خلافات الأحزاب الفلسطينية وعدم إيمان بعضها بالانتخابات أدى إلى تراجع تمثيلها
فوز لأحزاب المعارضة اليمينية والدينية وتراجع التمثيل الفلسطيني لخلافات داخلية
دعوة لاستغلال نتائج الانتخابات لتعرية الاحتلال والتطرف الإسرائيلي
جفرا نيوز -
ألقى الكاتب والمحلل السياسي حمادة فراعنة محاضرةً في مركز الرأي للدراسات والتدريب الإعلامي، بعنوان "الانتخابات الإسرائيليّة وتداعياتها"، عرض فيها للقوائم المتنافسة، وحصيلة مشاركة الفلسطينيين والانقسام الحاصل بين القوى السياسيّة، كما حلل موضوع فوز اليمين المتطرف الإسرائيلي وكذلك تراجع تحالف الأحزاب اليمينية، خالصًا إلى استنتاجات خضعت لنقاشات متنوعة في هذا المجال.
وقدّم مدير مركز الرأي للدراسات هادي الشوبكي للمحاضرة،في ضوء نتيجة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة يصبح السؤال المطروح: ما العمل؟!.. خاصة على مستويات: الساحة الفلسطينية في إسرائيل، والساحة الفلسطينية عامة، والعربيّة، لذا جاءت المحاضرة لتقدم قراءة تحليلية لنتائج انتخابات الكنيست الاسرائيلي 25.
القوى السياسية
استهلّ فراعنة حديثه عن خوض الفلسطينيين في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، من أبناء الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، أشرس معركة انتخابية لعضوية البرلمان لدورته 25 يوم 1/11/2022، وهو ما يعود لسببين:
أولهما لأن الاستفتاءات تشير لنجاح الاتجاهات الأكثر يمينية وتطرفاً على المستوى السياسي، والأكثر تشدداً على المستوى الديني، لدى المجتمع العبري الإسرائيلي، وانعكاسات نجاحهم سلباً على المجتمع العربي الفلسطيني وحقوقه ومكانته وقضاياه.
وثانيهما: بسبب الانقسام السياسي الحزبي بين الكتل والقوائم والأحزاب الفلسطينية، وخوضها الانتخابات منقسمة إلى ثلاثة قوائم انتخابية، ونتائج الاستفتاءات المتكررة التي تشير إلى انكفاء الفلسطينيين عن الوصول إلى صناديق الاقتراع بسبب هذا الانقسام.
فراعنة رأى أنّ مما هو ذو دلالة واضحة أن حصيلة مشاركة الفلسطينيين في هذه الانتخابات، ونتائجها الإيجابية تعود إلى عامل التحالف والتفاهم بين القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة النشيطة، كما أن نتائجها السلبية تعود إلى عامل الانقسام الذي يقع بين هذه القوى والأحزاب.
وشرح عن دورة الكنيست رقم 22 يوم 17/9/2019، ان القوى السياسية الأربعة ضمن قائمة ائتلافية واحدة مشتركة ضمت: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة أيمن عودة، والحركة الإسلامية الجنوبية برئاسة منصور عباس، والتجمع الوطني الديمقراطي برئاسة سامي أبو شحادة، والحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي.
الائتلاف الفلسطيني..
وكان مجموع مقاعدهم في البرلمان 11 نائباً، ولكن حينما تم رفع نسبة الحسم لدخول البرلمان من 1.5 بالمائة إلى 3.25 بالمائة، من عدد المصوتين، اضطرت القوى السياسية الفلسطينية، الذهاب نحو خوض الانتخابات ضمن قائمة انتخابية ائتلافية واحدة مشتركة، فزاد تمثيلهم إلى 13 مقعداً، وهي نتيجة طبيعية، لأنّ عدد الفلسطينيين الذين وصلوا إلى صناديق الاقتراع زادوا عن الدورة السابقة، حيث صوّت 470.211 ألف صوت، تقديراً من هؤلاء لقرار القوى السياسية لخوض الانتخابات مؤتلفين موحدين.
وتأكيداً وتقديراً لهذا الخيار، زاد عدد الناخبين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى صناديق الاقتراع في انتخابات دورة الكنيست 23 يوم 2/3/2020، إلى 580.044 ألف صوت، ونجح لهم 15 نائباً فلسطينياً، وهي أعلى نسبة تصويت فلسطينية، وأكبر عدد برلماني من الفلسطينيين وصلوا إلى عضوية الكنيست، وحققوه بالوحدة والائتلاف، مما يؤكد أنّ الشعب الفلسطيني يدرك مصالحه جيداً، وينحاز لها، مثلما يدرك أهمية التماسك والشراكة في مواجهة حكومات وأحزاب وسياسات تضطهدهم وتصادر حقوقهم، وتنتهك كرامتهم، إضافة إلى سياسات التوسع الاحتلالي الإحلالي في م?اطق الاحتلال الثاني عام 1967، للقدس والضفة، وتحاصر قطاع غزة وتفرض التجويع والمذلة على أهله.
وفي دورة انتخابات الكنيست 24 يوم 23/3/2021، انقسمت القوى السياسية الفلسطينية، وخاضت الانتخابات ضمن قائمتين:الأولى القائمة البرلمانية العربية المشتركة وتشكلت من ثلاثة أحزاب هي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الحركة العربية للتغيير، التجمع الوطني الديمقراطي. والثانية هي القائمة العربية الموحدة، وأساسها الحركة الإسلامية الجنوبية، ومعهم نائب مستقل هو مازن غنايم رئيس بلدية سخنين السابق.
التراجع الفلسطيني
وقال فراعنة إنّ هذا الانقسام بين الأحزاب الأربعة وخوضهم الانتخابات بقائمتين أدى إلى تراجع مشاركة عدد المصوتين الفلسطينيين، وتراجع تمثيلهم من 15 مقعداً وفق نتائج انتخابات الكنيست 23 يوم 2/3/2020، حيث تراجعوا إلى 10 مقاعد بواقع 6 مقاعد للقائمة البرلمانية المشتركة، و4 مقاعد للقائمة البرلمانية الموحدة. ورأى أنّ هذه النتيجة بمثابة رسالة احتجاج من جمهور الناخبين الفلسطينيين إلى أحزابهم السياسية.
وزاد الإخفاق الفلسطيني، الدال على وجود حالة مرضية بين القوى السياسية، حيث انقسمت الأحزاب الأربعة التي سبق وخاضت الانتخابات بقائمة واحدة في دورتي انتخابات الكنيست 22 و23، ووصلوا إلى 15، تراجع تمثيلهم في دورة انتخابات الكنيست 24 إلى 10 مقاعد، فكيف سيكون الحال في دورة انتخابات الكنيست 25، وهم يخوضون الانتخابات بثلاثة قوائم هي:أولا القائمة المشتركة المكونة من حزبين هما: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة العربية للتغيير، ثانيا الحركة الإسلامية الجنوبية وقائمتها البرلمانية الموحدة، ثالثا قائمة حزب ال?جمع الوطني الديمقراطي.
في دورة انتخابات البرلمان الإسرائيلي 23 وصل إلى صناديق الاقتراع حوالي 65 بالمائة من مجموع الفلسطينيين الذين يملكون حق التصويت والاقتراع، بينما انتخابات الكنيست 24، وعلى أثر الانقسام بين الأحزاب العربية الأربعة، إلى قائمتين: المشتركة والموحدة، تراجع التصويت الفلسطيني إلى 45 بالمائة فقط، وتشير الاستطلاعات إلى تدني هذه النسبة بين الفلسطينيين إلى 40 بالمائة وما دون ذلك، رفضاً واحتجاجاً على حالة الانقسام وعدم التحالف بين الأحزاب العربية الفلسطينية.
الأحزاب الفلسطينية
وحول الاختلاف في مواقف الأحزاب الفلسطينية، قال فراعنة إنّ موقف القوى السياسية الفلسطينية في مناطق 48، لا يقتصر على ضرورة المشاركة في انتخابات الكنيست، بل لديهم أحزاب وتجمعات سياسية، عربية فلسطينية، لا تؤمن، ولا تقبل المشاركة في هذه الانتخابات، وتعتبرها شكلاً من أشكال منح الشرعية، والرضوخ للأمر الواقع المرفوض، والتكيّف التعسفي مع المشروع وخدمة استمراريته، وتمرير فكرة أنه مشروع ديمقراطي تعددي أمام العالم، ويتم ذلك على حساب حقوق الشعب العربي الفلسطيني، غير القابلة للتبديد أو التلاشي، ولذلك ترفض عضوية الكنيست ?لفلسطينيين العرب، ويقف في مقدمة هذه القوى.
أولاً: الحركة الإسلامية الشمالية التي يرأسها رائد صلاح، رئيس بلدية أم الفحم ما بين الأعوام 1989-2001، التي انشقت عن الحركة الأم على خلفية الموقف من المشاركة في انتخابات الكنيست من عدمها، ففي عام 1996 قرر مجلس شورى الحركة الإسلامية برئاسة الراحل عبدالله نمر درويش، مؤسس الحركة، المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وتحالفوا مع الحزب الديمقراطي العربي برئاسة النائب عبدالوهاب دراوشة من قرية إكسال، وحصلوا على أربعة مقاعد مناصفة بين الحزبين: عبدالوهاب دراوشة وطلب الصانع من الحزب الديمقراطي، وعبدالمالك دهامشة وتوفي? الخطيب من الحركة الإسلامية، وأدى ذلك إلى انقسام الحركة الإسلامية إلى جناحين، جناح يقوده اليوم صفوت فريج من كفر قاسم، حيث تجري الانتخابات الداخلية لرئاسة الحركة على قاعدة التغيير وتداول السلطة كل سنتين، ومنصور عباس أحد قياداتها ويشغل رئيساً لكتلتها البرلمانية، والجناح الآخر يقوده رائد صلاح الرافض لانتخابات الكنيست.
ثانياً: حركة أبناء البلد وهي حركة سياسية جماهيرية تلتزم الانحياز للقيم القومية اليسارية، وتأسست في مدينة أم الفحم عام 1972، وأمينها العام رجا اغبارية، وتعرضت للبطش، وعانت من انقسامات، وخاضت تحالفات، ولكنها بقيت محافظة على خطها السياسي، كحزب معارض لانتخابات الكنيست.
الخلافات المعلنة..
فراعنة تحدث عن الخلافات المعلنة بين الأحزاب الفلسطينية المشاركة في انتخابات الكنيست، مبيّنًا أنّ الحركة الإسلامية ترى أنّ الاولوية بالنسبة لها نحو الاهتمام بالقضايا المعيشية، والمطالب الحسية، والاستجابة لها وتحقيقها، وألّا يبقى نواب الكنيست الفلسطينيون العرب جالسين على مقاعد المعارضة، وهمهم التمسك بقضايا وعناوين مبدئية صحيحة وعادلة، ولكنّ المعطيات لا تساعد على تحقيقها ضمن الظروف الحالية، ولهذا ترى إعطاء الأولوية نحو قضايا المواطنة المعيشية والحسية، بدلاً من الوقوف الانتظاري إلى ما بعد تحقيق متغيرات سياسية ?وهرية غير منظورة في المدى القريب.
الحركة الإسلامية
وعليه، فقد اتخذت الحركة الإسلامية وكتلتها البرلمانية قرار التحالف مع أي صيغة حكومية، مهما كانت مكوناتها متطرفة، إذ يرى منصور عباس ضرورة كسر حدة المواقف المتطرفة لليمين الاسرائيلي، عبر استثمار حاجتهم لأصوات النواب العرب في تشكيل الحكومة، مقابل انتزاع مطالب المجتمع العربي الفلسطيني، ولهذا تحالف مع حكومة بينيت-لبيد، وسيواصل هذا الخيار في التجاوب مع أي تحالف يحقق له جزءاً من مطالبه، خدمةً لناخبيه العرب الفلسطينيين.
التجمع الوطني الديمقراطي
أمّا حزب التجمع الوطني الديمقراطي فيرى ضرورة المشاركة في الانتخابات والوصول إلى عضوية الكنيست كمنبر وأداة بهدف التعبير عن مصالح الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الوطنية، ولا يرى أهمية الحصول على مكاسب معيشية ثمناً لتقديم تنازلات سياسية، مع الحفاظ على البقاء في مقاعد المعارضة ضد السياسات الرسمية لحكومات اسرائيل.
الجبهة الديمقراطية..
أما الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ومعها الحركة العربية للتغيير فهي تقف في الوسط بين الموقفين، إذ ترى ضرورة التمسك بالحقوق الوطنية والقومية للفلسطينيين، وعدم التنازل عنها، وعدم المس بها، وعدم المساومة عليها، مع العمل لانتزاع مكاسب معيشية عبر التحالف مع الأحزاب الإسرائيلية، عبر دراسة كل حالة، وكل اتفاق، وفق الظروف والمعطيات الواقعية السائدة، أي أنّ الجبهة ترى المزاوجة بين العنوانين: الوطني السياسي والمطلبي المعيشي، على قاعدة النضال من أجل المساواة أسوة بالإسرائيليين.
المعارضة اليمينية..
وعن نتائج الانتخابات إسرائيليا، قال فراعنة إنّ أحزاب المعارضة اليمينية المتطرفة والدينية المتشددة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، حققوا فوزاً ملموساً في انتخابات البرلمان 25 يوم الأول من تشرين الثاني 2022. وحصلت الأحزاب الأربعة على 64 مقعداً بزيادة ملحوظة عما كان لديها في البرلمان السابق 24، بينما تراجع تحالف الأحزاب اليمينية التي تقود الحكومة برئاسة يائير لبيد، ولم تحقق القدرة على مواصلة مكانتها ومقاعدها، أما معسكر الأحزاب الوسطية اليسارية فقد تراجع حزب العمل، و خسرت حركة ميرتس موقعها. وحافظ معسكر الأحزاب الف?سطينية على مقاعده الإجمالية من عشرة مقاعد في الدورة السابقة إلى عشرة مقاعد في الدورة 25 الجديدة.
المعسكرات الانتخابية..
وتحدث فراعنة عن نتائج ما حققته المعسكرات الانتخابية الأربعة، وهي:
أولا: معسكر التحالف اليميني المتطرف مع الديني المتشدد وحقق ما يلي: الليكود برئاسة نتياهو وله 32 مقعداً، وكان له 30 مقعداً في الدورة السابقة، الصهيونية الدينية برئاسة الثنائي بتسلئيل سموترتيش وإيتمار بن غفير وله 14 مقعداً، وكان له 6 مقاعد فقط في البرلمان السابق، شاس برئاسة أرييه درعي وحصل على 11 مقعداً، وزاد عما كان لديه من 9 مقاعد، يهود التوراة برئاسة موشيه غفني، وحصل على 8 مقاعد، وكان لديه 7 مقاعد، وبذلك ارتفع تمثيل هذا المعسكر من 52 مقعداً إلى 64، تؤهل نتنياهو نحو تكليفه في تشكيل الحكومة بدون حاجة لأي ?حالف مع أي من أحزاب المعسكرات الثلاثة الأخرى.
تحالف اليمين..
ثانيا: تحالف الأحزاب اليمينية الذي تراجع تمثيله من 45 مقعدا إلى 42، وفق النتائج التالية: هناك مستقبل برئاسة يائير لبيد حصل على 24 مقعداً، وكان لديه 17 مقعداً، المعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس وحصل على 11 مقعداً، وكان لديه أزرق أبيض 8 مقاعد، وأمل جديد 6 مقاعد، إسرائيل بيتنا برئاسة أفغيدور ليبرمان حصل على 5 مقاعد، تراجع عن 7 مقاعد سابقا، حزب يمينا، وكان لديه 7 مقاعد، تلاشى واندمج مع أحزاب أخرى: نفتالي بينيت استقال ولم يترشح عن أي حزب، وعيديت سيلمان مع عميحاي شيكلي انضما إلى الليكود، ومتان كهانا انضمّ إلى قائ?ة المعسكر الوطني، أما إييليت شاكيدا فقد انضمت إلى البيت اليهودي وترأست قائمته ولكنها لم تنجح، ولم تجتز نسبة الحسم.
اليسار الوسطي..
ثالثا معسكر اليسار الوسطي: حصل حزب العمل على 4 مقاعد من أصل 7 مقاعد كانت لديه، وحركة ميرتس وكان لديها 6 مقاعد، أخفقت ولم تتخطّ نسبة الحسم، وباتت خارج البرلمان، وحصلت على 149 ألف صوت.
المعسكر الفلسطيني..
رابعا المعسكر الفلسطيني المكون من ثلاث قوائم هي: القائمة البرلمانية المشتركة المكونة من تحالف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة برئاسة أيمن عودة، والحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي، وكان لها 6 مقاعد، تراجعت إلى 5 مقاعد، القائمة العربية الموحدة، برئاسة منصور عباس تقدمت وحصلت على 5 مقاعد، بدلا من 4 مقاعد سابقة، قائمة حزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي أبو شحادة التي خاضت الانتخابات في الدورة السابقة مع تحالف المشتركة، وكان لها تمثيل بمقعد واحد، وخاضت الانتخابات هذه الدورة وحدها، فلم تستطع ت?اوز نسبة الحسم وأخفقت في الوصول إلى البرلمان، وحصلت على 138 ألف صوت.
وقال فراعنة إنّ معالم المشهد السياسي الإسرائيلي تتضح من خلال نتائج صناديق الاقتراع، في أنّ المجتمع الإسرائيلي يزداد يمينية وتطرفاً بما يوازي 80 بالمائة من الإسرائيليين، وتراجع معسكر اليسار الوسطي إلى حد التلاشي بنجاح حزب العمل بأربعة مقاعد، وهزيمة حركة ميرتس.
التناوب بين أحزاب اليمين واضحٌ أنه يتأرجح بين دعم هذا الحزب أو ذاك، ولكنّ التيار اليميني الديني المتطرف يزداد قوة ونفوذاً، مما سينعكس على سلوك وأداء مجمل سياسات اسرائيل قسوة وشراسة ضد طرفي الشعب الفلسطيني في مناطق 48 و 67، وسيدفع الفلسطينيون ثمن نجاح وفوز اليمين واليمين المتطرف في إدارة إسرائيل.
أرقام ودلالات..
واستنتج فراعنة من المعطيات أعلاه، أنّ مجموع القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة، سواء احزابها العاملة في مناطق 48، أو الفصائل العاملة في مناطق 67، تدرك وتفهم وتتصرف على أساس أن: الكفاح المسلح، والانتفاضة الشعبية،والمفاوضات، والانتخابات، هي وسائل الوصول إلى الهدف المرجو، وأدوات لتحقيق تطلعات الشعب العربي الفلسطيني في استعادة كامل حقوقه في وطنه.
ورأى فراعنة أنّ الأدوات والوسائل المذكورة ليست عناوين مبدئية للتمسك بهذه الوسيلة أو تلك، أو بهذه الأداة أو غيرها، باعتبارها جزءًا من الحقوق الفلسطينية، فهي ليست مبدئية وليست جزءاً من الحقوق، بل مكرسة وفق المعطيات المتوفرة لإنجاز حقوق الشعب الفلسطيني واستعادتها، خلال المرحلة الانتقالية، والبرمجة التدريجية التراكمية المتمثلة مرحلياً من أجل تحقيق: المساواة في مناطق 48، والاستقلال لمناطق 67، والعودة للاجئين.
تعلّم الدرس..
ورأى أنّ المطلوب من القادة الفلسطينيين تعلم الدرس، وفهم الأرقام ودلالاتها، والأخطاء التي وقعوا بها أخيراً في مناطق 48، إذ أدت هذه النتائج وعززت من دور اليمين الإسرائيلي وزيادة قيمته وتأثيره على القرار السياسي والعملي لدى اسرائيل، وانعكاساته السلبية على الوضع الفلسطيني، فقد أعطت الأخطاء التي وقعت بها الحركة السياسية الفلسطينية، وأكسبت اليمين الإسرائيلي المتطرف المواقع التي وصلها، وأحد أسبابها غياب الحس بالمسؤولية لدى قادة القوائم الفلسطينية الثلاث، التي أدت الى هزيمة التجمع الوطني الديمقراطي وإخفاقه في تجاو? نسبة الحسم، وعدم نجاحه في الوصول إلى البرلمان.
وشرح فراعنة أنّ التجمع حصل على 138 ألف صوت، تم ضياعها بالكامل لأنه لم يصل إلى نسبة الحسم وهي 3.25 بالمائة من عدد الذين وصلوا إلى صناديق الاقتراع البالغ عددهم 4,436,365 صوتاً مما يعني أن تجاوز نسبة الحسم تحتاج إلى 154 ألف صوت، وأن المقعد الواحد يحتاج إلى 36 ألف صوت.
كما أنّ تحالف الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة مع الحركة العربية للتغيير، حصل على 179 ألف صوت، ونجح بخمسة مقاعد، وكان يمكن أن يبقي التحالف بين الأحزاب الثلاثة كما كان في الدورة السابقة 24 عام 2021، وكانوا قد حصلوا مجتمعين في حينه على 212 ألف صوت، بينما في هذه الدورة بلغ مجموع أصوات الأحزاب الثلاثة 317 ألف صوت، وهذا العدد يعطيهم 9 مقاعد في البرلمان بدلاً من 5 حصلوا عليها بغياب التحالف وبسبب الانقسام الذي وقع بينهم.
وحصلت الحركة الإسلامية - القائمة الموحدة وحدها على 194 ألف صوت في هذه الدورة، ولو بقي التحالف بين الأحزاب الأربعة لحصلوا على 511 ألف صوت، كما حصل معهم ولهم في دورة الكنيست 23 في شهر آذار 2020، مما يعطيهم مرة أخرى 15 مقعداً بدلاً من عشرة مقاعد حصلوا عليها في هذه الدورة، ولو كانت النتيجة كذلك لما وصل تحالف اليمين واليمين الديني الإسرائيلي المتطرف برئاسة نتنياهو إلى ما وصل إليه، فهل يُدرك أصحاب العقول النيرة من قادة الأحزاب الفلسطينية الأربعة في مناطق 48، الخطأ الذي وقعوا فيه؟!
مشكلتنا..
وتحدث فراعنة عن مشكلة التطرف، وتحليل المشكلة، وكون نتنياهو يمينيًّا في صياغة قانون «يهودية الدولة» في عهده، 19/7/2018، وفي دفع الرئيس الأميركي ترامب نحو: الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل في 6/12/2017، وإلغاء الدعم المالي الأميركي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا كمقدمة لشطب قضية اللاجئين وشطب حقهم في العودة إلى مناطق 48، وفق القرار الأممي 194، وإعلان ترامب صفقة القرن يوم 28/1/2020 في واشنطن بحضور نتنياهو شخصياً...فهو لم يستجب لحقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني الثلاث: المسا?اة في مناطق 48، الاستقلال في مناطق 67، العودة للاجئين،..أمّا المشكلة، قال فراعنة إنّها تكمن بعاملين: أولهما لدى اليمين المتطرف المنفلت من أي ضوابط سياسية أو أمنية أو قانونية، سواء في تعامله مع فلسطينيي مناطق 48، أو فلسطينيي مناطق 67، ومع ذلك ورغم القلق السائد، إلا أن نتنياهو سيكون ضابط الإيقاع لهم لأسباب أميركية ودولية، حيث باتت إسرائيل تحت مراقبة المجتمع الدولي، بعد صدور بيانات منظمات حقوق الإنسان: بتسيلم الإسرائيلية، آمنستي البريطانية، هيومن رايتس ووتش الأميركية، إضافة إلى لجان حقوق الإنسان إزاء جرائم ا?حرب، والجرائم ضد حقوق الإنسان، لهذا سيعمل نتنياهو على لجم الأحزاب المتطرفة.
المشكلة الذاتية..
وقال فراعنة إنّ المشكلة الثانية هي ذاتية مصدرها الفلسطينيون أنفسهم، فقد أدوا داخل مناطق 48 واجباتهم الوطنية نحو صناديق الاقتراع، إذ شاركوا في الانتخابات وأعطى أصواتًا للكتل الفلسطينية الثلاث أكثر من 511 ألف صوت، أي 54 بالمائة من عدد الفلسطينيين الذين يملكون حق التصويت، وهو عدد ونسبة لم تكن متوقعة لدى المراقبين، ولكن عند التصويت استجاب قطاع واسع من أهل الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، لنداءات قادة المجتمع العربي الفلسطيني، رغم غضبهم من الانقسام بين الكتل الثلاث وفشلهم المسبق في التوصل إلى?التحالف فيما بينهم.
فالمشكلة ذاتية، والمرض داخلي، كما هو في مناطق 67 بين فتح وحماس، إذ اجتاح المرض بين اليساريين والقوميين والإسلاميين في مناطق 48.
كما أنّ التجمع الوطني الديمقراطي كان جزءاً من القائمة المشتركة ولكنه خاض الانتخابات بمفرده، وحصل على 138 ألف صوت بما يوازي ثلاثة مقاعد ونصف المقعد، وحتى يصل إلى الحد الأدنى المطلوب للنجاح، أي 3.25 من عدد المصوتين وهو 154 ألف صوت، كان يحتاج إلى 16 ألف صوت حتى ينجح، وهي أرقام ونسب كانت متوفرة لدى القائمتين: قائمة الجبهة الديمقراطية المشتركة، وحصلت على خمسة مقاعد بـ179 ألف صوت، الحركة الإسلامية وقائمتها الموحدة وحصلت على خمسة مقاعد بـ194 ألف صوت، مما يدلل على وجود فائض أصوات، ولو حصل الائتلاف بينهم، لتمكن الت?مع من تجاوز نسبة الحسم، ولكنه خسر 138 ألف صوت ذهبت إلى قوائم الأحزاب الكبيرة واستفاد منها على التوالي: الليكود 32 مقعداً برئاسة نتنياهو، وهناك مستقبل برئاسة يائير لبيد وحصل على 24 مقعداً، الصهيونية الدينية برئاسة الثنائي سموتريتش وبن غفير، وحصلت على 14 مقعداً، المعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس وحصل على 12 مقعداً.
نحو الانحدار
وتحت عنوان «الإسراع نحو الانحدار»، قال فراعنة إنّ لكل حدث سياسي إيجابيات وعليه سلبيات، فهناك من يؤيده وهناك من يقف ضده، وهذا شأن انتخابات البرلمان الإسرائيلي، وتداعياتها.
ودلل فراعنة بما كتبه الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في هآرتس تعليقاً على ما حققه حزب الصهيونية الدينية حليف نتنياهو في ائتلاف المعارضة، وفي ائتلاف الحكومة المقبلة نتيجة انتخابات الكنيست يوم 1/11/2022: «جنديان من بين كل عشرة جنود صوتوا لصالح إيتمار بن غفير، اثنان من بين عشرة جنود كهانيون، اثنان من بين عشرة جنود يؤيدون الترانسفير (للفلسطينيين) والضم (للمستوطنات) والموت للعرب، اثنان من بين كل عشرة جنود يعتقدون أنهم ينتمون إلى شعب أرقى وأعلى، وأنه لا يوجد للفلسطينيين أي حق هنا (في فلسطين)، يعتقدون أنه مسموح للجن?د فعل كل شيء، مسموح لهم دائماً إطلاق النار من أجل القتل، وأن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة والإهانة، وأنهم ليسوا من بني البشر».
فردّ عليه الصحفي الأميركي توماس فريدمان يوم 6/11/2022 –وهو يهودي أيضاً- بمقالة نشرتها هآرتس حملت عنوان «إسرائيل التي عرفناها لم تعد موجودة»، ويتحدث عن حكومة نتنياهو المقبلة بقوله: «سنرى ائتلاف اليمين المتطرف جداً،.. كحلف جامح من زعماء الجمهور الديني والسياسي المتطرف قومياً، ومن بينهم بعض المتطرفين اليهود العنصريين الذين يكرهون العرب، والحديث يدور عن شخصيات مثل إيتمار بن غفير، سبق وتمت إدانته عام 2007 بالتحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية يهودية، وقد حذر السناتور الأميركي من الحزب الديمقراطي بوب مننديز، ?ئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ،... حذر من نتنياهو إذا شكل حكومة تضم متطرفين من اليمين فهذا يمكن أن «يعمل على تآكل الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من الحزبين في واشنطن بشكل جدي »، وخلص إلى ما سمعه من صديقه الصحفي ناحوم بريناع قوله: «الآن توجد لنا إسرائيل مختلفة كلياً».
وقال فراعنة إنّ هذه بدايات بادر لها جدعون ليفي الإسرائيلي وتوماس فريدمان الأميركي، والقائمة ستتسع لتشمل أشخاصاً آخرين حينما تتضح حقيقة المشهد، كما قال جدعون ليفي: «ميزة نجاح بن غفير في الانتخابات هي جعل الحقيقة تطفو على السطح».
وحول هل ستواجه إسرائيل انقلاباً لدى أصدقائها أو حلفائها الأميركيين والأوروبيين وحتى بعض العرب، قال فراعنة إنّ ذلك لن يحصل، ولكنها خطوات ومواقف تدريجية تراكمية تعمل على تعرية مشروع الاحتلال برمته، فكيف يتم استثمار ذلك فلسطينياً وتوظيفه عربياً ودولياً باتجاه تعزيز احترام المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ودعمه والتعاطف الجدي مع شعبه.
وحدة الموقف
ورأى فراعنة أنّ قيادات الكتل الثلاث: معسكر نتنياهو وحلفاؤه، ومعسكر لبيد وشركاؤه، وبيني غانتس ومن معه، لن يستجيبوا لحقوق الشعب الفلسطيني الصامد المقيم على أرض وطنه، وهم غير معنيين بالتجاوب مع حقوق فلسطينيي مناطق 48، أبناء الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، بإلغاء مظاهر التمييز والعنصرية، وتحقيق المساواة لهم، وغير معنيين بالتجاوب مع حقوق الفلسطينيين في مناطق الاحتلال الثانية عام 1967، أبناء الضفة والقدس والقطاع، بإنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، وقبول استقلال فلسطين.
القاعدة الإيديولوجية..
وقال إنّ نتنياهو ولبيد وبني غانتس، ينطلقون من قاعدة أيديولوجية، وخلفية إحلالية احتلالية واحدة، تهدف إلى جعل الأرض الفلسطينية طاردة لشعبها، وفرض العبرنة والأسرلة والتهويد، والتمسك بهدفين:الأول القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، والثاني الضفة الفلسطينية، ليست فلسطينية، ليست عربية، ليست محتلة، بل هي يهودا والسامرة كجزء من خارطة إسرائيل، تم استعادتها باحتلال عام 1967، وتتم عبرنتها وأسرلتها وتهويدها بشكل تدريجي تراكمي، وكما فعلوا في مناطق 48، يفعلون في مناطق 67.
صراع اليمين..
كما أنّ الصراع بينهم، صراع اليمين المتطرف، في مواجهة اليمين الأكثر تطرفاً، 80 بالمئة من المجتمع الإسرائيلي العبري اليهودي، من طينة فكرية وسياسية ودينية واحدة، تزداد تصلباً وتطرفاً، وانعكاساتها جلية في سياسات الأحزاب الإسرائيلية المعلنة، فلا معسكر سلام موجود، بل غير مثمر، وغير منتج، ولا معسكر الاعتدال والتوازن والوسطية، لديه القدرة على التنافس أو فرض ما يراه مناسباً بواقعية، بل تحول إلى ذيل لليكود وحلفائه، ولخصومه ومن معه، ولذلك لا رصيد لدى حزب العمل يمكن الرهان عليه، والخصم الوحيد المتوفر لرفض سياسات العنص?ية في مناطق 48 والاحتلال العسكري في مناطق 67 هو الشعب الفلسطيني بشقيه في منطقتي الاحتلال الأولى والثانية، وعدد محدود جداً من الشخصيات الإسرائيلية، إضافة إلى غياب عوامل الضغط الخارجية، التي يمكن أن تفرض بإعادة النظر بسياسات التمييز العنصري والتوسع والاحتلال والاستيطان وسياسات التراجع غير قائمة، وعواملها غير متوفرة، وبالتالي لا أمل مُرتجى نحو الاستجابة الإسرائيلية لأي مبادرة واقعية، مهما بدت مجحفة بحق الشعب الفلسطيني، وفي طليعتها مبادرة السلام العربية التي تقدم عرضاً يحوي تنازلا مسبقا في عنوانين: التبادل في ?لأراضي، حل متفق عليه بشأن حق اللاجئين بالعودة، ومع ذلك لم يُعلن أي من قيادات اسرائيل قبوله بها أو موافقته عليها.