جفرا نيوز -
جفرا نيوز - في عام 2020، صدمت شركة "بريتيش بتروليوم" (British Petroleum) البريطانية أسواق الطاقة، حين أعلنت أن العالم قد تجاوز بالفعل ذروة الطلب على النفط.
واليوم، باتت تلك النقطة الزمنية مرجعا يشير إليه المحللون الاقتصاديون عند حديثهم عن ذروة الطلب على النفط في العالم، التي ستعيد بلا شك رسم الخرائط الجيوسياسية، وحينها حتى "أوبك" قد لا تكون قادرة على فعل أي شيء حيال ذلك.
وذكر موقع "أويل برايس" (oilprice) البريطاني في تقرير له، أنه في أعقاب إعلان "بريتيش بتروليوم"، وبالنظر لتوقعات الطاقة لعام 2020 الخاصة بالشركة، تعهد رئيسها التنفيذي برنارد لوني بزيادة الإنفاق على الطاقات المتجددة 20 ضعفا، لتبلغ 5 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2030، مع عدم التنقيب على النفط في دول جديدة، وكان هذا الإعلان مفاجئا إلى حد ما، نظرا لتميز "بريتيش بتروليوم" في السعي لاكتشاف مواقع نفطية جديدة بلا هوادة.
وبحسب الموقع، فاليوم وعندما يتحدث العديد من المحللين عن ذروة النفط، وكلما دخل الطلب العالمي مرحلة من التراجع، فإنهم يشيرون دائما إلى تلك النقطة الزمنية، التي بحسب شركة بريتيش بتروليوم، هي نقطة قد حدثت بالفعل وانتهى الأمر، حيث من المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط بنسبة 10% على الأقل في العقد الحالي، وبنسبة تصل إلى 50% خلال العقدين المقبلين.
ومما لاحظته بريتيش بتروليوم، أنه تاريخيا، لطالما ارتفع الطلب على الطاقة بشكل طردي مع النمو الاقتصادي العالمي، ومع ذلك، قد يكون لأزمة كوفيد-19 وتغيرات المناخ، دور في اختلال هذه القاعدة، مما جعل الشركة تخطئ في تقديراتها، إذ إنه أصبح واضحا أن الوباء الذي بدأ منذ أكثر من عامين لم يُؤدِ إلى انخفاض كبير في الطلب.
وأوضح الموقع أن بريتيش بتروليوم قامت لاحقا بتعديل توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي، في إصدارها الخاص بتوقعات الطاقة لعام 2022، وقالت إن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سينكمش بنسبة 1.5% فقط بحلول عام 2025 عن مستويات عام 2019، مقارنة بتقديراتها السابقة التي كانت بنسبة 2.5%، كما أنها بررت نظرتها القاتمة السابقة بأنها قد تم إعدادها قبل الحرب الروسية على أوكرانيا التي دفعت بأسعار الطاقة للأعلى وألقت بظلال عدم اليقين على قطاع النفط والغاز الروسي في الأشهر الأخيرة.
السيناريوهات المحتملة
وفي تقريرها الأخير، قدمت بريتيش بتروليوم 3 سيناريوهات، جميعها تتوقع تجاوز الطلب على النفط مستويات ما قبل الوباء، وذلك بحلول منتصف هذا العقد، قبل أن تبدأ في الانحدار بدرجات متفاوتة، حيث جاءت السيناريوهات كالتالي:
السيناريو الأول: في أكثر الأحوال تفاؤلا، تتوقع الشركة أن الطلب العالمي على الخام سيرتفع إلى 101 مليون برميل في اليوم في عام 2025 ويبقى ثابتا حتى عام 2030، ليبدأ بعدها في التراجع ليصل إلى 98 مليون برميل يوميا في 2035 ثم 92 مليون برميل بحلول 2040.
السيناريو الثانِي: أطلقت عليه الشركة اسم "نات زيرو" (صفر كربون، مصطلح يستخدم في مكافحة تغيرات المناخ يعبر عن موازنة انبعاثات الكربون)، وهو الأكثر تشاؤما بسبب الطموحات العالمية في مكافحة تغير المناخ، حيث تتوقع أن يكون الطلب في عام 2025 عند 98 مليون برميل في اليوم و75 مليون برميل بحلول عام 2035، إذ يفترض أنه يجب تحقيق خفض بنسبة 95% في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
أما السيناريو الثالث: وأطلق عليه "منتصف الطريق"، تفترض بريتيش بتروليوم أن العالم سيظل متوافقا إلى حد كبير مع الأهداف المناخية بخفض انبعاثات الغازات الساخنة بنسبة 75% بحلول عام 2025، مما يجعل الطلب على النفط حسب هذا التصور المستقبلي يراوح 96 مليون برميل يوميا في عام 2025، و85 مليونا في عام 2035.
ورغم ذلك، فإن الأحداث الأخيرة في قطاع الطاقة تشير إلى أن شركات النفط قد تحصل على مهلة لزيادة الإنتاج وحتى تخفيف الأهداف المناخية طالما ظلت أسعار النفط والغاز مرتفعة، ففي العام الماضي، وجدت شركة الطاقة "إكسون موبيل" الأميركية نفسها في مأزق بعد أن شن صندوق تحوط صغير معركة في مجلس إدارتها بهدف دفعها لتقليص حجم انبعاثاتها من الكربون، ونجح في معركته، غير أن إكسون تمكنت من قلب الطاولة والحصول على مساهمين إلى جانبها.
وفي هذا السياق، قدمت مجموعة يطلق عليها اسم "اتبع هؤلاء النشطاء"، تناضل من أجل تخفيض انبعاثات الكربون، قرارا يحث على اتخاذ إجراءات أسرع لمكافحة تغير المناخ، تم تأييده من قبل 28% فقط من المشاركين. وحصل اقتراح آخر يدعو إلى تقرير عن تخطيط الأعمال منخفضة الكربون على دعم 10.5% فقط، وهو ما يوحي بأن أعمال الوقود الأحفوري لشركة إكسون لا تزال آمنة، على الأقل في الوقت الحالي، طالما استمرت في توزيع الأرباح والمكافآت على المساهمين.
وعلى نهجها سارت شركة "شيفرون" الأميركية، حيث صوّت المساهمون ضد قرار يطالب الشركة بتبني أهداف لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ لم يصوّت لصالح القرار سوى 31% منهم، مقابل 61% لقرار مماثل العام الماضي.
تغيير الخريطة
ويتابع الموقع مبينا أنه في تقرير نُشر في مدونة "خدمات الاستعلامات الجيوسياسية"، تقول كارول نخلة الرئيسة التنفيذية لشركة "كريستول إينرجي"، إن استهلاك النفط العالمي سيبلغ ذروته في غضون العقدين القادمين، ولكن ليس بالضرورة أن ينخفض الطلب بعد ذلك إلى أدنى المستويات.
وأشارت نخلة -بحسب الموقع- إلى أن الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد بلغ ذروته في عام 2005 عند حوالي 50 مليون برميل يوميا، مدفوعًا في ذلك الوقت من العالم النامي وخاصة آسيا، الصين والهند بشكل رئيسي، حيث تعتبران على التوالي ثاني وثالث أكبر مستهلكين للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وكذلك من الشرق الأوسط، وفي المقام الأول المملكة العربية السعودية، التي هي الأخرى سادس أكبر مستهلك في العالم، بينما يمثل استهلاك البلدان خارج هذه المنظمة 54%.
وأوضحت نخلة أنه "بعد الوصول إلى ذروة الطلب على النفط، سوف يستقر عند نقطة ما ثم يبدأ في التراجع، هذا متعارف عليه في سوق متنامية، أما في سوق متناقصة، زيادة بلد للإنتاج يقابله تقليص عرض من بلد آخر، وعادة يخضع هذا الأمر لمنافسة الأسعار".
وأضافت أنه بمجرد أن يبلغ الطلب العالمي على النفط ذروته ويبدأ في الانخفاض، ستشتد المنافسة بين المنتجين لبيع المزيد من النفط وحماية حصصهم في السوق، وفي سوق راكدة أو متقلصة، سيواجه منتجو النفط والغاز قواعد جديدة تختلف عن الأحكام المعتادة.
فعلى سبيل المثال، إستراتيجية أوبك بقطع الإمدادات لرفع الأسعار، أو تهديد روسيا بقطع إمداداتها للضغط من أجل رفع العقوبات على صادراتها النفطية، لن تكون فعالة، ولكي نكون واضحين، فإن الأسعار المرتفعة ستجذب إنتاجا إضافيا كما هو الحال دائما، ولكن في سوق منكمشة أو متناقصة، سيؤدي ذلك إلى انخفاض الأسعار، وأي محاولات لخفض الإنتاج لموازنة الأسعار ستؤدي إلى نتائج عكسية.
وكالات