جفرا نيوز -
جفرا نيوز - أدى انخفاض جديد في قيمة الجنيه المصري، إلى بلوغه أدنى مستوى له في خمس سنوات مقابل الدولار، وهو ما أثار مخاوف بشأن زيادات جديدة في الأسعار، وتساؤلات عما إذا كان هناك حل لوقف تراجعه في المستقبل وتحسين الوضع الاقتصادي.
ووصل سعر الجنيه، الثلاثاء، إلى 18.71 مقابل الدولار، وهو أقل مستوى له منذ الثاني من فبراير 2017، عندما تراجع إلى 18.78 جنيه أمام الدولار.
وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان البنك المركزي المصري، انخفاض صافي احتياطي النقد الأجنبي إلى 35.5 مليار دولار بنهاية مايو 2022، وذلك مقارنة بـ37.123 مليار دولار بنهاية أبريل الماضي، وهو ما كان له أثر في انخفاض قيمة الجنيه، بحسب الخبير الاقتصادي ومستشار وزير التموين والتجارة في مصر، مدحت نافع، في حديثه مع موقع "الحرة".
ويؤكد نافع أن "مثل هذه المعلومات تعطي إشارة إلى أن هناك طلب على الدولار وتبعث رسالة بضرورة توفير الدولار لأعمال مستقبلية، حتى وإن كان الطلب عليه غير ملح في الوقت الآني".
لكن أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة الجنيه، بحسب نافع، هو " طبيعة احتياجات السوق من الواردات بشكل أساسي".
ويوضح نافع أنه "من المفترض أن الجنيه يتحرك بشكل حر، وبالتالي المسألة مرتبطة بالطلب على الدولار، الذي يتقلب حسب طبيعة احتياجات السوق من الواردات بشكل أساسي، واعتبارات أخرى أيضا مثل انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي".
وتعاني مصر من نقص في العملات الأجنبية بعد أن تسببت جائحة فيروس كورونا في تراجع أعداد السياح، كما سحب المستثمرون الأجانب مليارات الدولارات من سوق السندات المصرية، وارتفعت أسعار واردات السلع نتيجة الأزمة الأوكرانية.
ويقول نافع: "معظم استهلاكنا وحتى إنتاجنا يعتمد بشكل كبير على استيراد مدخلات أو مواد خام"، مشيرا إلى أن فاتورة الواردات وصلت إلى 80 مليار دولار في 2020-2021.
قيود تم التراجع عنها
يعتبر نافع أن روسيا استطاعت التعامل مع أزمة انخفاض عملتها "الروبل"، حيث أوقفت الطلب على الدولار ووضعت شروطا شديدة للغاية للحصول عليه، لكن مصر عندما اتخذت قرارات قيدت بها الحصول على الدولار، تراجعت عنها في النهاية".
فقد اتخذت مصر قبل عدة أشهر قرارا، بضرورة توفير المستوردين للعملة الصعبة ووضع قيمة السلع كاملة في البنوك قبل عملية الاستيراد، وهو ما أدى إلى تقييد عملية استيراد الكثير من السلع، مما أدى إلى اختفاء بعضها من السوق.
لكن مصر تراجعت بشكل تدريجي عن قرار "فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد"، والعودة إلى النظام القديم من خلال مستندات التحصيل، بعد شكاوى من التجار والمستوردين والمصنعين، "وهو ما قد يكون قد تسبب في وجود قوائم انتظار في الجمارك، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على الدولار في الفترة الأخيرة"، بحسب نافع.
ويرى نافع أن هذا القرار كان يهدف إلى إحلال محلي بدلا من الواردات، "لكن كان يجب دراسة فجوة الطلب في السوق وكيف سيتم التعامل مع هذه الفجوة، لأنه ليس كل ما نستورده نستطيع أن نستغني عنه، هذا عودة للمدرسة القديمة التي ظلت تعمل بها مصر حتى الثمانينيات من القرن الماضي حيث كانت هناك الكثير من السلع الممنوع استيرادها من الخارج".
وأضاف: "يجب السؤال أولا، قبل وضع قيود على استيراد سلعة معينة، حول ما إذا كنا سنستطيع أن نوفر هذه السلعة بنفس الجودة وبنفس السعر أم لا"، مشيرا إلى أن وقف استيراد سلعة معينة يأتي على حساب المستهلك، الذي لا يكون أمامه أي خيار إلا دفع أي ثمن للحصول على هذه السلعة.
وفي مطلع الشهر، أعلنت مصلحة الجمارك المصرية زيادة سعر الدولار الجمركي إلى 18.64 في يونيو، بدلا من 17 جنيها في مايو.
ووافق مجلس النواب، الثلاثاء، على تعديل التعريفة الجمركية، وخفض فئة "ضريبة الوارد" على أكثر من 150 صنفًا من مستلزمات ومدخلات الإنتاج، "بما يساعد في تحقيق التوازن المطلوب بين الضريبة المفروضة على السلع تامة الصنع، والسلع الوسيطة والمواد الخام الأولية التي تدخل جزئيًا أو كليًا في إنتاجها"، بحسب ما صرح به وزير المالية المصري، محمد معيط، الأربعاء.
كيف يمكن وقف انخفاض قيمة الجنيه؟
ويرى نافع أن "هناك خطوات قصيرة الأجل للتعامل مع الأزمة، مثل رفع الفائدة في البنوك، فتسحب السيولة من السوق لتقليل التضخم"، مشيرا إلى أن هذا ما فعله البنك المركزي حتى الآن بشكل كبير.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بنحو 3 في المئة خلال اجتماعين للجنة السياسة النقدية، لكبح جماح التضخم الذي وصل إلى 14.9 في المئة خلال شهر أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2018، بفعل ارتفاع أسعار كل السلع، على رأسها السلع الغذائية.
ومن الناحية الأخرى، أعلنت وزارة المالية عن خطة تقشفية، وتعويض الإنفاق للطبقات المهمشة لرقم يصل إلى حوالي 130 مليار جنيه كخطة إنقاذ عاجلة للأسر الفقيرة التي يمكن أن تتضرر من التضخم.
وقال نافع: "كل هذه خطوات لمحاولة إنقاذ الموقف، لكن كان يجب الاستفادة من تعويم الجنيه في 2016".
ويرى نافع أن أكبر نقطة ضعف أخطأت بها مصر كان في البورصة، "حيث عجزت عن اجتذاب أموال أكثر استقرارا من الأموال الساخنة التي دخلت وخرجت، وهذا بسبب منظومة سوق المال والعيوب التي تكتنفها".
وقال إن "إدارة سوق المال منذ 2010 وحتى اليوم فيها عامل مشترك وهي أن سندات معينة انتقلت من البورصة لم تحقق المرجو منها ونتج عن ذلك إلغاء عمليات التداخل في آليات السوق ونفور وهروب المستثمر الأجنبي".
وأضاف أن التعويم الذي حدث كان من المفترض أن يتم استخدامه لإنعاش التجارة والصناعة، "وهذا لم يحدث"، مشيرا إلى أنه "يجب أن يكون مناخ الاستثمار سواء المباشر أو في البورصة مؤهلا حتى تستقر المعاملات لفترة طويلة".
وأكد أنه يجب أن يتم التحرك سريعا نحو اقتصاد حقيقي وإنتاج السلع والخدمات، وتحسينها سواء من حيث الكمية والجودة، و"هذا يحتاج إلى استقرار وزيادة الاستثمار المحلي".
ومن جانب آخر يؤكد نافع على ضرورة إصلاح منظومة سوق المال، "ويجب أن يحدث ذلك سريعا حتى تكون مؤهلة لطرح شركات تابعة للقطاع العام والقوات المسلحة أو جزءا منها للاكتتاب العام، وتخارج الدولة منها".
وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الشهر الماضي، أنه سيتم طرح حصص في شركتين مملوكتين للجيش و10 شركات حكومية أخرى في البورصة بحلول نهاية العام.
ووفقا لما نقلت عنه وكالة "بلومبيرغ" أن المسؤولين المصريين يجرون مناقشات مع دول الخليج من أجل تحويل جزء من ودائعهم إلى استثمارات، "وهو أمر جيد، وكثيرا ما دعونا إليه كخبراء اقتصاديين واتبعتها مع أحد البنوك أثناء رئاستي للشركة القابضة للصناعات المعدنية، لأنه يحول المستثمر إلى شريك"، بحسب نافع.
ووفقا لما نقلت صحيفة "المال" عن تقرير للبنك المركزي الشهر الماضي، فقد سجل حجم الودائع الخليجية بالبنك المركزي 15 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2021.