جفرا نيوز - لا يوجد رابط آيديولوجي أو فكري بين الجنرال العسكري المتقاعد في الأردن محمد فرغل، والقطب البرلماني في كتلة الإصلاح الإسلامية صالح العرموطي، وأيضاً بين الاثنين وشخصية عشائرية بارزة مثل الشيخ طراد الفايز، أو خبيرة وعتيقة مثل الدكتور محمد حلايقة.
تلك مفارقة يميل بعض المراقبين إلى التوقف عندها بعد قراءة أسماء الموقعين على بيان سياسي كتب بحذر ودقة وذكاء شديد، ونشر صباح الثلاثاء، يعلن الولاء والوقوف خلف القيادة السياسية للمملكة، لكنه في الوقت نفسه يدعوها إلى التمسك بالثوابت، بصنفيها: تلك المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية، والأخرى المرتبطة بالتصدي لأي سيناريو مشبوه يمس بمصالح المملكة الأردنية الهاشمي نفسها نظاماً وشعباً.
الجمع بين أسماء 212 شخصية من مختلف المشارب والتكوينات في عمق المجتمع الأردني بهدف الاتفاق على صيغة رسالة محددة وطنياً غير قابلة للالتباس والغموض وللأجندات، لم يكن مهمة سهلة إطلاقاً، وطبعاً لم يكن سهلاً عموماً توفير صيغة بيان أو رسالة عامة تخاطب الدولة والشارع معاً، وتجمع بين أطراف لا تلتقي لا بالسياسة ولا بالاتجاهات بقدر ما تمثل شريحة واسعة من مكونات المجتمع الأردني، وتضم حائرين مرحلياً وفاعلين خرجوا للتو من مواقع القرار الرسمي يحاولون معاً قبل التعبير عن ما يختلجهم من أفكار، في بيان مثير صدر الثلاثاء، معرفة المغازي التي نقلت في اجتماع تشاوري من أجل ذلك البيان في حادثة محددة أعلن فيها وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر ،عبارة تبدو عميقة جداً عندما قال: "أنا أول سفير للأردن في تل أبيب.. أقولها لكم اليوم بوضوح: إسرائيل هي العدو”.
قائمة الموقعين
عموماً، قائمة الموقعين على بيان أمس الثلاثاء برسالته العميقة جداً لم تقتصر على ذلك التنوع الاستثنائي ما بين قيادي إسلامي الميول وقائد عشائري مهم وجنرال عسكري متقاعد ووزير سابق، فمع مثل هؤلاء أسماء أساسية لا يستهان بها عندما يجمعها هاجس الخوف على المملكة، ومعهم أسماء من الصعب التشكيك بولائها، لا بل بانتمائها إلى عناصر الولاء الإيجابي وليس المسموم طوال الوقت.
إسلاميون مثل مروان الفاعوري وأيوب خميس وغيرهم، إلى جانب يساريين مثل قيس زيادين وجميل النمري، في بيان واحد يدعو القيادة السياسية في الأردن إلى التمسك بالثوابت في مواجهة الضغط الأمريكي، ويبلغ مراكز القرار بأن الشعب سيقف خلفها، لا بل سيصبر على النتائج حتى وإن وصلت إلى التجويع، وفقاً للتعبير الذي استعمله بحضور "القدس العربي” الشيخ طراد الفايز حصراً أثناء التشاور، وهو يستغرب من أي قول لا يحترم قدرة الأردنيين على الصمود والصلابة حتى لو وصل الأمر إلى مستوى التجويع ما دام خطاب الموقف الرسمي في الثوابت.
الشيخ الفايز كان منهمكاً طوال الوقت وهو يذكر المتشاورين بما يحيكه العدو ضد الأردنيين، قيادة وشعباً، ضمن معادلة "تجويع.. تركيع.. ثم توقيع”. "نحن جميعاً مع جلالة الملك ومع قيادتنا ومع الوطن أيضاً”… تلك كانت ترنيمة أساسية حظيت بالتوافق ورددها قبل ومع الحاضرين السياسي والناشط الاجتماعي ورجل الأعمال ظاهر العمرو، وهو يتحدث عن أم فلسطينية وأخرى أردنية لكل أبناء الشعبين.
المهم أن أسماء ممثلين للتيارات المدنية والتقدمية ظهرت في بيان الثلاثاء المثير في التوقيع إلى جانب وزراء سابقين وجنرالات متقاعدين ونقابيين وحزبيين والأهم كان أكاديميون بالجملة وموظفون سابقاً من خيرة البيروقراط الأردني، ونشطاء وإعلاميون كان بعضهم للتو يخرج من البيت المرجعي بعد المساهمة في ترتيبات التحديث والتمكين.
الأسماء التي ظهرت وعددها 212 اسماً في التوقيع على واحدة من أهم الرسائل العلنية حتى الآن، إنما تعني الكثير عند الغرق في عملية الفك والتركيب، حيث لا روابط في الأيديولوجيا والاتجاه السياسي والتفكير بين تلك الأسماء، الأمر الذي يعني حقيقة واحدة وواضحة رصدها الجميع، وهي تلك التي تقول بأن هواجس الخطر تنمو وتزحف وتتمدد من حيث الشعور به بين مختلف مكونات المجتمع الأردني.
شعور بالخطر
ومن يشعر بالخطر هنا جراء تداعيات القضية الفلسطينية وتدحرج مسار الإبراهيميات وتحديات اليمين الإسرائيلي الصاعد بقوة لكي يلتهم، هم بكل حال أردنيون قلقون ليس على وطنهم فقط ولكن على دولتهم ونظامهم في الوقت نفسه.
وهؤلاء جميعاً يربط بينهم القلق المنتج جراء ما يسمى بالضغوط الأمريكية على الأردن لحضور مؤتمر النقب 2 وجراء ما سمّاه البيان الذي وقفت "القدس العربي” على تفاصيل ولادته وصياغته، بمشاريع التعاون الإقليمي المشبوهة. ذلك لا يعني بلغة سياسية إلا أن عدد النخب التي تخشى من سيناريوهات لـ "أردنة” مشكلات الضفة الغربية أو حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن تزيد بشكل ملحوظ في الخارطة.
لا بل هذا الصنف من الهاجس والقلق يبدو أنه أفقي في الرمزية والتعبير اليوم، والسبب هو الضغط العنيف على عمان وقرارها
السياسي مرحلياً، وبروز أجندات مرتبطة بالمسار الإبراهيمي ودعوات للتكيف وتحذيرات من تطبيقات عملية سريعة وعاصفة لنسخة جديدة من صفقة القرن.
قد تكون من المرات النادرة التي يصاغ فيها بيان بمثل تلك التركيبة من التمثيل للعسكر وشيوخ العشائر ووزراء سابقين وإعلاميين وسياسيين وأعضاء برلمان، مما يثبت مجدداً بأن الأردن بالقلق عموماً، ويثبت أيضاً بأن الموقعين على البيان يطالبون ضمناً القيادة السياسية بالصمود والثبات، ويعرضون بالمقابل المساندة؛ لأن الولاء أصلاً مضمون حتى لو وصل الأمر إلى حد الصبر على التجويع قبل التركيع والتوقيع.
القدس العربي