جفرا نيوز -
جفرا نيوز - الكاتب ستراتيجيكس
مقدمة
تأتي انتخابات الكنيست الإسرائيلي الخامسة والعشرين المقررة في 1 نوفمبر 2022 في ظل انقسام ثان تشهده الأحزاب والقوائم العربية المشاركة في تلك الانتخابات، حيث أعلن حزب التجمع الوطني الديمقراطي خروجه من ائتلاف القائمة العربية المشتركة وتشكيله قائمة انتخابية منفردة لخوض انتخابات الكنيست، لتقتصر مكونات القائمة العربية المشتركة على ائتلاف ثنائي يضم (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة العربية للتغيير)، إضافة إلى القائمة العربية الموحدة كقائمة ثالثة منفردة.
تجربة القائمة العربية المشتركة التي تشكلت في العام 2015 من الأحزاب العربية الأربعة الرئيسية في إسرائيل (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة العربية للتغيير، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية الجنوبية) في خوض انتخابات الكنيست العشرين في نفس العام ضمن قائمة موحدة، وحصلت على 13 مقعداً، لم تدم بعد أن عادت لتنقسم في انتخابات الكنيست الحادية والعشرين في إبريل 2019 إلى قائمتين، تضم الأولى (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير) وحصلت على ستة مقاعد، وتضم الثانية (حزب التجمع الوطني الديمقراطي والقائمة العربية الموحدة التابعة للحركة الإسلامية الجنوبية) وحصلت على أربعة مقاعد.
أما في انتخابات الكنيست الثانية والعشرين التي أجريت في سبتمبر 2019 بشكل مبكر عادت القائمة العربية المشتركة لخوض الانتخابات بشكل موحد ضمت مكوناتها الأربعة لتحصل على 13 مقعداً، ثم ليرتفع عدد مقاعدها إلى 15 مقعداً في انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين في العام 2020، لتسجل اختراقاً كبيراً بوصفها الكتلة الثالثة بعد كتلة الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، وكتلة "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس.
لكن وحدة القائمة العربية المشتركة لم تستمر بعد انتخابات الكنيست 2020، حيث خرجت القائمة العربية الموحدة التي تمثل الحركة الإسلامية الجنوبية لتخوض انتخابات الكنيست الرابعة والعشرين منفردة في العام 2021 وتحصل على أربعة مقاعد، مقابل ستة مقاعد للقائمة العربية المشتركة بمكوناتها الثلاثة المتبقية (الجبهة والتجمع والعربية للتغيير)، ثم يستمر الانقسام بإعلان حزب التجمع الوطني الديمقراطي خروجه من القائمة العربية المشتركة في انتخابات الكنيست الخامسة والعشرين القادمة، ويتم الإعلان عن خوض الأحزاب العربية هذه الانتخابات ضمن ثلاث قوائم منفصلة.
الأحزاب العربية في إسرائيل
تنقسم خارطة الأحزاب العربية الحالية في إسرائيل بناء على موقفها من المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي إلى قسمين، القسم الأكبر يتبنى المشاركة ويشارك فعلاً في تلك الانتخابات، ويتكون من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة العربية للتغيير، والحركة الإسلامية الجنوبية، أما القسم الثاني فلا يتبنى المشاركة أو يدعو لمقاطعتها، ويتكون من الحركة الإسلامية الشمالية، وحركة أبناء البلد، وفيما يلي نبذة تعريفية عن كل حزب منها:
أولاً: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
وهي حركة سياسية يسارية مشتركة "عربية يهودية" ذات أغلبية عربية تأسست في العام 1977 من قبل الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) ومجموعات يسارية صغيرة، ويرأسها حالياً عضو الكنيست المحامي أيمن عودة، وهو رئيس القائمة العربية المشتركة أيضاً.
ثانياً: حزب التجمع الوطني الديمقراطي
الذي يعرّف نفسه بأنه "حزب قومي عربي وطني فلسطيني ديمقراطي"، وقد تأسس في العام 1995 على يد عزمي بشارة وأعضاء من حركات عربية صغيرة كحركة أبناء البلد، والحركة التقدمية للسلام (أسسها عضو الكنيست السابق محمد ميعاري عام 1984)، ويرأس قائمة الحزب حالياً عضو الكنيست الأكاديمي سامي أبو شحادة.
ثالثاً: الحركة العربية للتغيير
وهي حركة وطنية اجتماعية تأسست في العام 1996 على يد الدكتور أحمد الطيبي ومجموعة من أعضاء الحركة التقدمية للسلام ممن رفضوا الانضمام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ويرأسها حالياً عضو الكنيست الدكتور أحمد الطيبي، المستشار السابق للرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات.
رابعاً: الحركة الإسلامية الجنوبية
وهي جناح الحركة الإسلامية الذي يُشارك في انتخابات الكنيست، وساهم في تشكيل "القائمة العربية الموحدة" مع الحزب الديمقراطي العربي (أسسه عضو الكنيست السابق عبد الوهاب دراوشة عام 1988)، ثم مع الحركة العربية للتغيير حتى انتخابات عام 2015، لتغدو "القائمة العربية الموحدة" بعدها بمثابة الحزب السياسي التابع للحركة الإسلامية الجنوبية، ويرأس القائمة حالياً عضو الكنيست الدكتور منصور عباس.
خامساً: الحركة الإسلامية الشمالية
وهي جناح الحركة الإسلامية الذي يرفض المشاركة في انتخابات الكنيست، ليشكّل حركة مستقلة يرأسها الشيخ رائد صلاح، وتم حظر هذه الحركة وإخراجها عن القانون في إسرائيل في العام 2015 بقرار من الحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها بنيامين نتنياهو حينذاك.
سادساً: حركة أبناء البلد
وهي حركة يسارية صغيرة قريبة من الخط الفكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تأسست في العام 1972، وترفض بشكل مبدئي المشاركة في انتخابات الكنيست القادمة وتدعو إلى مقاطعتها، ويرأسها حالياً محمد كناعنة.
الاختلافات السياسية وانتخابات الكنيست
تعمل الأحزاب العربية في إسرائيل، شأنها شأن بقية الأحزاب السياسية في العالم، وسط حالة من الاختلافات والتغيرات، حيث أن الاختلاف السياسي هو الأصل في العمل الحزبي، لكن ذلك لم يمنع من تطوير حالة من التحالفات المرحلية الجزئية في أحيان كثيرة، ومن التحالف الشامل لمرة واحدة.
التحالف الشامل بين الأحزاب العربية حدث في انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين في العام 2020 بين الأحزاب الرئيسية الأربعة التي شكلت "القائمة العربية الموحدة"، وحصلت على 15 مقعداً من أصل 120، وهو أكبر عدد من المقاعد تحصل عليها الأحزاب العربية، مجتمعة أو منفردة، لكن ذلك التحالف لم يتكرر رغم المكاسب الكبيرة التي حققتها القائمة المشتركة بوصفها الكتلة الثالثة في الكنيست.
وبعيداً عن الأسباب المعلنة لانفراط عقد القائمة المشتركة، يبدو أن التنافس بين الأحزاب العربية في إسرائيل على قيادة الجماهير العربية الفلسطينية والسعي لنيل صفة تمثيلها هو السبب الرئيس لعدم تكرار تجربة التحالف الشامل، وهو تنافس تاريخي في الحالة الفلسطينية، خاصة بين التيارات القومية والماركسية والإسلامية، وتمثل تصريحات الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، إمطانس شحادة الأخيرة التي قال فيها إن "مجتمعنا ليس محصوراً بين خيار الحركة الإسلامية، والحزب الشيوعي" إشارة واضحة إلى ذلك.
حسابات المصالح والتنازلات
في الحسابات الحزبية والسياسية لدى الأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست الإسرائيلي، لا يظهر السعي لإحداث تغيير جذري في سياسات إسرائيل الاستراتيجية، بقدر ما يحكم تلك الحسابات سقف محكوم بالقوانين الإسرائيلية ذاتها، والقدرة على تحسين شروط حياة المواطنين العرب أو من يطلق عليهم كذلك فلسطينيي الداخل (مليون وسبعمائة ألف مواطن تقريباً) خاصة في قضايا المواطنة الكاملة وعدم التمييز، وقد ظهر ذلك بوضوح في خطابات تلك الأحزاب بعد توقيع اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وهي الاتفاقيات التي أخرجت "فلسطينيي الداخل" من حسابات منظمة التحرير الفلسطينية رسمياً باعتبارهم "مواطنين إسرائيليين" عرب، وشعور الأحزاب السياسية العربية في إسرائيل بـ "الخذلان" نتيجة ذلك، وبالتالي تحوّل خطاب تلك الأحزاب أكثر نحو "الداخل" الفلسطيني وقضاياه.
وإذا كان موقف الأحزاب العربية في إسرائيل مفهوماً من هذه الناحية، فإن طريق تحقيق ذلك يكون من خلال قواعد اللعبة البرلمانية والقدرة على التأثير على سياسات الحكومة الإسرائيلية الداخلية تجاه المواطنين العرب في إسرائيل على قاعدة "تبادل المصالح" وتقديم "التنازلات"، الأمر الذي يتم من خلال تشكيل أوسع قائمة ائتلافية لخوض انتخابات الكنيست على تلك القاعدة، وهو ما تتفق عليه برامج الأحزاب العربية بالحد الأدنى بعيداً عن منطلقاتها الفكرية وحساباتها السياسية الإقليمية، والذي تحقق فعلاً في انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين في العام 2020، وهو ما تؤكده نتائج الانتخابات السابقة، كما تشير إليه نتائج استطلاعات الرأي حول الانتخابات القادمة.
فنتائج الانتخابات السابقة حملت الكثير من الأرقام الدالة على العلاقة الطردية ما بين "وحدة" القوائم الانتخابية للأحزاب العربية، وعدد المقاعد التي حصلت عليها، كما أن العكس صحيح في الحالة المقابلة التي انخفض فيها عدد المقاعد في حالة خوض تلك القوائم للانتخابات بشكل منفرد أو ثنائي، وهو ما تحمله توقعات استطلاعات الرأي لعدد المقاعد في الكنيست الخامسة والعشرين.
فطبقاً لآخر استطلاعات الرأي الذي أجرته القناتان 12 و 14 الإسرائيليتان لن يزيد عدد مقاعد "الجبهة والعربية للتغيير" عن أربعة مقاعد، وهو نفس العدد المتوقع للقائمة العربية الموحدة، فيما لن تجتاز قائمة حزب التجمع الوطني الديمقراطي نسبة الحسم البالغة 3.25%، بينما كانت توقعات الاستطلاعات التي سبقت انفصال حزب التجمع عن القائمة المشتركة تشير إلى حصول القائمة على ستة مقاعد (استطلاع صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في بداية شهر أغسطس)، أو خمسة مقاعد بالحد الأدنى (استطلاع القناة 13 العبرية).
وبالمقارنة تتضح "الخسارة" الكبيرة التي ستلحق بالقوائم العربية، حيث ستخسر مقعدين بسبب خروج حزب التجمع من القائمة المشتركة، بعد أن خسرت أكثر من ذلك بكثير بالخروج السابق للقائمة العربية الموحدة، وفي حالة الأخيرة، فإنها قد لا تضمن الوصول إلى نسبة الحسم في حالة تراجع نسبة المصوتين العرب جراء الانقسام بين الأحزاب العربية، كما بسبب استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية.
خاتمة
المصلحة الأكبر من حالة انقسام القوائم العربية، ستكون من نصيب معسكر يائير لبيد، الذي سيضمن دعم القائمة العربية الموحدة في حالة اجتيازها نسبة الحسم، وهي القائمة الشريكة في ائتلافه الحكومي الحالي، كما قد يضمن دعماً من "الجبهة والعربية والتغيير" بسبب خروج حزب التجمع، وهو الحزب الذي يعارض التوصية له، ولنتنياهو أيضاً، لرئاسة الحكومة القادمة، وقد يستفيد لبيد من سيناريو الفشل في تشكيل حكومة، وبالتالي بقاء حكومته الحالية كحكومة تصريف أعمال لحين عقد انتخابات أخرى جديدة.
وفي الدرجة الثانية التي لا تقل أهمية فإن مصلحة معسكر بنيامين نتنياهو من حالة انقسام القوائم العربية لن تكون أقل من معسكر لبيد في حالة نجح معسكره في تشكيل أغلبية يمينية داعمة له بسبب انخفاض عدد مقاعد القوائم العربية الناتج عن عزوف المصوتين العرب عن المشاركة، أو حتى بعدم اجتياز القوائم العربية لنسبة الحسم.
في الحالتين فإنّ الخاسر الأكبر هم المواطنون العرب في إسرائيل، حيث لن تكون القوائم العربية الممثلة في الكنيست بشكلها المنفرد وعدد مقاعدها القليل قادرة على تحقيق "اختراقات" حقيقية لصالح أولئك المواطنين، وستكون تلك القوائم مشغولة بالحفاظ على توازناتها الداخلية بين الائتلافين الكبيرين (لبيد ونتنياهو) وحساباتهما التي لا ترى في تلك القوائم إلا مجموعة من أعضاء الكنيست "العرب" الممثلين لأحزابهم ومناطقهم المحلية، ولا ترى فيهم "ممثلين" للمجتمع العربي-الفلسطيني، بل لا ترى فيهم حتى "ممثلين" لأقلية عربية كبيرة ذات حقوق سياسية ومدنية جماعية.