك القبائل، فتجد الراية عند قبيلة قضاعة الأردنية بيضاء يحيطها شريط أحمر، ومن بطون قضاعة تجد قبيلة كلب التي استخدمت راية تضم أقسامًا أفقية مستطيلة ثلاثة؛ الأول من الأعلى أسود والآخران أبيضان، يفصل بينهما شريط متموِّج من اللَّون الأحمر، والمستطيل الأبيض في المنتصف أكبر من المستطيلين الآخرين".
ويقول إنَّ قبيلة طيء الأردنية تقسّم الراية إلى ثلاثة مستطيلات أفقية؛ الأول من الأعلى على هيئة مثلث أسود يضمُّ داخله هلالاً، وفي المنتصف أحمر يتخلَّله مستطيل أبيض، والثَّالث أبيض، وفي الجهة المقابلة لجهة عامود الرَّاية، تزدان شبكة متقاطعة مؤلَّفَة من اللَّون الأحمر ترتسم على خلفيةٍ بيضاء، وفقا للرقاد.
وفي المقابل يرى الرقاد أن راية قبيلة جذام الأردنية عجيبةَ؛ لأنَّها كانت تحمل شكلاً مستطيلاً، يقع أسفل جانبيه مثلثان، وفيه ذات النَّمط المستخدم في علمنا وأعلام الدُّول العربية اليوم، ينقسم إلى مستطيلات ثلاثة، أعلاها أسود وأوسطها أبيض، وأدناها يحمل أشكالاً مستطيلة ومربَّعة من اللَّونين الأسود والأبيض، وفي المثلَّثين مثلث يحمل ذات الأبعاد، لكنَّه مفرَّغ من أيِّ لون.
ويشير إلى أنَّه عندما نذكر غسَّانًا كقبيلة لا مملكة، نجد رايتها على ثلاثة أقسام أيضًا؛ الأعلى والأدنى أحمران والأوسط أبيض.
ويشير مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، إلى أنَّ صحيفة "القِبلة" نشرت في عددها رقم 82 يوم 8 حزيران عام 1917، بياناً رسمياً أُقر فيه رفع العلَم العربي ابتداء من يوم التاسع من شعبان 1335هـ، الموافق للذكرى الأولى لقيام الثورة العربية الكُبرى.
ونصّ البيان على أنّ الراية تتألف من الألوان الثلاثة المتوازية؛ الأسود والأخضر والأبيض، وأنَّ هذه الألوانَ يرتبط بها مثلثٌ ذو لون أحمر عنّابي.
وأوضحت الصحيفة- بحسب المركز- أنَّ اللون الأسود هو رمز راية "العقاب" التي كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- يرفعها في حروبه، وهو اللون نفسه الذي اتخذه العباسيون لراياتهم. أما اللونان الأخضر والأبيض فهما من الشعارات التي رفعها العرب قديماً، واللون الأحمر العنّابي هو لون الراية التي اعتاد الأشراف أن يرفعوها منذ عهد الشريف أبي نُمّي.
ويبين المركز، أنه في 13 آذار 1922، صدر بلاغ رسمي في العدد رقم 568 من صحيفة "القبلة" جاء فيه: "بما أنَّ اللون الأبيض قد كان وضْعُه بالعلم العربي الهاشمي أساساً بأسفله، وبهذه الحالة لا يُرى على الوجه المطلوب، فعليه تَقرّر بمجلس الوكلاء وصدرت الإرادة السنيّة بتبديله بالشكل الآتي بيانه: جعل الأبيض وسطاً، والأخضر في محل الأبيض، والأسود في محله كما كان بصفته الأصلية".
ويضيف أنَّه في عام 1928 صدر القانون الأساسي الذي بيّن شكل راية شرق الأردن ومقاييسها، وفي 25 أيار 1946 وقّع الأمير عبد الله بن الحسين قرار الاستقلال الذي تضمّن إعلان الأردن بلاداً مستقلة استقلالاً تاماً، ومبايعة الأمير عبد الله ملكاً على المملكة الأردنية الهاشمية، تلاه صدور دستور المملكة الأردنية الهاشمية عام 1946، الذي نُشر في العدد رقم 886 من الجريدة الرسمية الأول من شباط 1947، والذي بيّن في المادة الرابعة شكل الراية الأردنية ومقاييسها، وفقا للمركز، فضلا عن أنه ورد في دستور عام 1952 الذي صدر في عهد الملك طلال بن عبد الله، شكلُ الراية الأردنية ومقاييسها.
ويشير المركز إلى أن دلالات راية المملكة الأردنية الهاشمية، هو أن اللون الأسود: راية العقاب، وهي راية الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم، وقد اتخذه العباسيون شعاراً لهم، أما اللون الأبيض فهو راية الدولة الأموية، واللون الأخضر، هو راية الدولة الفاطمية، وشعار آل البيت، أما اللون الأحمر المثلث، فهو راية الهاشميين منذ عهد جدّهم الشريف أبي نُمّي، فيما يرمز الكوكب الأبيض السباعي النجمة السباعية إلى السبع المثاني في فاتحة كتاب الله العزيز التي تتألف من سبع آيات.
بُشرى نيروخ - بترا