جفرا نيوز- قال النائب المحامي عبد الكريم الدغمي إن استذكار وصفي التل في الذكرى 51 لاغتياله تكون عبر استهام مساره في المشروع السياسي والإدارة العامة والبناء الوطني.
وربط الدغمي، خلال ندوة عقدتها جماعة عمان لحوارات المستقبل، بين مسارات التل السياسية لجهة انفتاحه على القوى الوطنية ودفعها للانخراط في مشروع الدولة السياسي حينها وحاجتنا اليوم في ظل مسار التحديث السياسي للعمل على استقطاب الكفاءات الوطنية والقوى الجديدة لإنجاح هذا المسار عبر حوار وطني عميق وهادف.
وعرض أيضا المشروعات التي قام التل في الاشراف على إنجازها، مشيرا الى ضرورة الإفادة من تلك التجربة في مسار الإصلاح الاقتصادي الذي تعمل الحكومة عليه اليوم خصوصا في ظل ازمة البطالة والفقر والتحديات الإقليمية والدولية.
ولفت إلى ضرورة الإفادة من تجربة التل في الإدارة العامة حيث ان التل اعتمد في نهجه على العناصر الكفؤة، مشيرا الى ما اسماه الايادي المرتعشة التي لا تقوى على البناء.
وتاليا نص كلمة الدغمي التي القها مساء اليوم في الندوة:
السادة جماعة عمان لحوارات المستقبل ،،
السادة الحضور، أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة ،،،
نجتمع اليوم لنستذكر شخصيةُ إستثنائية في التاريخ الوطني الأردني، شكلت طوال العقود الخمس الماضية سيرتها ومشروعها ودورها مصدر إعتزاز وفخر وطني.
لعل أدق توصيف لشخصية الرئيس الشهيد وصفي التل هو ما قدمه الكاتب العربي أكرم زعيتر في مذكراته عن الأردن والتي قال فيها "وصفي رجل عمران من الطراز الأول، حضاري النظرة إلى شؤون الحكم، وبعض شهوده في ذلك أشجار مغروسة، وأحراج قائمة، وطرقات معبدة، ومشاريع مبثوثة، وقوانين إصلاحية مشترعة، ومعسكرات لشبان بإسم معسكرات الحسين هو من ابتكرها وجعل منها مدارس عملية وميادين تدريب" .
لقد قدم في وصفي التل الإنسان والمشروع الكثير من الدراسات والكتب التي تناولت سيرته ومناقبه، ولكنني اليوم أجد أنه من المناسب استذكار وصفي التل في عناوين محددة وهي المشروع السياسي والإدارة العامة والبناء الوطني، وهي العناوين التي يجري اليوم الحديث عنها حيث أنجزنا في مؤسسة البرلمان خلال الدورتين العادية والإستثنائية الماضيتين، قوانين الإصلاح السياسي والأحزاب، وقانون البيئة الإستثمارية إضافة إلى برنامج الإصلاح الإداري .
تلك العناوين تشكل المحاور الاستراتيجية التي عمل عليها الشهيد التل، من خلال إعادة بناء منظومة الدولة بإصدار قانون للعفو العام عن كل المدانيين والمعتقلين والفاّرين والضباط الذين حكمت عليهم المحاكم بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، وأصدر قوانين حماية الُملكية الوطنية وحماية الطبقة الشعبية من المرابين، وفتح الأبواب للشباب كي ينخرطوا في العمل السياسي، وأحرق سجلات المعارضين والسجناء السياسيين، وانشأ حزب الاتحاد الوطني لعودة الدماء للحياة السياسية والحزبية، وانشاء محطة الإذاعة والتلفزيون وصحيفة الراي من اجل إيصال صوت الدولة ومشروعها خارجيا وداخليا.
وإننا إذ نتحدث اليوم عن مشروع التحديث السياسي الذي جاء بعد عشرية الربيع العربي وتداعياتها السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تمكن الأردن بفعل حكمة قيادته ووعي شعبه من إستيعابها وتجاوزها، حيث أنجزت مصفوفة من القوانين والتشريعات التي تعيد صياغة البنية السياسية في البلاد، إلا أن تلك البنية التشريعية تحتاج اليوم حوار وطني شجاع ومسؤول يسهم في دفع البنى الاجتماعية والقوى الجديدة للانخراط في المشهد السياسي للعمل على إنجاح مسار التحديث السياسي وتعميق جذوته، على غرار ما قدمه الشهيد التل قبل نحو خمس عقود.
لقد قاد الشهيد التل قبل نحو نصف قرن من الزمان مشروع الاستقلال الوطني وهو في ذات الوقت إبن التجربة القومية وأحد أنجب أبنائها إلا أنه حرص إلى أقصى حد إلى بناء رؤية سياسية وطنية وعربية من موقع المسؤولية الوطنية أولاً ومن ثم المسؤولية العربية وهو ما نحتاجه اليوم وخصوصاً في ظل الحديث عن المشاريع الأقليمية التي تسعى إلى فرض أجندتها على المنطقة ، وهو ما يستلزم الإتفاق على مجمل الثوابت الوطنية التي تحدد مسار العمل السياسي الوطني بشكل حاسم حماية للأردن ومصالح شعبه.
لقد كان للشهيد التل القدرة على الموائمة بين مسارات التنمية الوطنية المستدامة، والإدارة العامة ، وفهم طبيعة التحولات الدولية والإقليمية التي كانت تعصف في العالم حينها واليوم نحن نعيش ارهاصات مثل هذه التحولات التي باتت تؤثر على دول والأقاليم والعالم.
حيث تولى الشهيد التل رئاسته الحكومة الاولى منصبي وزير الدفاع ووزير الزراعة، حيث كانت حماية الملكيات الزراعية وعدم تفتيتها من خلال حظر أي بناء خارج المدن والقرى، وشيد سد الملك طلال الذي أحيا آلاف الدونمات من خلال استصلاحها في الاغوار، وشق قناة الغور الشرقية، وتوسع في الزراعات الحرجية.
وفي حكومته الأولى تم تأسيس الجامعة الأردنية ومنع التوسع بالمدارس الخاصة، وأعاد هيكلة الشركات الكبرى كالفوسفات والبوتاس وشق الطريق الصحراوي الرابط بين خليج العقبة وشمال الأردن، وأسس مدينة الحسين للشباب ومستشفى الجامعة، نهج الشهيد التل الذي تم استعراضه هو ما نحتاجه اليوم في ظل الأزمة الإقتصادية العالمية ، وعجز الدولة عن تأمين فرص العمل والتوظيف حيث يحتاج الأردن مع إنجاز برنامج الإصلاح الإقتصادي بعد أن أقرينا في البرلمان فانون البيئة الإستثمارية إلى العمل بخطط واضحة وثابته لدفع عجلة الإقتصاد إلى الأمام ومواجهة أزمة البطالة والفقر التي باتت تثقل كاهل الأردنيين.
أما على المستوى الإداري فلقد عمد الشهيد التل إلى إختيار العناصر الجيدة والمؤهلة لإدارة مؤسسات الدولة ، حيث لم يكن هناك مكان للأيادي المرتعشة التي لا تقوى على البناء، وهو ما يجب أن يكون عنوان إعادة بناء الإدارة العامة الأردنية التي كانت على الدوام مثالاً على النزاهة والكفاءة الإدارية والوطنية .
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أن الشهيد التل كان يعتبر الهوية الأردنية ، وطناً وشأناً خصوصياَ ، وليس شأناً عنصرياً أو إقليمياً ويجب أن تكون كلاً غير قابل للتجزئة ، إنطلاقاً من إيمانه الراسخ أن إسرائيل هي الخطر على الأمة العربية وهو التهديد الذي ما زلنا حتى اليوم نواجه اثاره المدمرة.
في الختام لا بد من استذكار اهم ما قاله الرئيس الشهيد عن الشعب الاردني حينما قال "الاردنيون احسن العرب"، وهو ليس موقفا عنصريا او اقليميا، بقدر ما هو ايمان بالشعب الاردني الذي كان على الدوام نموذجا في الوعي والايمان بقضايا وطنه وأمته وهو ما سيبقى على الدوام .
حمى الله الاردن وطنا ودولة وشعب في ظل قيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الامين.