جفرا نيوز -
جفرا نيوز - انطلقت بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1930، ربما لم يكن يتوقع القائمون على البطولة أنها قد تبلغ من العمر 92 عاماً، وربما 100 عامٍ بعد 8 أعوام من الآن. لم يكن يتخيل القائمون أن عدد الفرق سيصل إلى 32 وفي عام 2026 سيصبح العدد 48 منتخباً.
في 92 عاماً، هناك كثير من القصص، لكن أن تجد قصتين متشابهتين فهو أمر صعب، لكن الأحداث المتشابهة كانت في عامي 1966 و1983، إذ سرقت كأس "جول ريميه" التي كانت تمنح للفائز في المونديال مرة في إنكلترا عام 1966 ومرة أخرى في البرازيل عام 1983، قبل أن تختفي الكأس الأصلية إلى الأبد.
الكلب بيكلز بطل كأس العالم 1966
استضافة كأس العالم 1966 كانت تشكل حدثاً مهماً بالنسبة إلى البلد الذي يَعُدّ نفسه مهد كرة القدم بشكلها الحديث، أرادت إنكلترا إظهار "عظمتها" من خلال كأس العالم، وهو ما تفعله أغلب الدول عندما تستضيف محافل رياضية، إذ تدخل الحدث الرياضي في استراتيجيتها التسويقية لما يسمى الـ"Nation Brand".
لكن استضافة إنكلترا البلد الذي يريد الظهور بصورة مثالية، كان فيها كثير من الخيبة، في شباط/فبراير عام 1966، طلب من الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم عرض الكأس في معرض "ستانلي جيبونز ستاكبيكس" للطوابع البريدية، ووافق رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم آنذاك، الإنكليزي ستانلي روس، على الطلب بشرط نقلها من قبل شركة أمن معروفة، وحراستها 24 ساعة.
وتم التأمين على الكأس بمبلغ 30 ألف جنيه إسترليني مع أن قيمتها الرسمية تبلغ 3 آلاف جنيه إسترليني فقط.
أقيم المعرض في قاعة "وستمنستر" المركزية وافتتح في 19 آذار/مارس 1966، وكانت كأس العالم نقطة جذب رئيسة للجماهير، وقام ضابطان يرتديان الزي الرسمي بحراسة الكأس على مدار الساعة، وعزّزهما ضابطان يرتديان ملابس مدنية في أثناء النهار.
وقف الحراس بجانب خزانة العرض عندما كان المعرض مفتوحاً، لكن الحراسة لم تكن مشددة طوال الوقت وفي أيام الأحد استخدم بهو القاعة لإقامة الصلوات.
في يوم الأحد 20 آذار/مارس 1966، سُرقت الكأس! لم يرَ الحراس ما حدث، بل أفاد أحدهم بأنه رأى رجلاً غريباً يقف في الخارج بجانب "كابينة" الهاتف العمومي.
هذه السرقة غيرت مساعي الحكومة البريطانية لتجميل الصورة، التي حاولت التعتيم على الأمر، لكن هذا الأمر "شبه مستحيل"، ولأن بطولة كأس العالم بدأت باكتساب شعبية كبيرة، قامت الحكومة باستبدال الكأس بأخرى مزيفة.
اقرأ أيضاً.. تميمة كأس العالم.. من "الأسد" إلى "لعيب" القطري
لم تنفع هذه الخطوة، الخبر وصل إلى الصحافة، وبدأ المواطنون بالبحث عن الكأس بكل الوسائل حتى إن بعضهم لجأ إلى السحر والعرافين.
وتولت شرطة "سكوتلاند يارد" التحقيق في القضية، واستجواب الضباط الحراس واثنين من عمال الصيانة للحصول على معلومات ولكن لم تصل إلى نتيجة.
في 27 آذار/مارس أي بعد أسبوع من الحادث، كان دايفيد كوربيت وكلبه بيكلز يسيران في منطقة بولا هيل في جنوب شرقي لندن، إذ كان يبحث عن هاتف للاتصال بأخيه لمعرفة ما إذا رزق بمولوده الجديد.
واتجه بيكلز إلى رزمة ملفوفة بورق جرائد، تخوّف كوربت من أن تكون قنبلة، وبعد أن فتحها وجد الكأس فيها وتأكد أنها الأصلية لأن أسماء المنتخبات التي توجت بالكأس منقوشة عليها، فسلمها للشرطة.
أخذت الشرطة كوربت والكأس إلى مركز شرطة "كانون رو"، حيث جرى التعرف إلى الكأس، ظنت الشرطة في البدء أن كوربت متورط في السرقة، ولكن أخلي سبيله بعدما قدم حجة غياب.
أعلنت الشرطة أنها استعادت الكأس في صباح اليوم التالي لكنها احتفظت بالكأس كدليل حتى 18 نيسان/أبريل، وسلمت لاحقاً إلى الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم.
تحول بيكلز وصاحبه ديفيد كوربيت إلى بطلين في إنكلترا، ودعيا إلى حفل عشاء مع لاعبي المنتخب الإنكليزي الفائز بكأس العالم.
منح كوربيت مبلغاً من المالي وحصل كلبه على وجبة طعام مجانية لمدة عام، كما تحول إلى نجم سينمائي حيث مثل في فيلم "الجاسوس ذو الأنف البارد"، وبعد موت بيكلز علقت ياقته في متحف كرة القدم في مدينة مانشستر تكريماً له.
حقيقة سرقة كأس العالم عام 1966
بقي الغموض يلف قصة سرقة الكأس في إنكلترا سنوات، بحثت الصحافة كثيراً عن حقيقة ما جرى لكن لم يقدم أحد أي رواية متكاملة.
في عام 2018، نشرت صحيفة "ميرور" تحقيقاً كان الأول من نوعه، كشفت فيه تفاصيل لغز سرقة الكأس، وأسماء الجناة بعد أكثر من 5 عقود على الحادث.
بحسب الصحيفة حقّقت أكثر من 10 أشهر، ووصلت إلى الرواية التالية بعد لقاء أجرته مع غاري كوغولير، ابن أخي السارق، الذي قرر رواية ما يعرفه للمرة الأولى بعد وفاة عمه.
كان سيدني كوغولير، رجل العصابات المعروف، مشهوراً بأنه يتغنى دائماً في رغبته بأن يكون أول شخص بريطاني يلمس كأس العالم، وجاء ذلك قبل بضعة أشهر من فوز منتخب إنكلترا بلقب مونديال 1966.
يُقال إن كوغولير تمادى في تطلعاته قبل أن تستضيف بريطانيا البطولة، وسرق مع أخيه ريغ الكأس التي كانت معروضة لأقل من 24 ساعة فقط في مقر الاتحاد في "ويست مينيستر"، وفقاً لشهادة ابن أخيه.
وتسلل كوغولير إلى المعرض بعد إغلاقه، متجنباً الحراس الـ4 الذين كانوا يجولون في المكان، ونجح في الوصول إلى المنطقة العامة، ثم إلى الغرفة المغلقة حيث كانت الكأس داخل خزانة، فكّ قفلها بواسطة قواطع براغي وأدوات أخرى كان يحملها، وغادر المكان والكأس في حقيبته، ليصبح أول بريطاني يلمس التحفة الشهيرة.
اقرأ أيضاً.. كأس العالم للجميع.. فما قصة البطولة؟
وطالب كوغولير وشقيقه بعد 3 أيام من السرقة، بفدية قدرها 15 ألف يورو من رئيس نادي تشيلسي ورئيس الاتحاد البريطاني لكرة القدم جو ميرز، في مقابل إعادة الكأس، مهددين بأنها ليست أكثر من قطعة كبيرة من الذهب بالنسبة إليهما، وأنهما بسهولة يستطيعان تحويلها إلى خردة أو وعاء للطبخ إن لم يحصلا على المال.
ورتب الرجلان لقاء مع ميرز الذي اتفق مع الشرطة على القبض عليهما، إلّا أنهما نجحا في الهرب، في حين وقع صديقهما، الذي كان مجرد وسيط، في أيدي العدالة، ولم يكشف عن اسميهما.
تخلص بعدها الأخوان كوغولير من الكأس برميها في أحد الشوارع، حيث وجدها الكلب بيكلز لاحقاً.
وحاولت الشرطة طويلاً العثور على سارق كأس العالم، إلا أنها لم تفلح، ولم يعرف الحقيقة سوى عدد من أقرباء كوغولير ورجال العصابات، وقال أحد المصادر: "كان سيدني في كثير من الأحيان يتباهى بأنه أول بريطاني يمسك كأس العالم بيديه، وأنه فعل ذلك قبل بوبي مور (قائد منتخب إنكلترا)".
رحل كوغولير وكان من بين قلة إنكليزية لمست كأس العالم، فبعد نسخة 1966 لم يتوج منتخب إنكلترا بأي لقب في المونديال، توفي عام 2005 عن عمر ناهز 79 عاماً، وفي جنازته حمل المشيعون أكاليل تشبه كأس العالم.