جفرا نيوز -
بِمَاذَا أرثيك يا نبيل .. أبدمع تحجّر فِي الْمَحَاجِر .. أَم بآهات ٍ تِين فِي الْحَنَاجِر .. أَم يَا تُرَى أُأرثيك بِتُرَاب مَا زَالَ جاثماً عَلَى قَبْرَك الطَّاهِر ، فَمُذ تواريت عَنِ الوَرَى تَحْتَ الثَّرَى وَالزَّوَايَا تناديك وَالْأَمَاكِن ، تناديك السَّلِط وَعَمَّان وَكُلّ الْمَنَاظِر ، اعْلَمْ أَنَّك لَمْ تَعُدْ تَسْتَطِيع سَمَاعِنَا ؛ وَلَكِنَّه صَدَى بَوْحٌ ٍ فِي الْحَنَاجِر يَتَرَدَّد صَبَاحَ مَسَاءَ فِي كُلِّ خَاطِرٍ .
مَا زَالَتْ ذِكْرَى الصَّدْمَة تمزّق جُدْرَان صَمْتِيّ .. ! ! تَحَرَّق أحرفي وَتَبْكِي صَمْتِيّ وتعلن أَنَّ الدُّنْيَا بَعْدَك صُمْت وَأحْزَانٌ وظلام سَرْمَدِي .
يَا نَبِيلُ لَيْس هُناك أَشَدّ قسوةً وألماً عَلَى فِرَاقَك .. فَقَدْ كُنْتُ الصِّدِّيق الصَّدُوق وَالْأَقْرَب لروحي وَقَلْبِي .. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْتَ حقٌ عَلَى كُلِ إنْسَانٌ ، إلَّا أنّهُ الأَقسَى والأصعب والأفجَع عَلَى النفسِ ، وَلَا يَبْقَى لَنَا سِوَى تِلْك الذِّكْرَيَات الَّتِي كَانَتْ تَجْمَعُنَا بِك .
ولتعرف يَا أَخِي وَصَدِيقِي وَإِن اناجيك أَن نِهَايَةٌ الْعَالِمِ أَنْ يموتَ كُل جَمِيل ، وَإِن نصحوَ ذاتَ صباحٍ وَلَا نَجِد ذَلِك الْأَخ وَالصَّدِيق الَّذِي كَانَ أقرَب النَّاس إليّ .
يإإلهي كَم اشعرني فِرَاقَك بِالْأَلَم وَالْحُزْن وبنهاية الْعَالِمُ حِينَ فارقتني رُوحَك الْعَزِيزَة ، لِمَاذَا يَا صَدِيقِي ذَهَبَت بهذهِ السُرعة ، لحظاتٌ وَكَأَنَّك لَم تكُن هُنا ، كَأَنّك لَمْ تأتِ وَلَم أَعْرِفُك ، وَكَأَنَّك لَمْ تَدْخُلْ إلَى هذهِ الدُنيا .
الْمَنِيّ فُراقَك يَا نَبِيلُ ، كُلَّ لَيْلَةٍ تَأْتِيَنِي ذِكراك ، فِي لمحِ الْبَصَر تَمُرُ كُل الْمُشَاهَد دَفعةً وَاحِدَة ، وَلَا أَدْرِي هَلْ تتسابق لتواسيني ، أَم أَنَّهَا تَخْشَى مِنْ أَنَّ تطولَ لحظاتِ الْأَلَم فتقتلني .
لَا أَدْرِي هَلْ رَمَانِي الْقَدْرِ فِي طريقِك لأتعرف عَلَيْك وابكيك كُلّ هَذِي السِّنِين ، أَم أَنَّه رَماك فِي طَرِيقِي لِتَزِيد مِن عَذَابِي وَالْأُمِّيّ .
لَا أَدْرِي بِمَا أعزي بهِ نَفْسِي . . سَنَوَات مَضَت ، سَنَوَات رهيبةٌ مَرَت عَلِيّ كَأَنَّهَا جبالاً تَجْثُم عَلَى صَدْرِي .
يَا نَبِيلُ وَهَا أَنْتَ فِي الْعَالَمِ الْآخَرِ مِنْ هَذَا الْعَالِمُ هَل سألتقي بِك ؟ يَا لِهذا الْعَالِم ، وَيَا لِهذهِ الدُّنْيَا ، انْقَطَعَتْ عَنْهَا وتقطعنا عَنْك ، أدعوَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ مِن أهلِ الْجَنَّة .
أفتَقِدُكَ كثيراً يَا نَبِيلُ ، يَا أَرقُ وأَنقى قَلْب عرفتُه ، أَنَا أَتَأَلَّم كُلَّمَا اتذكرك ، وَابْكِي بِلَا صَوْتٍ ، نارٌ فِي صَدْرِي بِلَا لَهب وَقُودُهَا ذِكراك .
وَهَا هِيَ سُنَّةٌ تِلْو أُخْرَى يَطْوِي الزَّمَن حِقْبَةٌ مِنَ الْعُمْرِ كُنْت فِيهَا مِنْ أَنْبَلُ الْبَشَر وَالْيَوْم وَأَنَا أتذكرك فِي هَذَا الصَّبَّاح اتذكرها الوَاحِدَةُ تِلْوَ الأُخْرَى فِيهَا مِنْ الْخَوَاطِر وَالْحَبّ وَالْوَجَع مَا تَجْلِب الحُزْنَ والأَلَمَ وَطُول الرَّحِيل ، وَهَا هِي الذِّكْرَى تَلُوح مِنْ بَعِيدٍ لِتَقُول مَا أَقْسَى الْفَقْد وَالرَّحِيل وكأننا فِي قِطَارٍ الْعُمْر نَمْضِي الْوَاحِدُ مِنَّا يُودِع الْآخَر يَنْزِل نَبِيل فِي محطته الْأَخِيرَة وَنَحْنُ مَا زِلْنَا نهرب فِي الْمَحَطَّاتِ ؛ لكِنَّنَا لَا ننساه وَلَا نهرب مِنْ تِلْكَ اللَّحْظَةَ لِأَنَّ لِلْمَوْتِ رَهْبَة وَالَم وَشُعُور حَزِينٌ بِالْفَقْد .
ذَهَبَت وَتَرَكْتَنَا وَحْدَنَا لِكَي نبكيك مَدَى الدَّهْرِ ونذرف الدَّمْعِ فِي ذِكْرَى الْوَدَاع ، لَقَد رَحَل الصِّدِّيق الصَّدُوق وَرَحَل مَعَه الْإِخْلَاص وَالْوَفَاء ، وعزاؤنا أَنَّهُ تَرَكَ لَنَا إرثًا لَا ننساه فِي أَهْلِهِ وَأَحْبَابِه ونهجا فِي الْعَمَلِ وَالْإِخْلَاصِ نَسِير عَلَيْه .
رَحَلْت يَا نَبِيلُ وَتَرَكْتَنَا نُصارِع أَمْواج أَلْماسِي وذكريات الأَحْزَان ، وستبقى يَا نَبِيلُ نَبَع حبًا نرتشفه كُلَّمَا حَانَت ذَكَرَاه وَكُلَّمَا لَمَع فِي لِقَلْب اسْمُه ، رَحِمَك اللَّهُ يَا نَبِيلُ رَحْمَةً وَاسِعَةً ، وَنَم قَرِيرَ الْعَيْنِ فَمَا زِلْنَا نَعيش عَلَى ذكرياتك لَا ننساك ، وستظل ذكراك مَحْفُورَة فِي الْقُلُوبِ وَالْوِجْدَان .
وَلَا نُمْلَك إلَّا الدُّعَاءُ إلَى اللَّهِ أَنْ يلهمنا وَيُلْهَم أَهْلِك وذويك وَكُلّ محبيك الصَّبْرَ والسُّلْوانَ وَحُسْن الْخِتَام .
أَخُوك الْمُحِبّ
هَيْثَم الْقُضَاة
٢٠٢٢/٥/١١