جفرا نيوز -
جفرا نيوز - يملك العراق أكثر من 70 مصرفاً، وما زالت نسبة الشمول المالي متدنية بسبب ضعف الثقة بين القطاع المصرفي والمواطنين نتيجة إفلاس بعض البنوك قبل 2014، وعدم معالجة الأزمة من قبل الجهات المختصة، ما جعل الناس تفضل اكتناز الأموال في المنازل، الأمر الذي أثر في عدم قدرة المصارف على تمويل المشاريع الاستراتيجية التي يحتاج إليها البلد.
أموال البيوت
البنك المركزي العراقي كشف عن حجم الأموال المتداولة، مؤكداً أن نسبة 80 في المئة منها مكتنزة في المنازل بسبب عدم وجود ثقة لدى المواطن إزاء المصارف. وقال إحسان الياسري، نائب محافظ البنك، في تصريح صحافي، "لدينا 76 تريليون دينار كمصدر للتداول، 20 في المئة منها مودعة في المصارف، و80 في المئة مكتنزة في المنازل، وهذا حرمان للمجتمع". وأضاف أن "اكتناز الأموال في المنازل يتضمن خطورة عالية، فقد تتعرض تلك الأموال للتلف أو الاحتراق أو السرقة".
وأكد أن "البنك المركزي وضع معايير مشددة لضبط سلوك المصارف، ونشهد تطوراً في الأداء، علماً أن ضبط المصارف يجري عبر 3 مسارات: تحسين الأداء، أو دمج المصرف، أو سحب إجازة المصرف إذا استمر التلكؤ". وتابع أن "النظام الحكومي يستحوذ على 85 من الودائع"، مشيراً إلى أنه "بعد عام 2003، أصبح لدينا عدد كبير من المصارف، بعضها أهلي، وقد وصل إلى مراحل ممتازة في الاقتصاد الرقمي".
وأضاف، "نحاول دفع بعض المصارف إلى أن تكون جيدة لترتقي إلى المستوى المطلوب". وأوضح أن لديهم 70 مصرفاً أهلياً أكثر من نصفهم ممتاز، فيما تملك الحكومة سبعة مصارف هي "الرشيد" و"العراقي للتجارة" و"الرافدين" و"النهرين" وهو نموذج للصيرفة الإسلامية، و"صندوق الإسكان"، في حين يبلي "المصرف الصناعي" بلاءً حسناً، على حد قوله.
الطبيعة الريعية
يرى مستشار رئيس الوزراء العراقي المالي مظهر محمد صالح أن "الطبيعة الريعية في عمل الجهاز المصرفي الحكومي والأهلي أحد أكبر القيود على تنمية الثقافة المصرفية والدفع صوب توسيع فرص العمل المصرفي، لا سيما مع وجود مادة قانونية في قانون المصارف رقم 94 لسنة 2004 عنوانها ’الأنشطة المحظورة‘، وتحظّر المادة على المصرف الاستثمار الحقيقي خوفاً على السيولة، في ما عدا الاستثمارات المالية قصيرة الأجل، ما شجع اللجوء إلى الصيرفة الإسلامية للتخلص من هذه المادة نسبياً".
ويضيف صالح، "على الرغم من ذلك، اقتصر العمل المصرفي على بضع أدوات لا تتعدى الثماني في الأحوال كافة إزاء عشرات الأدوات المصرفية التي تقدمها المصارف العالمية لجذب وتوظيف الأموال المتداولة"، مشيراً إلى أن الارتكاز على تلك الأدوات المصرفية المحدودة جنّب المصارف عنصر المخاطرة، فباتت كفيلة بتحقيق أرباحها من أعمال مصرفية آمنة تسجل من خارج الموازنة العمومية للمصرف، والتي يغلب عليها طابع التربح المضمون، سواء من نافذة البنك المركزي، أو إصدار خطابات الضمان، أو توطين الرواتب، وغالبية تلك الأدوات مرتبطة بنشاط الدولة الريعية ونفقاتها وآثارها المباشرة وغير المباشرة.
وتابع، "ظلت ثقافة الائتمان المصرفي للقطاعين الأهلي والحكومي ضعيفة جداً، كونها تتطلب عنصر المخاطرة، لذا فإن الائتمان النقدي في بلادنا للأسف هو النسبة الأقل عالمياً إلى الناتج المحلي الإجمالي، وقد لا يزيد على 5 في المئة من ذلك الناتج، وربما شهد الائتمان النقدي بعض التحسن أخيراً بسبب مبادرات البنك المركزي بخصوص عمليات التيسير الائتماني في دعم سيولة القطاع المصرفي وتشجيع الائتمان المذكور".
أما المصارف الحكومية الخالية من رصانة رأس المال، فأشار صالح إلى أنها "تعتاش وتتنعم بالسيولة الحكومية، كونها وكيلاً مالياً للخزانة العامة، وتتربح من ركود تلك السيولة وتوظيفاتها السريعة هنا وهناك، ففي ظل سوق مصرفية هجينة التركيب، من العسير تنامي ثقافة مصرفية قادرة على امتصاص 80 في المئة من الإصدار النقدي، وهو بصورة عملة متداولة لدى الجمهور، ومتسربة خارج النشاط المصرفي، ما يمثل اكتنازات خاملة في الغالب ومضرة بدورة الدخل، وربما تزيد على 50 تريليون دينار".
الثقافة المصرفية تطورت
بدوره، يشير الرئيس التنفيذي لرابطة "المصارف الأهلية" في العراق علي طارق إلى أن "الأعوام الأخيرة شهدت تطوراً كبيراً في الثقافة المصرفية، الأمر الذي يعود إلى الثقة بين المصارف والمواطنين، وعمل البنك المركزي على تعزيزها من خلال البرامج التي أطلقها، ومنها توطين رواتب الموظفين".
واعتبر الباحث الاقتصادي بسام رعد أن العنصر البشري الثروة الحقيقية لأي شعب، وأساس البناء الحضاري وتحقيق النهوض الاقتصادي، موضحاً، "في خضم الحياة المعاصرة وأزماتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يجب الاهتمام بنشر الثقافة المالية والمصرفية في المجتمع العراقي، فغيابها يُعدّ من الأمور المعيبة في عصر تتوجه الدول نحو الاقتصاد الرقمي. المعرفة وقاية للسلوك الاستهلاكي ولكثير من الظواهر السلبية التي باتت تستشري في الشارع، نظراً إلى غياب هذه الثقافة كالديون وفشل التخطيط المالي على الصعيد الفردي".
ورأى أن "الفرد بحاجة إلى تنمية ثقافته المالية من أجل اتخاذ القرارات الصحيحة حفاظاً على مدخراته، وأيضاً للعمل على تنمية استثماراته وتنويعها وعدم الاعتماد على مصادر أحادية للدخل"، مبيّناً أن "نشر الثقافة المالية والمصرفية يجب أن يكون من خلال برامج متخصصة تستهدف قطاعات رئيسة في المجتمع، هي التعليم المالي في المدارس الابتدائية والثانوية والجامعات ومؤسسات التعليم العالي، ومن خلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت والتعليم المالي للمرأة". ويعتقد رعد أن "تحقيق هذه البرامج أهدافها سيؤدي إلى رفع مستوى إدارة الثروة المالية للبلاد من أجل حمايتها وزيادة نموها والعمل على تحقيق نهضة الاقتصاد العراقي بشكل عام".
إندبندت عربية