النسخة الكاملة

"ملف الإعفاءات" .. النواب والحكومة بانتظار التسوية

الخميس-2023-03-19 02:15 pm
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - لم يعلن حتى عصر الخميس الماضي الاتفاق الوسطي بين الحكومة ومجلس النواب الأردني بخصوص ملف الإعفاءات الطبية الذي أثار الجدل بين السلطتين وتسبب قبل عدة أيام بإفشال انعقاد جلسة رقابية للبرلمان.

ويبدو ان ملف الإعفاءات الطبية تدحرج باتجاهات سياسية وزارية ضيقة رغم ان المسألة تتعلق بسياق خدماتي تنظيمي وبحالة اعتراض برلمانية غير مسبوقة على الحكومة أوقفت فعلا قرارا اتخذه مجلس الوزراء، فيما ينتظر الطرفان تسوية ما في الطريق. ولم يعلم بعد عن هذه التسوية في قضية إشكالية وجدلية.

لكن مصادر برلمانية تحدثت عن توقعاتها بان يصل رئيس مجلس النواب مع رئيس الوزراء إلى تسوية منتصف الطريق بمعنى استجابة الحكومة لإصرار النواب العنيد على بقاء صلاحيات الإعفاء الطبي بين يدي رئاسة الوزراء وهو ما لا تريده الحكومة بعدما قررت توقيف إصدار إعفاءات طبية وتحويل تلك الصلاحية وبصورة غريبة إلى الديوان الملكي.

وحصلت مستجدات في الضغط على السلطة التنفيذية قبل عدة أيام. فقد رفض النواب قرار الحكومة وأعلنوا بوضوح ان الجلسات التشريعية والرقابية قد تتعطل إذا لم تتراجع السلطة التنفيذية قبل تكليف رئيس المجلس أحمد الصفدي بإدارة التفاوض مع الحكومة بالخصوص فيما لم تصدر ردة فعل محددة عن الديوان الملكي. وبالعادة تصدر رئاسة الوزراء والديوان الملكي تصاريح الإعفاء الطبي للمواطنين الذين لا يشملهم غطاء التأمين الطبي، وتقول الحكومة ان مئات الملايين من الدنانير تدفع أو تهدر في هذا الاتجاه.

وفسرت الحكومة رسميا قرارها بالتنازل عن صلاحياتها في مسألة الإعفاء الطبي بأن القسم المختص في الديوان الملكي لديه المعلومات المطلوبة والقدرات على تنظيم المسألة.

لكن النواب يشعرون بان خدمة الإعفاء الطبي التي تعتبر أساسية جدا لقواعدهم الانتخابية لا يستطيعون إنجازها إذا ما كانت الصلاحيات عند الديوان الملكي. وبالتالي يصر النواب على بقاء تلك الصلاحية عند رئاسة الوزراء للتمكن من الضغط على الوزراء وإصدار الإعفاءات بسهولة ويسر.

ولم تفسر الحكومة بعد أو تقدم رواية صلبة ومقنعة للأسباب التي تدفعها للتنازل طوعا عن صلاحية قانونية ودستورية تخصها ونقلها إلى موظفي الديوان الملكي، ما دفع ولأول مرة بسبب الإجراء الحكومي بنقاشات واعتراضات حادة سياسيا من جهة النواب جعلت مسألة إصدار إعفاءات من الديوان الملكي قيدا للنقاش والتجاذب البرلماني الحكومي، الأمر الذي لم يحصل سابقا.

ورصد الملاحظون من أوساط النواب أنفسهم بان الحكومة في قرارها غير المفسر لم تحظ بالتضامن الرسمي والبيروقراطي من بقية المؤسسات وترك قرارها لكي ينهشه النواب بصورة واضحة شهدت بعض الاستعراض. لكن الأهم ان مسألة خدماتية بسيطة وصغيرة تضخمت لكي تصبح أقرب إلى ملف خلافي يثير التجاذب والصراع بين السلطتين حيث أدخلت الحكومة نفسها في هذه الزاوية الضيقة من دون تقديم مسوغات ومبررات مقنعة.

وقالت الحكومة في تبريراتها خلف الكواليس بوجود تجاوزات وبأن طاقم الديوان الملكي أقدر على الضبط والمتابعة بمعنى إصدار الإعفاءات الطبية التي لم تلغ لمن يستحق من المواطنين الذين لا يوجد لهم غطاء تأمين صحي يغطي احتياجاتهم.
وهنا حصرا لاحظ الجميع بان الحكومة تقر ضمنا بانها لا تستطيع السيطرة على التجاوزات في ضبط الإعفاءات الطبية.

وتنقل الملف للديوان الملكي إضافة للإقرار بان المعلومات عن المواطنين ليست لديه. وبالتالي اختارت الحكومة الطريقة الأسهل بسبب رغبتها في تقليص الكلف المالية على الخزينة، وهي بمئات الملايين الناتجة عن الإعفاء الطبي خلافا لان الإجراء يظهر كما صرح العضو البرلماني الأسبق طارق خوري ضعف الحكومة والإقرار به والأهم يكشف الإجراء النقاب عن آلية ترقيع المشكلات وغياب أو تراجع أي مشروع حقيقي لتأمين المواطنين الفقراء بصورة شاملة صحيا.

مجلس النواب وبأغلبية كبيرة تصدى لقرار الحكومة. وكان لافتا للنظر ان هذا التصدي استمر شرسا ودخل في منحنيات سياسية بعنوان من سيخضع الآخر في قضية خدماتية بسيطة جدا أساسية للناس والنواب؟ وتسعى الحكومة لضبط نفقاتها فقط عبر تحويل الصلاحيات إلى الديوان الملكي تعبيرا عن حالة تهرب ملموسة من المسؤوليات، فيما الاعتقاد بأن المسألة قد ترتبط بوصفات الإصلاح الاقتصادي الدولية. أصل المسألة خدماتي ومالي.

لكن تعبيرات أزمتها أصبحت سياسية والجميع عالق اليوم في منطقة تجاذب في الوقت الذي تجازف فيه الحكومة بظهورها كمتبرع طوعي بصلاحياتها الأساسية لصالح جهة سيادية أخرى بذريعة ترشيد النفقات وضبط إصدار الإعفاءات مع ان عبارة الإعفاء الطبي نفسها يفترض ان لا تكون موجودة حيث واجبات الحكومة الأساسية تأمين العلاج والطبابة لأي مواطن بلا غطاء أو تدبير خطة رشيقة أكثر إداريا لمعالجة الأزمة باعتبارها داخلية وإدارية بدون الحاجة إلى إعادة تصديرها إلى الديوان الملكي أو غيره.

المسألة على بساطاتها أثارت نقاشات ضارة ويمكن الاستغناء عنها رغم ان الاستعراض البرلماني قد يكون من بين أهدافه بقاء النواب قادرون على إصدار إعفاءات طبية ضرورية وغير ضرورية كلما أرادوا ذلك.

القدس العربي