النسخة الكاملة

ما الخوارزميات التي تقف وراء ارتفاع أسعار النفط؟

الخميس-2022-02-14 09:20 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ركزت النقاشات الدبلوماسية للبيت الأبيض خلال هذا الأسبوع على أوكرانيا وخطر اندلاع الحرب، وفي خضم ذلك، وجد الرئيس الأميركي جو بايدن الوقت لإجراء مكالمة مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لتأكيد التزامهم المشترك بضمان استقرار إمدادات الطاقة.
وفي تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times) البريطانية، قالت الكاتبة جيليان تيت إن أسعار النفط قفزت مؤخرا إلى أكثر من 90 دولارا للبرميل، وذلك بالنسبة لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط، مسجلة أعلى مستوى لها منذ 7 أعوام.

لكن هذه المؤشرات تزيد من تفاقم مخاطر التضخم الذي يعد مرتفعا بالفعل، وفي ظل وصول أسعار البنزين إلى 3.47 دولارات للغالون -وهي الأعلى منذ 2014- فإن ذلك يشكل خطرا سياسيا متزايدا بالنسبة لبايدن، وهذا هو السبب وراء الاتصال الذي أجراه مع الملك سلمان.

ووسط هذا التركيز على أسعار النفط الفورية، يجب على السياسيين والمستثمرين مراقبة ما يفعله المتداولون الآن بالعقود الاشتقاقية، ولا تحظى هذه المسألة عادة بالكثير من الاهتمام لأن تداول المشتقات المالية عملية غامضة للغاية، إلا أن هذا المجال من المعاملات المالية ينتج حاليا أرقاما مذهلة تتجاوز 90 دولارا للبرميل، مع إمكانية دفع الأسعار الفورية إلى أكثر من 100 دولار خلال الأشهر المقبلة، والتسبب في انهيار دراماتيكي في المستقبل.

ونبهت الكاتبة إلى أن أسعار العقود الآجلة تواجه حاليا ما يسميه المحللون "التأخير الفائق"، أي أن هناك فجوة عالية المستوى قريبة من المستوى القياسي بين عقود النفط الآجلة (المرتفعة) قصيرة الأجل والعقود طويلة الأجل (الأقل)، ومع ذلك، هناك مؤشر آخر على وجود خلل وهو حجم الرهانات على أسعار العقود الآجلة للنفط عبر سوق عقود الخيارات.

ووفق ما أشار إليه محلل النفط فيليب فيرليجر في تقرير حديث، ارتفع مؤخرا عدد عقود خيارات الشراء مع أسعار تنفيذ تزيد عن 100 دولار للبرميل، وقد احتسب فيرليجر حجم هذه العقود ليونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2022، الذي يعادل حاليا 714 ألفا وفق بيانات لجنة تداول السلع الآجلة، وهذا أكثر عدة مرات من المستوى "المعتاد"؛ مما يخلق مستوى "غير مسبوق" من "الاهتمام المفتوح" (أي الرهانات).

 التداول الآلي

ويُرجح سبب حدوث ذلك التباين إلى الأسس الاقتصادية وبالتحديد النقص في العرض المرافق للطلب المتزايد، الذي دفع بايدن إلى الاتصال بالملك سلمان، ولكن فيرليجر يعتقد أن حالة الاختلال تفاقمت بشكل كبير لسبب آخر قلّما يُناقش، وهو الارتفاع الحاد في التداول الآلي من قبل المستثمرين الذين يستخدمون الإستراتيجيات الحسابية التي غالبا ما تستند إلى أدوات الذكاء الاصطناعي.

وفي آخر دراسة أجرتها حول هذه المسألة في عام 2019، وجدت لجنة تداول السلع الآجلة أن حوالي 80% من صفقات الطاقة يتم تنفيذها عن طريق المدخلات الآلية وليس المعاملات اليدوية، بعد أن كانت في حدود 65% قبل 6 أعوام (وأقل بكثير من ذلك في العقود السابقة).

ولتحليل زخم السوق والتفاعل معه تستخدم هذه الإستراتيجيات الآلية عادة برامج الذكاء الاصطناعي بدلا من العوامل الاقتصادية الأساسية في حد ذاتها، وهو ما يتسبب في تفاقم تأثير سلوك القطيع ليس فقط في أسواق السلع وإنما أيضا في بقية فئات الأصول.

وبما أن المؤسسات التي تبيع هذه المشتقات المالية تحتاج إلى أن يُحتاط من مخاطرها باستخدام أدوات أخرى، فإن التعويل على التداول الآلي يخلق تشوهات عبر الأسواق من الممكن أن تتفكك فجأة مما يتسبب في تقلبات شديدة.

وحدث أمر مماثل في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عندما تراجعت أسعار النفط فجأة، ومرة أخرى في مارس/آذار 202، ويعتقد فيرليجر أن هذا الأمر قد يتكرر للمرة الثالثة في حال تجاوزت أسعار النفط 100 دولار للبرميل، ما من شأنه التسبب في ارتفاع الأسعار الفورية، ويقول "تقود الإستراتيجيات الحسابية أسعار النفط اليوم. ولا توجد نهاية واضحة لزيادة الأسعار التي يسببها الذكاء الاصطناعي في هذه المرحلة".

ويشدد فيرليجر على أن التاريخ يكشف أن هذا النوع من الانتعاش الهائل عادة ما يعقبه هبوط ملحوظ في الأسعار. فقبل 15 عاما، انتقلت أسعار خام برنت من 54 دولارا للبرميل في بداية 2007 إلى 132 دولارا في يوليو/تموز 2008 قبل أن تنهار الأسعار إلى حدود 40 دولارا في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام في أعقاب الأزمة المالية، واليوم، من الممكن حدوث دورة مماثلة، لكن بنسق أسرع بسبب التداول الآلي، خاصة إذا كانت مخاوف التضخم تقوّض آمال النمو.

مع ذلك، ما يجب على صانعي السياسة والمستثمرين إدراكه في الوقت الحالي هو أن احتمال بلوغ سعر النفط 100 دولار للبرميل ليس محكوما بسلوك المضاربين وكارتيلات النفط فقط، وإنما للتداول الآلي دور في ذلك أيضا، ولكن الأوان قد فات على حظر التداول الخوارزمي.

وكما يوضح تقرير لجنة تداول السلع الآجلة، فإن نسبة التداول الآلي في أسواق الطاقة أقل مما هي عليه في مجالات أخرى مثل الأسهم، لكن هذا النمط يشير إلى أن المستثمرين والمنظمين بحاجة إلى الاستعداد لمواجهة بعض التقلبات الشديدة ومراقبة مخاطر السوق التي قد تطالهم.

وترى الكاتبة أننا نعيش في عالم تتكامل فيه إستراتيجيات التداول بين البشر والحاسوب بشكل متزايد بينما تكون النتائج غير متوقعة بشكل مضاعف، خاصة عندما تحدث صدمات مثل أزمة أوكرانيا.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير