جفرا نيوز -
جفرا نيوز - في الـ17 من ديسمبر (كانون الأول) كل عام تزين موائد المسيحيين والمسلمين في قرية عابود غرب رام الله في فلسطين، بطبق البربارة، المكون بشكل أساسي من القمح، احتفالاً بعيد القديسة بربارة، تشرح الناشطة الشبابية في عابود سعاد عويس أثناء جولة في أرجاء البلدة القديمة، عن التحضيرات الجارية للاحتفال بعيد القديسة بربارة، الذي تنطلق فعاليته في الليلة التي تسبق العيد، إذ يبدأ بصلاة في كنيسة رقاد العذراء (العابودية)، ومن ثم تنطلق مسيرة من وسط البلدة إلى تلة مقابلة تتربع على قمتها آثار كنيسة القديسة بربارة، المتمثلة في حجارة هنا وهناك وبعض القبور المحفورة في الصخر، وغرفة لها قبة وباب صغيران، وينتهي الاحتفال بإضاءة الشموع والدعاء في المغارة الموجودة هناك، التي تضم فسيفساء أيضاً. وفي اليوم التالي يتناول الجميع طبق البربارة، المصنوع من القمح المسلوق وبعض المكسرات كاللوز والجوز والفستق والزبيب والقرفة والسكر وجوز الهند وغيرها من المحليات.
بربارة هربت واختبأت بين القمح
من تكون القديسة بربارة؟ تقول الستينية مريم بشارية، إن بربارة كانت شديدة الجمال، ما دفع والدها لحبسها في برج ومنعها من الخروج، لكنها اتبعت الديانة المسيحية عن طريق خادمة في قصر والدها، الذي كان يعيش في الأناضول، وحطمت التماثيل التي كان يعبدها والدها، وهربت إلى عابود واختبأت في حقول القمح، ومن ثم في الكهف المعروف حالياً باسمها، لكن والدها لحق بها ووجدها وقطع رأسها، وحين وصل إلى سفح الجبل عائداً إلى قصره، قتلته صاعقة تاركة حفرة كبيرة في الأرض، عرفت لاحقاً باسم البركة، وكان يسبح فيها أطفال القرية، وتشرب منها المواشي، ولكنها مطمورة حالياً، وأقيمت مكانها حديقة عامة، أما اختباء بربارة بين سنابل القمح فكان سبباً في استخدام هذا النبات مكوناً أساسياً لطبق الاحتفال في العيد.
يزورها الناس سنوياً لإضاءة الشموع والصلاة والدعاء (اندبندنت عربية)
وتتابع مريم أن القديسة تعتبر شفيعة المطر والفتيات العزباوات، فأهل القرية كانوا يتوجهون لها عند انقطاع الأمطار، أو عند الرغبة في الزواج، خصوصاً الفتيات منهن، قائلات "بربارة جيتك زايرة (زائرة)، كل الصبايا تزوجن وأنا ضليت بايرة (بقيت دون زواج)"، أو حتى عند الإصابة بالمرض، ففي مرة أصيبت طفلة بمرض جلدي، وزارت العديد من الأطباء وجربت الكثير من الأدوية، إلا أن شيئاً لم يتغير، وحينها نصحتها إحدى المسنات بالذهاب إلى مقام ولية صالحة، وإحضار تراب أحمر وعجنه مع الماء ووضعه على اليد لثلاثة أيام، وبحسب بشارية فإن الفتاة شفيت بعد أخذها التراب من كنيسة القديسة بربارة، وتعهدت منذ ذلك الحين بإضاءة المقام كل عام، وهذا ما تواظب عليه حتى الآن.
لكل كنيسة قصة مختلفة
تشير سعاد إلى أن كنيسة بربارة هي واحدة من سبع كنائس موجودة في القرية، التي تتعدد الروايات وراء تسميتها بعابود. فالبعض يقول إنها نسبة إلى نبي اسمه عبادية، والبعض الآخر يعتبرها نسبة إلى كثرة المعابد فيها، وقسم يقول إنها تشتهر بالزهور والنباتات المختلفة مثل شقائق النعمان ولسان الحمل واسمها يعني مدينة الزهور. ومن أشهر كنائسها رقاد العذراء أو العابودية التابعة للروم الأرثوذوكس، التي بحسب سعاد بنتها الملكة هيلانة تكريماً لأهلها على استقبالهم لها، حين جاءت إلى فلسطين بحثاً عن الصليب المقدس، لتكون ثالث كنيسة تبنى في العالم بعد كنيستي المهد والقيامة في بيت لحم والقدس، عام 332 بعد الميلاد، بحسب ما كتب على حجر موضوع خارج الكنيسة، وسميت رقاد العذراء نسبة إلى مريم العذراء.
الكنيسة الأخرى الشهيرة في القرية هي أم الأوجاع أو دير سمعان، التي تتبع للبطريركية اللاتينية المبنية منذ القرن السابع الميلادي، وتضم مزاراً لمريم العذراء وفسيفساء تغطي أرضيتها، وكنيسة تعرف باسم الماسية لأن السيد المسيح كان يرتاح في تلك المنطقة أثناء سيره للقدس، كما يروي أهل القرية، ولكنها الآن تحولت إلى مقبرة.
منطقة أثرية رومانية في القرية تظهر فيها قبور رومانية لملوك الرومان (اندبندنت عربية)
المنطقة الأخرى التي تعتبر مكاناً أثرياً في عابود ويتم إدراجها في المسارات السياحية التي تكون مقصد المجموعات المتجولة أو السياح، أو حتى أفراد يودون التعرف على المنطقة، وتحرص عويس على إخبارهم بوجودها هي المقاطع، التي تضم مباني محفورة في الصخر، وتحوي قبوراً رومانية للحكام والملوك الرومانيين الذين كانوا يطلبون دفن ممتلكاتهم وثرواتهم معهم من أجل الحياة الأخرى التي آمنوا بوجودها، وشكلت المقاطع أيضاً مكاناً خصباً لأخذ الحجر لبناء الكنائس في الفترة الرومانية.
وعلى الرغم من كل هذا التراث المسيحي والروماني الذي تضمه المنطقة، فإنها تعاني قلة الاهتمام بالأبنية التراثية والمناطق الأثرية، من ناحية الترميم وتنظيم زيارات للوفود السياحية والاستثمار فيها، شأنها شأن الكثير من المناطق المهمشة في هذا القطاع، إذ إن معظم الجهود المبذولة لزيادة الحركة السياحية في القرية يعتمد بشكل كبير على قاطنيها وبعض المجموعات الشبابية.