جفرا نيوز - أعلن صندوق النقد الدولي خلال الأسبوع الجاري عن توصّله إلى اتفاق مع مصر، بعد تحرّك السلطات نحو مرونة دائمة لأسعار الصرف، وبحث الصندوق التي تطلب مساعدته على اعتماد نظام سعر الصرف المرن أو تحرير سعر الصرف كشرط للمساعدة، فما السبب الأساسي وراء ذلك؟ وما هي انعكاسات هذا الإجراء على الدول؟
تُثَّبِت بعض الدول النامية عملاتها المحلية بهدف الحد من التضخم، ولكن هذا الأمر يجعلها عرضة لأزمات سعر الصرف أكثر من البلدان التي تعتمد نظم أسعار صرف مرنة. والبنوك المركزية التي تثبّت سعر الصرف عليها أن تتدخل في السوق كي تحافظ على الاستقرار، الأمر الذي يضغط على الاحتياطي من العملات الصعبة فيها.
وإذا كانت بعض البلدان قد تمكنت من الانتقال بشكل سلس من نظام سعر الصرف الثابت نحو نظام سعر الصرف المرن، إلّا أنّ ذلك لا يسير على نحو جيّد في جميع البلدان.
وفي تقرير سابق منشور في موقع صندوق النقد الدولي، فإنّ تجارب الانتقال نحو مرونة سعر الصرف تتطلب بعض العناصر الأساسية ومنها سوق تتسم بالعمق والسيولة، وسياسات متماسكة تحكم تدخل البنك المركزي في سوق النقد الأجنبي من خلال ممارسات شراء أو بيع العملة المحلية للتأثير في سعرها أو في سعر الصرف، وكذلك نظم فعّالة لإدارة أخطار سعر الصرف في القطاعين العام والخاص.
وبالنسبة لأنواع سعر الصرف، فهناك 3 أنواع ثابتة، وهي:
الدولرة الشاملة: أي عندما تتعامل الدولة بعملة أخرى غير عملتها المحلية.
مجلس العملة (صندوق الإصدار): وهو نظام نقدي يقوم على التزام قانوني بصرف عملة محلية على أساس عملة أجنبية وفق سعر ثابت.
ترتيبات تقليدية أخرى مثل ربط العملة المحلية بعملة بلد آخر مع هامش ضيّق للتحرك في حدود ضيّقة تقلّ عن 1 في المئة.
وهناك نظام سعر الصرف الحرّ أيّ ترك سعر العملة للعرض والطلب، ونظام سعر الصرف المرن، أي ترك سعر العلمة يحدده العرض والطلب مع تدخلات محدودة وضمن ضوابط للمركزي.
تحرير سعر الصرف
ويوضح الخبير الاقتصادي ومدرّس التمويل والاقتصاد مدحت نافع أنّ "صندوق النقد الدولي معني بمعالجة الاختلالات الهيكلية في موازين المدفوعات، وجزء كبير من هذا الاختلال ينشأ عن عدم تقييم سعر صرف العملة المحلية بالقيمة العادلة، فتكون الدولة تقيّم عملتها بأكثر من قيمتها الحقيقية، وهذا من شأنه تشجيع الاستيراد بأكثر من قدرة الدولة ما يؤدي إلى أن يختّل ميزان المدفوعات أكثر، ومن ثمّ تكون مساعدة صندوق النقد الدولي في هذا الشأن غير مجدية".
و يشير نافع إلى أنّه "إذا كانت الدولة توفّر سببا هيكليا للاختلال في ميزان المدفوعات وثمّ تلجأ إلى صندوق النقد الدولي لطلب مساعدته، ستكون حينها مساعدة الصندوق غير مجدية. لهذا السبب يرفض الصندوق المساعدة في هذه الحالة ويطلب تغيير نظام سعر الصرف".
"كفّ يد المصرف المركزي"
من جهتها، تشرح الخبيرة في الاقتصاد النقدي ليال منصور أنّه "عندما يتدخل صندوق النقد الدولي في البلدان التي لديها أزمة اقتصادية غالباً ما يطلب اعتماد سعر صرف مرن".
وذكرت أنّ "أكثر من ثلثي البلدان في العالم تعتمد نظام تثبيت سعر الصرف، وتالياً فإنّ هذا النظام يفرض أن يضع البنك المركزي في هذه الدول سياسات نقدية. ووقوع هذه الدول بأزمات اقتصادية يعني فشلا في سياسات البنك المركزي".
وتوضح منصور أنّ "سعر الصرف المرن يحدّ من تدخلات المصرف المركزي في الدول الواقعة بأزمة اقتصادية. وعندها لا يضع المركزي السياسات النقدية، وهذا ما يريده صندوق النقد الدولي من هكذا إجراء، بخاصة أنّ غالبية البلدان التي تعتمد نظام سعر الصرف الثابت والتي تلجأ إلى صندوق النقد الدولي هي غير شفافة وفاشلة، لذلك يعارض صندوق النقد الدولي تسليم الأموال لمصرف مركزي لديه هذه المواصفات، ولديه الصلاحية الاستنسابية ويقوم بالأخطاء".
وتشير منصور إلى أنّه في هذه البلدان "الواقعة بأزمة اقتصادية والتي تفشل فيها السياسة النقدية، يطلب صندوق النقد الدولي الأمر عينه، وهو سحب يد المصرف المركزي عن الأموال التي ستُضخ بعد الاتفاق. فعند التعويم، يأتي دور العرض والطلب على العملة المحلية في تحديد قيمة النقد".
إلّا أنّ منصور أوضحت أنّ "مصر لم تتمكن سابقا من تطبيق نظام التعويم لأكثر من سنة، فالمصرف المركزي عاد وتدخل في سوق القطع".
ووفق نافع فإنّ "الطلب الرئيسي لصندوق النقد يكون التحرير التامّ للعملة، لكن ذلك لا يمكن أن يحصل في ظلّ ندرة الدولار، وعجز كبير في ميزان التجارة".
فإن حُرّر السعر بسرعة فذلك سيؤدي إلى صدمات تضخمية كبيرة جدّا"، بحسب نافع الذي يرى أن على مصر اعتماد سعر الصرف المرن "لأنه أفضل الحلول المتاحة الآن".
وتلفت منصور إلى أن "هناك ثلاثة أنظمة لسعر الصرف، اثنان متطرفان وهما التعويم والتثبيت"، موضحة أنّ "غالبية دول العالم تعتمد نظام سعر صرف يقع ما بين التعويم والتثبيت".
واعتبرت منصور أن اعتماد هذا النظام الوسطي من حيث التواجد بين التعويم والتثبيت هو أمر يضرّ بالاقتصاد. وهو علاج مؤقت إلى حين الاتجاه نحو التعويم إذا كان الاقتصاد يتعافى، وفي حال كان وضع البلد بحالة سيّئة جدّا يذهب نحو التثبيت أو ما يعرف بنظام صندوق الإصدار "currency board".
وصندوق الإصدار، أو مجلس العملة، هو نظام قائم على جمع العملات الصعبة الموجودة في البلد وتحديد الوحدة النقدية المحلية بعدد محدد من هذه العملات بحيث لا يمكن طبع عملة محلية إلّا إذا كان هناك ما يعادلها من عملات صعبة في الصندوق.
وتقول منصور إنه "للاتجاه نحو تعويم العملة يجب أن تقوم الدولة بمحاربة الفساد، وتنفّذ الإصلاحات".
ووفق منصور فإنّ "مصر لا يمكنها اعتماد نظام صندوق الإصدار لأنّه ليس لديها هذا الشكل، ولا يمكنها الاتجاه نحو التعويم لذلك لا تزال في الوسط، والبقاء في هذه النقطة لا يدوم من دون إصلاحات. واعتماد نظام سعر الصرف المرن لا يتجدد بنجاح مرتين".
وبالشأن المصري أيضاً، توضح منصور أنّ "اقتصادها غير مدولر".
والدول المدولرة هي التي تعتمد عملة أجنبية إلى جانب عملتها المحلية بشكل رسمي أو غير رسمي.
وتتابع أن "مصر من أفضل البلدان التي حاربت الدولرة، فمن 40 سنة كان اقتصادها مدولر إلى حدّ ما ونجحت في محاربة هذا الأمر ضمن إطار الأنظمة والقوانين".
وتشير إلى أن مصر "دولرت زاوية خطيرة جدّاً في اقتصادها، وهو القروض، ففي العام 2015 كانت القروض الأجنبية أقلّ من 40 مليار دولار، وأصبحت اليوم 140 مليار دولار، وهكذا كفيل بضرب أكبر الاقتصادات في العالم".
وذلك لأنّ الولايات المتحدة الأميركية وحدها تطبع الدولار، وفي حال لم يكون مردود مشاريع القروض المدولرة بالورقة الخضراء، فّإن الاقتصاد سيواجه تحديات كبيرة.
تعديل نظام الصرف ضمن أطر منظمة
للانتقال بطريقة منظمة من نظام سعر الصرف الثابت إلى سعر الصرف المرن، يشير نافع إلى أنّ "ذلك يجب أن يحصل بشكل تقني جدّا من خلال إطلاق قيمة العملة لتتحدد وفقا لآليات العرض والطلب مع وجود تدخل في هوامش سعرية محددة".
من جهتها، تؤكّد منصور أنّه على البلد أن "يقوم بنمو اقتصادي ويحارب الفساد، بالإضافة إلى إصلاحات داخلية، وكذلك الحصول على ثقة دول أجنبية، وبعد أن يلمس أنّ البنية التحتية للاقتصاد باتت جيّدة يمكنه أن يتّجه نحو نظام سعر الصرف المرن بطريقة مناسبة ولا تشكلّ ضررا على الاقتصاد".
وتحذّر منصور أنّه "إذا اتجه أي بلد نحو سعر الصرف المرن في ظلّ أزمة اقتصادية، فتكون الدولة قد اتجهت في اتجاه لا تملك الأدوات ولا البنية التحتية المناسبة له".
وبالنسبة إلى زيادة الفوائد، اعتبرت منصور أنّ "ذلك ليس سوى ردّة فعل، لأنّه عندما يكون هناك انهيار في عملة معيّنة، وهناك أخطار عدّة حيالها، فمن الضروري رفع الفوائد لزيادة الرغبة في استخدامها. وذلك لأنّ الفائدة عبارة عن سعر الأخطار، وهامش ربح ضئيل".
وختمت منصور حديثها بالإشارة إلى أنّ "الاتجاه نحو سعر الصرف المرن سيؤدي إلى استفادة مصر من المساعدات الخارجية التي ستنعش الاقتصاد لفترة محدودة ولاحقا تعود الدولة إلى أزمتها".
ويعتبر نافع أنه "لا يجب أن تنتظر البلدان الانهيار للاتجاه نحو سعر الصرف المرن، لكن هناك عوامل محلية وإقليمية تضغط على العملة بشكل كبير فيكون الحل في تقييم العملة بسعر أكثر واقعية، حتى تعود تدفقات الأموال التي تعتمد عليها الدولة بشكل أساسي سواء بالاستيراد أو في سداد الديون السابقة".
يذكر أنه حين تعوّم عملة بلد ما تنتقل أخطار سعر الصرف من البنك المركزي إلى القطاع الخاص، والتعويم الكامل للعملة يعني توقف تدخل "المركزي" في سعر الصرف على عكس سعر الصرف المرن الذي يترك المجال للمصرف المركزي التدخل عندما يصل سعر الصرف إلى هوامش معينة.
الحرة