جفرا نيوز -
خلال ذروة الصراع بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي جنوب وغرب المتوسط في القرن 12 ميلادي، استعان النورمانديون في صقلية بعالم عربي فذ لرسم خريطة للعالم.
على الرغم من مقولة الشاعر الإنجليزي روديارد كبلنغ الشهيرة القائلة: "إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبدا"، إلا أن هذا المعنى لا ينطبق على واقع الحياة الإنسانية على كوكب دائري.
في تلك المناسبة البعيدة التقى الشرق والغرب في صقلية، وكانت حينها تحت حكم الملك النورماندي روجر الثاني وكان يتحدث اللغتين العربية واللاتينية، حيث دعا روجر الثاني العالم الإدريسي، الذي يعد من مؤسسي الجغرافيا الحديثة، وعلم رسم الخرائط في العصور الوسطى، وكلفه برسم خريطة كاملة للعالم.
عكف الإدريس واسمه الكامل أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي القرشي على إنجاز المهمة مع فريق يتكون من 12 معاونا لنحو 15 عاما، وكانت النتيجة مبهرة، خريطة متكاملة للعالم المعروف حينها، إضافة إلى 70 خريطة مقطعية، فيما تمثلت جوهرة إبداعاته في كرة أرضية مصنوعة من الفضة.
كان الشريف الإدريسي، عالما شاملا نظم الشعر وكتب عن النباتات والفلسفة والطب والنجوم، واستخدمت خرائطه في رحلات عصر النهضة الأوروبية الاستكشافية.
في خطوة فريدة سبقت عصرها، رسم الإدريسي خريطة للعالم على شكل دائرة صغيرة، لم يتبق منها الآن من العصور الوسطى إلا تسع نسخ.
اللافت أن العالم كما يراه الإدريسي ينقلب رأسا على عقب، حيث جسّد الجنوب في الأعلى، والشمال في الأسفل، فيما توجد شبه الجزيرة العربية ومكة في وسط الخريطة، وجرى تمييز المناطق المناخية وفقا التقاليد القديمة، الخط الأحمر العلوي يميز خط الاستواء، والعالم في الجزء الشمالي من خط الاستواء مناسب للسكن البشري.
وبحسب العالم اليوناني كلاوديوس بطليموس توجد في الجزء الجنوبي من خط الاستواء، في أفريقيا الاستوائية جبال قمرية كبيرة، حيث يعتقد أن نهر النيل ينبع منها. كما تم وضع علامة على أفريقيا بأكملها على الخريطة كمنطقة فارغة، "أرض لا يوجد فيها سوى الصحراء والرمال"، إلا أن الأرض في خريطة الإدريسي على عكس العالم القديم الشهير، مفتوحة ولا تطوق المحيط الهندي.
كما تشكل اقسام من خرائط مجموعة الإدريسي مجتمعة، خريطة مستطيلة الشكل، وكانت التمثيل الجغرافي الأكثر اكتمالا للعالم المعروف للعرب في ذلك الوقت. وتشمل الخريطة القارة الأوراسية بأكملها والبحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا والمناطق الشمالية من المحيط الهندي.
درس الإدريسي بعمق أعمال قدماء الإغريق، على سبيل المثال، كلاوديوس بطليموس، وفيما جرى استعمال أسس تعاليم بطليموس في نماذج رسم الخرائط العربية في العصور الوسطى، نسيت معظم أوروبا هذه الأحكام لأكثر من ألف عام.
المختصون يؤكدون أن الإدريسي لم يكن وريثا فقط للتقاليد اليونانية القديمة، بل كان إلى حد كبير مطورا ومصححا لرسم الخرائط، وقد أنجز أول أطلس منهجي معروف تم فيه صنع جميع أجزاء الخريطة على نفس المقياس. وبعبارة أخرى استعان بمقياس واحد أثناء رسم الخريطة، على عكس نهج العالم الإغريقي بطليموس.
وخلال السنوات الطويلة التي عمل فيها على إنجاز خريطة الأرضية الكروية الفضية، أكمل أطلسه المعروف باسم كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، وهو يعرف في أوروبا بكتاب روجر، ويعد أحد أهم كتب العصور الوسطى.
في مقدمة هذا الكتاب روى الإدريسي قصة إنجازه، مشيرا إلى أنه عمل لسنوات في جمع المعلومات والبيانات الشفهية والمكتوبة، كما قام بإعادة فحص دقيقة لجميع المصادر بشكل متكرر، ولم يعتمد على المصادر المتضاربة، فيما غطت المواد الجغرافية للكتاب العالم المعروف بأكمله، من جزر الكناري إلى شبه الجزيرة الكورية.
خريطة العالم التي أنجزها الإدريسي ونقشها على قرص فضي ارتفاعه متر ونصف وبزنة 130 كيلو غرام، ضاعت مع مرور الزمن، وفقدت النسخة الأصلية لخريطة العالم التي وضعها، إلا أن اسمه بقي علامة فارقة للقاء وضاء بين الشرق والغرب.