جفرا نيوز -
جفرا نيوز - يمرّ المراهقون بوقت غريب مليء بالقلق ومشاعر الوحدة وانعدام الأمن والرفض، هناك الآلاف من منصات التواصل الاجتماعي ولكن التواصل يزداد عندما يكون هناك مزيد من الصعوبات التي تحث على هذا التواصل مع الآخرين.
كان الوباء حافزًا لظهور مشاكل الصحة العقلية لدى الأطفال والمراهقين بما في ذلك القلق. لقد كشف الحظر الذي فرضته الجائحة عن قابلية الأجيال الشابة للهشاشة الذهنية ومختلف الاضطرابات النفسية، لقد تصاعدت اضطرابات القلق بشكل كبير في هذا القطاع وغيره من قطاعات السكان.
أصبح المراهقون لا يملكون الوقت لتطوير الإحساس بالحياة الذي يتولد في مواقف عفوية وليس مع سبق الإصرار من خلال الاتصال بالطبيعة والاسترخاء وعدم الشعور بالذنب
البيانات التي قدّمها علم النفس المَرَضي في هذا الشأن عن فئات المراهقين جد مرعبة ومدمِّرة، فقد أضافت هذه البيانات مجموعةً من العوامل إلى التغيرات الهرمونية والتحديات التي ينطوي عليها بلوغ سنّ الرشد، ما أدى إلى أسوأ العواقب التي يمكننا تخيلها، مثل زيادة إيذاء النفس والانتحار.
لو سألنا اليوم مراهقًا ما الذي يميّز هذه الفترة من حياته فهناك احتمال كبير جدًا أنه سيجيبنا أنها تتميز بالغياب التام للمعنى، ففي أوقات أخرى سابقًا كان الأمر يتعلق بمسائل أكثر واقعية، في حين إنّ هناك الآن ارتباكا كبيرًا فيما يتعلق بما يشعر به المراهقون وماذا يعني أن يكون لديهم هدف في الحياة.
بحكم غياب العلاقات مع الأصدقاء في حياتهم اليومية، وثقل الأنشطة المدرسية اللامنهجية فهم لا يملكون الوقت لتطوير هذا الإحساس بالحياة الذي يتولد في مواقف عفوية وليس مع سبق الإصرار، من خلال الاتصال بالطبيعة والاسترخاء وعدم الشعور بالذنب، فالأداة الوحيدة التي تركناها لهم "للترفيه" هي الكمبيوتر اللوحي، بينما في نفس الوقت نوجه أصابع الاتهام إليهم.
كثير من المراهقين يفتقدون معنى الحياة، ما يؤدي إلى الاكتئاب والقلق.
أول ما يلفت الأنظار في دراسة أجريت على مراهقين حول معنى الحياة هو الشعور بالفراغ الذي يصاحبهم والذي يغمرهم في كثير من الأحيان
الأسباب الرئيسة لزيادة القلق لدى المراهقين
لم تترك هذه الدراسة حول زيادة مشاكل الصحة العقلية بسبب الجائحة أيّ شكّ حول المعاناة النفسية عند الشباب، ويأتي الأطفال والمراهقون على رأس قائمة ضحايا صحتهم العقلية بسبب الحظر.
لذلك، لتقييم الأسباب المحتملة لزيادة القلق لدى المراهقين سننظر في التقرير التالي في التغييرات التي حدثت في بيئتنا والتي جعلتنا جميعًا، وهم أيضًا، أكثر هشاشة وأقل حصانة.
فقدان معنى الحياة
أوّل ما يلفت الأنظار في دراسة أجريت مع مراهقين حول معنى الحياة هو الشعور بالفراغ الذي يصاحبهم والذي يغمرهم في كثير من الأحيان، في السابق كان المراهقون يخشون التأقلم، واليوم صاروا متشككين للغاية حول القيمة الحقيقية التي يمكن أن يحملها هذا الهدف.
وفقًا للتقرير الذي نشره موقع nospensees يوم الأحد في الدراسة المذكورة، اعتبر الشباب العائلة والأصدقاء مصدرا رئيسا للمعنى، بعيدا عن جوانب أخرى من حياتهم، وهذا هو المفتاح لفهم سبب زيادة القلق لدى المراهقين.
إذا كنت تعتقد أنّ عائلتك وأصدقاءك هم معنى حياتك فلماذا تقلصت كثيرًا المساحات والوقت الذي كنت تقضيه معهم؟.
تشير دراسة إلى أن الأطفال مشغولون جدًا ومع ذلك فإنّ الحقيقة هي أنه عندما يتعلق الأمر باستكشاف ما وراء الشاشات واكتشاف شيء جديد فإن الكثير منهم يضيعون
دون تجارب مباشرة يخشى المراهقون حتى رفع سمّاعة الهاتف
عندما لا تكون هناك تجارب يومية مع الأصدقاء والعائلة يكون هناك الكثير من الوقت للتفكير في الماضي. لا توجد تسلية، وبالتالي لا يتعب الجسد، ولا توجد تجربة يومية أصيلة وحقيقية للتواصل مع الآخرين، وهو ما يشكل الشخص.
قبل 15 عامًا فقط كانت تجارب المراهقين تتضمن التحدث على الهاتف الأرضي لساعات عديدة، وكذلك الخروج إلى الشوارع وتكوين صداقات ومقابلة أشخاص من أحياء أخرى. يلتقون لمشاهدة فيلم في السينما، وقد يصبح الفيلم تجربة مشتركة فريدة من نوعها.
أمّا الآن فالأطفال مشغولون جدًا، أو هكذا يبدو لهم، لأنهم دائمًا غارقون في فعل أو مشاهدة شيء ما. ومع ذلك فإنّ الحقيقة هي أنه عندما يتعلق الأمر باستكشاف ما وراء الشاشات واكتشاف شيء جديد فإن الكثير منهم يضيعون.
يشعرون أنهم لا يملكون نفس قيم الأجيال
المشكلة الكبيرة الأخرى هي الفجوة بين الأجيال الموجودة اليوم، بين الآباء والأطفال. يقال إنه إذا كان هناك حب وتفاهم، فالعائلة هي الرابحة دائمًا، لكن هذين الحب والتفاهم يعتمدان أيضًا على مشاركة القيم التي لا تتعارض تعارضًا كاملًا.
في الوقت الحالي نرى مراهقين منفصلين تمامًا عن أذواق وتفضيلات والديهم، فهم يشعرون أكثر فأكثر بأنهم بعيدون عن قيمهم ومواقفهم.
عندما يقلل المراهقون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات الكمبيوتر وكذلك الوقت الذي يقضونه في مشاهدة التلفزيون سوف تتحسن وتتراجع أعراض القلق لديهم
دراسة نشرت في المجلة الكندية للطب النفسي
سلطة وسائل التواصل الاجتماعي
عندما يتعلق الأمر بأعراض القلق والاكتئاب فإن المزيد والمزيد من الدراسات تُظهر صلة بين الوقت الذي ينفق أمام الكمبيوتر وبين أعراض الاكتئاب والقلق.
وفي دراسة نشرت في المجلة الكندية للطب النفسي The Canadian Journal of Psychiatry تَبيَّن أنّ الإفراط في استخدام الشبكات الاجتماعية، والكمبيوتر، وبشكل عام مشاهدة المنتوج السمعي البصري عامل يفاقم ويكرس إنتاج أعراض القلق خلال هذه الفترة.
عندما يقلل المراهقون من استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات الكمبيوتر، وكذلك الوقت الذي يقضونه في مشاهدة التلفزيون سوف تتحسن وتتراجع أعراض القلق لديهم.
يبدو أنّ القلق والاضطرابات الاكتئابية عند هؤلاء الشباب مردها -جزئيًا على الأقل- إلى وعيهم المتزايد بالعالم من حولهم. "الملل" من العالم أو "الاشمئزاز" مما يحدث في جزء آخر من الكوكب. الكثير من الأخبار تسلب منهم الطاقة اللازمة لمواجهة يومهم.
في السابق كان الشاب يقارن نفسه بأقرب بيئة إليه، وكان يتفاعل معها. لكن المراهقين يقارنون أنفسهم اليوم بأفضل إصدارات أصدقائهم عبر الإنترنت وبمشاهير آخرين يبدون قريبين منهم لكنهم لا يشاركونهم أي جانب من جوانب حياتهم.
معظم السلوكيات التي ينخرط فيها الشباب دون مساعدة تقضي وجودهم وقتًا أطول في غرفهم والتحدث قليلًا أو خلق صراعات للتأكيد على عدم ارتياحهم
دراسة
توقعات عالية للنجاح
وبين الاختبارات المعيارية وثقافة النجاح يتعرض الشباب اليوم لأشكال من الضغط لم تكن أجيالهم السابقة على دراية بها تقريبًا. لقد تكاثفت مصادر الضغط سواء في الدراسة أو في الوظائف الأولى أو في الصورة الاجتماعية بشكل عام.
المثال الأكثر بلاغة هو مثال اليابان، الدولة التي لديها أعلى معدل انتحار (14,3 شخص عن كل 100000 نسمة وفقًا لمنظمة الصحة العالمية)، بين عامي 2017 و2018 انتحر 250 شخصًا في اليابان، 6 حالات انتحار في صفوق تلاميذ صغار، 83 في المرحلة الابتدائية، و161 في المرحلة الثانوية.
حقيقة يمكن فهمها إذا عرفنا الضغط الدراسي الذي يؤثر على جميع الأطفال اليابانيين للتطلع إلى الالتحاق بجامعة جيدة وبالتالي كسب احترام الأسرة. لا مفر للتلميذ من اجتياز امتحانات القبول الصعبة حقًا.
يكمن الحل في العمل المنسق بين العديد من الفاعلين الاجتماعيين
معظم السلوكيات التي ينخرط فيها الشباب دون مساعدة تقضي وجودهم وقتًا أطول في غرفهم، والتحدث قليلًا، أو خلق صراعات للتأكيد على عدم ارتياحهم، من بينها نجد أيضًا اللجوء إلى الشبكات الاجتماعية، وتجنب المواقف العصيبة واستهلاك المسكنات.
يجب على المراهقين البدء بالمشاركة في شوارعهم وواقعهم، والتواجد في الأنشطة المحلية والتطوع، بهذه الطريقة يمكنهم تطوير المهارات الاجتماعية والحزم في مثل هذا الوقت الحرج من نموهم.
يتزايد قلق المراهقين باستمرار، لكن الحل ليس فقط في اللجوء إلى العلاج. يجب على المراهق حتى أثناء العلاج إعادة اكتشاف قيمه الحيوية والعزم على تحقيق أهداف معينة، لكن المسؤولية لا تقع عليه وحده.
الصحة العقلية هي أيضًا مسؤولية الآباء، حيث يجب عليهم التأكد من أنّ أطفالهم يتمتعون بحقهم في أوقات الفراغ، فضلاً عن قضاء وقت ممتع مع أسرهم. يجب على الحكومات والعاملين الصحيّين دمج خطط الوقاية المدعومة اللازمة لضمان الوصول إلى الخطط والعلاجات الصحية.