جفرا نيوز -
جفرا نيوز - قبل وقت غير طويل بدا وكأن فترات الركود قد تضرب الولايات المتحدة، مرة على الأقل في العقد الواحد. لكن بعد عامين فقط من انتهاء فترات الإغلاق التي فرضت بسبب الحظر الصحي للحد من تفشي كوفيد-19، تدور عجلات الاقتصاد "بنحو مثير للغثيان"، فيما يبدو أن البلاد بصدد المرور بفترة صعبة قريبا، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "ذا إيكونوميست".
وأشار التقرير إلى أن استذكار ما مر على الاقتصاد العالمي خلال العقدين الماضيين يطغى عليه اتجاهان انحداريان، الأول "النوبة القلبية" بين عامي 2007 و2009 والانهيار الذي سببته الجائحة في عام 2020.
لكن، ولدى القياس بالوضع في هاتين الحالتين، يبدو أن فترة الكساد الأميركية القادمة قد تكون "خفيفة" و"طفيفة"، لكن "ذا إيكونوميست" ترجح أن "الهشاشة" التي يعيشها الاقتصاد العالمي وأسواق الأصول والسياسة الأميركية قد يترتب عليها "عواقب بغيضة وغير متوقعة".
وأكدت الصحيفة أنه "لن يكون هناك مفر" للاقتصاد الأميركي مما هو قادم، في ضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، ففي أبريل الماضي زادت أسعار المنتجات الاستهلاكية بحوالي 8.3 في المئة مقارنة بالعام السابق، بينما قفز التضخم السنوي إلى 6.2 في المئة.
وفي نفس الوقت تتوفر فرص عمل بمعدل وظيفتين لكل شخص عاطل عن العمل، وهو أعلى مستوى منذ الخمسينيات، وفقا لبيانات شهر مارس الماضي، كما وصلت الزيادة في الرواتب حوالي 5.5 في المئة، وهي أعلى نسبة على الإطلاق، وفقا لإحصائيات بنك "غولدمان ساكس"، وهو ارتفاع لن تتمكن الشركات من مواكبته، إلا إن رفعت أسعارها.
ويأمل الاحتياطي الفيدرالي، أو البنك المركزي الأميركي، من تخفيف الوضع بعدما يرفع معدلات الفائدة بـ 2.5 في المئة بنهاية عام 2022، في خطوة يرجى منها الوصول إلى نسبة تضخم 2 في المئة، دون التسبب بانهيار حاد في الاقتصاد.
لكن الأدلة التاريخية تشير إلى أن إحداث تغييرات من أجل خفض التضخم، يؤدي إلى "تقلّص" الاقتصاد، وفقا للتقرير الذي أكد أنه منذ عام 1955، ارتفعت أسعار الفائدة بنفس الشكل الذي شهده هذا العام، أي خلال سبع دورات اقتصادية، وفي ست منها أتى الكساد الاقتصادي بعد حوالي عام ونصف من رفعها، ونوهت إلى أن الاستثناء الوحيد من الأمثلة السابقة كان في أواسط التسعينيات، عندما كان معدل التضخم مرتفعا وسوق العمل متزنا.
لماذا قد يكون الكساد المقبل "ضحلا"؟
يشير التقرير إلى أنه مع اقتراب قدوم الكساد المقبل إلا أنه قد يكون "ضحلا نسبيا"، وأوضح أن أزمة عامي 2007 و2009، جمّدت النظام المالي وفي عام 2020، توقفت نشاطات القطاع المالي كليا، وفي كلتا الحالتين شهد الناتج المحلي الإجمالي أكبر انخفاض منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن هذه المرة قد تكون مختلفة، على حد تعبير التقرير، ففي بعض النواحي تبدو أميركا "صامدة"، إذ يضخ المستهلكون أموالهم التي أتوا بها من الحزم الاقتصادية خلال فترة الجائحة، كما تمتعت الشركات بعوائد أرباح بارزة، ورغم أن أسعار العقارات تشهد ارتفاعا إلا أنها لا تهدد بسقوط بنوك البلاد، كما حدث في أوائل الألفية.
كما أن الاحتياطي الفيدرالي لا يواجه معضلة الثمانينيات، التي واصل فيها التضخم الثبات على نسبة 5 في المئة لحوالي ست سنوات ونصف، واضطر إلى رفع معدلات الفائدة بقرابة 20 في المئة، مما تسبب ببلوغ البطالة 11 في المئة، أما التضخم اليوم فقد ارتفع بنسبة ضئيلة فوق الهدف المحدد له لهذا العام، وبالتالي سيسهل "تطهيره"، وفقا للصحيفة.
التحديات المقبلة
وترى الصحيفة أن المشكلة تكمن في أن الكساد، حتى لو كان معتدلا، سيكشف نقاط ضعف كبيرة، من أبرزها أسعار السلع في معظم أجزاء العالم، وكنتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا، تواجه دول الشرق الأوسط وآسيا نقصا حادا في الغذاء وارتفاعا في فواتير الطاقة، حيث يواجه الاتحاد الأوروبي ضربة قوية في قطاع الطاقة مع تقليل اعتماده على النفط الروسي، كما تنهار دخول الأفراد حول العالم.
وبالتالي فإن أي كساد أميركي سيصعق الأجزاء الهشة من الاقتصاد العالمي من خلال تقليل الطلب على الصادرات، كما أن تضييق الاحتياطي الفيدرالي لسياساته وما سيصاحبه من تقوية للدولار الأميركي سيزيد مما أصبح أصلا أعلى بيع للقيود في الأسواق الناشئة منذ عام 1994، في حين يشير صندوق النقد الدولي إلى أن حوالي 60 في المئة من الدول الفقيرة تعاني من ضيق المديونية، أو أنها باتت على شفا حفرته.
وهناك نقطة ضعف أخرى تتمثل بالأسواق الأميركية، حيث سجلت "وول ستريت" انخفاضا بنسبة 15 في المئة منذ بداية عام 2022 إلى الآن، وبشكل يمكن مقارنته بانخفاض عام 1991 وسط الكساد الطفيف في ذلك العام.
والنظام المالي المعتمد على الاقتراض، الذي زاد تأثيره منذ أزمة عامي 2007 و2009، لم يخضع لتجربة مدققة، وفقا للتقرير، إذ يتضمن صناديق تمويلية تعمل بمثابة بنوك، ووفقا لـ "ذا إيكونوميست" إن طرأ خطب ما فإنه سيكون من الصعب على الاحتياطي الفيدرالي إخراج "وول ستريت" من أزمتها مجددا، لأنه وفي الوقت ذاته سيطلب من الجميع التقيد بأسعار الفائدة المرتفعة وخسارة الوظائف.
كما أن التوتر الحزبي الذي يسود السياسة الأميركية، يعد نقطة "هشة" أخرى، إذ رجحت الصحيفة أن يضرب الكساد في نهاية عام 2024، تزامنا مع الانتخابات الرئاسية، وإن واصل الاقتصاد تقلّصه "فإن السباق إلى البيت الأبيض في عام 2024 سيكون أكثر شراسة مما كان متوقعا.
ويرى التقرير أن السياسة قد تغير من استجابة الإدارة للكساد، وممن الممكن أن يتم اقتياد الاحتياطي الفيدرالي إلى "المعركة السياسية"، وقد يتوقع المصوتون أن تدعم الولايات اقتصاديا، لكن الجمهوريين، الذين رجحت الصحيفة فوزهم في الانتخابات النصفية بشهر نوفمبر، لن يبادروا على الأغلب، في دفع الأموال لإنقاذ الرئيس الديمقراطي، جو بايدن.
وذكر التقرير أنه إذا انكمش الاقتصاد الأميركي في العام أو العامين المقبلين، فيمكنه حتى تغيير اتجاه البلاد على المدى الطويل، مشيرا إلى أن أفضل استجابة للانكماش الاقتصادي الذي ظل فيه التضخم مرتفعا هي الإصلاحات الداعمة للنمو، مثل خفض التعريفات وزيادة المنافسة.
ويضيف: "بدلاً من ذلك، قد يؤدي الركود إلى تغذية الشعبوية والحمائية وحتى إعادة دونالد ترامب إلى الرئاسة. تزامنت ثلاث من فترات الركود الأربع الماضية مع انتخابات رئاسية أو سبقتها بوقت قصير. وفي كل مرة يفقد الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض، السلطة".