النسخة الكاملة

هل وفاة الشاب "دبش" سبب استقالة مدير الأمن العام ؟

الخميس-2022-09-13 08:26 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - فتحت حادثة وفاة شاب أردني بعد تعرضه للضرب في مركز أمني، الباب واسعاً أمام عودة الحديث عن واقع التعذيب في السجون والمراكز الأمنية. 

فبعد ساعات من تلقي ذوي الشاب زيد دبش، نبأ وفاته في مركز أمني داخل العاصمة عمّان، عيّن الملك عبدالله الثاني مديراً جديداً للأمن العام، خلفاً للفريق حسين حواتمة الذي تقول مصادر رسمية إنه قدم استقالته بعد تفاعل هذه الحادثة بين الأردنيين الغاضبين.

وبدا واضحاً حجم استياء الملك من الحادثة من خلال مطالبته لمدير الأمن العام الجديد بالتركيز على المعيار القانوني في التعامل مع المواطنين، إذ تثير مثل هذه القضايا حساسيات خارجية من شأنها أن تتسبب بمشكلات للحكومة الأردنية، التي تحاول إبقاء سجلها نظيفاً في مجال حقوق الإنسان نظراً إلى اعتمادها على ما تقدمه الدول المانحة من مساعدات.

تعذيب وضرب

وتناقل ناشطون أردنيون على منصات ووسائل التواصل الاجتماعي صوراً قاسية ومروعة لجسد الشاب زيد دبش (38 سنة)، وتظهر عليه آثار تعذيب وكسور وضرب مبرح، وفق ما أكد محاميه مالك أبو رمان الذي طالب بالاطلاع على تقرير الطب الشرعي الذي يثبت تعرضه للتعذيب.

وطالب ذوو الشاب التحقيق في ملابسات مقتل ابنهم في سجن "ماركا"، الذي نُقل إليه بعد اعتقاله من قبل دورية أمنية، مشيرين إلى أن آثار القتل والتعذيب واضحة على جسده.

وقالوا في بيان صادر عنهم إن ابنهم تعرض لقتل وحشي وبدم بارد داخل السجن، مطالبين العاهل الأردني بالتدخل، ورفض تسلم جثته إلى حين معرفة المتسبب بقتله.

بدورها ترفض مديرية الأمن العام التعليق على الحادثة حتى اللحظة، ما أثار مزيداً من الشكوك حول الواقعة ومدى انتشار وتزايد التعذيب في البلاد. وكان المركز الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) أعلن في تقريره السنوي لعام 2020، أن "قضايا سوء المعاملة المرتكبة بحق نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، بلغت 42 قضية مسجلة لدى النيابة العامة الشرطية مقارنة بـ 17 قضية في عام 2019".

واعتبر ناشطون أردنيون واعلاميون أن مدير الأمن العام الجديد اللواء عبيدالله المعايطة، بات أمام اختبار صعب، مع تزايد النقمة الشعبية والمطالبات بمعاقبة المتسببين بوفاة الشاب زيد دبش داخل السجن.

جريمة بلا عقاب

وتصف مراكز حقوقية ومدنية ما يحدث في مراكز التوقيف والسجون الأردنية بأنه جريمة بلا عقاب، وتتحدث عن 4 وفيات و135 شكوى في العامين الماضيين من دون إدانة أحد.

في المقابل، تدافع الجهات الرسمية عن سجلها في هذا المجال بأنه "ناصع البياض" مقارنةً بدول أخرى مجاورة، وأن ما يحدث مجرد "حالات فردية".

لكن تقرير مؤشر التعذيب في الأردن للعامين الماضيين، الذي أطلقه مركز "عدالة" لدراسات حقوق الإنسان، يشير إلى حدوث وفيات ومئات حالات التعذيب في البلاد، على الرغم من مصادقة الأردن على اتفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية في عام 1991.

كما أن التدابير التشريعية والتنفيذية والقضائية غير كافية، إذ لا يقتصر التعذيب على السجون ومراكز الشرطة وإنما يمتد أيضاً إلى مرافق الصحة النفسية ومراكز احتجاز الأحداث.

والحديث هنا يدور عن ممارسات من قبيل احتجاز الشخص، كالتوقيف والحبس الانفرادي وحرمانه من حق بالاستعانة بمحامٍ، والاتصال بالعالم الخارجي.

ووفق التقرير ذاته، فإنه لم تتم إدانة أي شخص بتهمة التعذيب في الأردن، كما أن ممارسات التعذيب وإساءة المعاملة لم تتوقف على الرغم من ورود مئات الشكاوى.

التشريعات متهمة

ويتهم مراقبون السياسية العامة التي لا تعمل بشكل كامل لمنع التعذيب، بالإضافة إلى البيئة الاجتماعية التي تؤيد ثقافة العنف بحق المساجين.

كما تُظهر المؤشرات وجود فجوة في التشريعات المعنية بحماية الحق في السلامة البدنية، في حين تتهم التقارير الحقوقية الجهات الرسمية بالإفراط في الاعتماد على اعترافات غير موثوقة، وتستند إلى ممارسة التعذيب.

على سبيل المثال، يقول رئيس مركز "عدالة" لحقوق الإنسان عاصم ربابعة، إن "جريمة التعذيب ما زالت تخضع للتقادم، وللعفو بموجب القوانين الأردنية النافذة، وهو ما يشكل مخالفة لأحكام اتفاقية مناهضة التعذيب. كما أن الحق في الإنصاف وتعويض مَن تعرضوا للتعذيب غير موجود".

يدلل ربابعة على ذلك بالعفو عن عدد من الأشخاص المتهمين بممارسة التعذيب، ووقف ملاحقتهم عن جرم التعذيب لشموله بأحكام قانون العفو العام، مما أسهم بإفلاتهم من العقاب.

صمت الضحايا

في سياق متصل، يؤكد نضال منصور، الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحافيين، أن "التقارير الوطنية لحالة حقوق الإنسان لا تهدف إلى مواجهة مع الحكومة بل لإحقاق العدل ومنع الإفلات من العقاب"، مضيفاً أن "الإشكالية هي محاولة التنصل وضعف الإرادة السياسية للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة مَن يرتكبها".

ويشير منصور إلى صمت الضحايا وعدم حديثهم عما يتعرضون له، بسبب شعورهم بالخزي والاذلال من طريقة استجوابهم.
اليوم تطالب منظمات حقوقية، السلطات الأردنية، في سبيل الحد من ممارسات التعذيب، بحظر أماكن الاحتجاز غير المصرح بها، ومنع الحبس الانفرادي، إضافة إلى حق المعتقلين في إبلاغ طرف ثالث، والحق في الوصول إلى طبيب، والمثول أمام قاضٍ، ووضع مدونة سلوك لإجراء الاستجوابات، وتوثيقها بشكل مرئي وصوتي.

السجون مكتظة

ويثير واقع السجون ومراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن، قلق مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، بخاصة بعد إعلان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية عن اكتظاظ بنحو 20 ألف نزيل، فيما بلغت نسبة الإشغال 144 في المئة. وهو ما يضاعف منسوب القلق من سوء المعاملة المرتكبة بحق نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل (السجون)، إضافة إلى ادعاءات التعرض للتعذيب وسوء المعاملة.

اندبندنت عربية