النسخة الكاملة

ما حكاية إضراب العمال في عهد رمسيس الثالث؟

الخميس-2022-01-10 08:52 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - شهدت منطقة البر الغربي في مدينة الأقصر (جنوب مصر) أول إضراب عمالي موثق في تاريخ الإنسان في عهد الملك رمسيس الثالث (1155 -1186 قبل الميلاد)، وفق إحدى برديات المتحف المصري في تورينو بإيطاليا، ويرجع السبب إلى تأخر صرف رواتب العمال والنحاتين العاملين في مقابر ومعابد وادي الملوك والملكات، جراء سيطرة بعض الكهنة الفاسدين على مخازن الغلال والثروات، الأمر الذي دفع العمال إلى تنظيم أول اعتصام وإضراب للمطالبة بحقوقهم.
رمسيس الثالث و"البر الغربي"

يصنّف الملك رمسيس الثالث الذي حكم مصر (1155 – 1186 قبل الميلاد) ضمن الحكام المصريين المحاربين، لأنه استطاع صد الغزوات المتكررة على أركان مصر بفضل استراتيجياته العسكرية. ونجح في هزيمة غزو كبير من شعوب البحر المتوسط في معركة برية حاسمة عند مدينة رفح، كما نمت في عهده أطماع بعض القبائل الليبية للسيطرة على مصر، لكنه أوقع بهم الهزيمة بالقرب من وادي النطرون. وتنص إحدى البرديات حول "معركة دلتا" التي سجلت هزيمة الليبيين "انقض عليهم الملك كلهيب النار المنتشر في هشيم كثيف، فألقوا على الأرض غارقين في دمائهم واقتيد كل من بقي منهم حيّاً أسيراً إلى مصر".

يقول حسين العبودي، الباحث في حقبة الملك رمسيس الثالث إن "الحروب والغزوات المتكررة التي شهدتها الحدود المصرية تسببت في اضطراب حركة الاقتصاد داخل البلاد، على الرغم من الانتصارات القوية التي حققها الملك المحارب، بسبب فساد الأمراء والكهنة الذين سيطروا على مخازن الغلال من دون رقابة جادة من الفرعون".

يضيف أن "الإضراب أخذ ثلاث مراحل في عهد الملك رمسيس الثالث وُثّقت في ما يُعرف ببردية الإضرابات المحفوظة بالمتحف المصري في تورينو بإيطاليا، وكان دير المدينة في البر الغربي بالأقصر بمثابة ساحة الأحداث الساخنة للعمال والنحاتين الذين جرى وقف رواتبهم إلى أن تطور الأمر إلى اعتصام مفتوح".

إضراب ومذكرة مطالب

وأوضح الباحث، "في العام التاسع والعشرين من حكم الملك رمسيس الثالث، ساءت أحوال العمال جراء تأخير رواتبهم التي كانت عبارة عن حصص غذائية يومية لأسرهم. فلم تُطبع عملات في مصر سوى بالقرن الرابع الميلادي في عهد الأسرة الثلاثين، على الرغم من مباشرتهم للعمل المتواصل في تشييد وبناء معابد ومقابر وادي الملوك والملكات في البر الغربي بالقرب من طيبة، عاصمة مصر القديمة".

لماذا عزز اكتشاف مقبرة "توت عنخ آمون" الاعتقاد في "لعنة الفراعنة"؟

يتابع، "بعد تأخر الرواتب لمدة 20 يوماً، سيطر الاستياء على العمال والنحاتين في البر الغربي، ونظموا إضراباً عن العمل بقيادة أحدهم ويُدعى بن أنوكي الذي لعب دور أول زعيم عمالي في البلاد، وقرروا أن يرسلوا رسالة مكتوبة إلى عمدة طيبة، جاء فيها ’ليست لدينا ملابس ولا زيت ولا سمك، أرسلوا إلى الفرعون بخصوص هذه الأشياء، وكذلك أرسلوا إلى الوزير حتى يمدّنا بحقوقنا‘".

يذكر العبودي أن "رد عمدة طيبة جاء سيّئاً، إذ رفض تلك المذكرة وطالب العمال بمواصلة العمل لحين صرف رواتبهم، وأمرهم بالانصراف، ما أغضب جموع المضربين، فقرروا بعدها تصعيد الاحتجاجات".

اعتصام مفتوح

يضيف، "قرر المحتجون أن يعتصموا خلف معبد تحتمس الثالث في البر الغربي بمدينة القرنة. تواصلت الاعتصامات نهاراً وليلاً لأيام عدة، وانضمت أسر العمال إلى أرض الاعتصام، حتى سيطرت الاحتجاجات العمالية على وادي الملوك والملكات في البر الغربي، وتجمدت الحياة بشكل كامل".

يقول، "استشعر نب سمن، رئيس شرطة طيبة، خطورة تطور التحركات، فرفع مطالب المحتجين إلى أحد كبار الوزراء (تو الوزير) المقربين من الملك رمسيس الثالث خلال معاركه الحربية، فقرر الوزير صرف نصف الأجور المتأخرة لجميع العاملين، إلا أن ذلك لم يوقف الاحتجاجات، على الرغم من حرص عدد من المسؤولين على فتح باب التفاوض مع المحتجين، وأصبح الهتاف الموحد في الاعتصام ’نحن جائعون‘، لتحقيق مطالب المحتجين كاملة التي لم تقتصر على صرف الرواتب فحسب، بل شملت القضاء على فساد بعض الكهنة والمسؤولين مثل سرحات وبنتاورت اللذين اتُّهما بالتلاعب في محتويات مخازن الغلال وفرض النفوذ على البسطاء وإغواء النساء المتزوجات بمساعدة الوزير حوري".

تحقيق مطالب العمال

يوضح العبودي، "تجاهل تحقيق مطالب المحتجين كاملة، أشعل نار الغضب لدى المعتصمين، ودفع المئات منهم إلى مهاجمة مخازن الغلال المركزية الخاصة بالبر الغربي بجوار معبد الرامسيوم، للحصول على حقوقهم عنوة من المسؤولين الفاسدين، بعد أن تعطلت حركة الحياة بالكامل في وادي الملوك والملكات، وتوقف العمل في تشييد المعابد والمقابر الملكية".يختتم الباحث حديثه بالقول، "وصلت أخبار المحتجين إلى الملك رمسيس الثالث خلال حروبه ضد الغزاة في ناحية الصحراء الغربية، فكلّف جميع وزرائه تحقيق مطالب المعتصمين كاملة. وأمر برفع الرواتب الشهرية لكل عامل من الحصص الغذائية، لاحتواء غضب الجموع، ووعدهم بانتظام صرف الرواتب".