يا أَطْوَلَ القاماتِ في الزّمَنِ الذي غُصّتْ به الساحاتُ••بـِ''الأَقْزامِ''!
السبت-2012-04-21

جفرا نيوز -
جفرا نيوز/ محمود كريشان
في ذكرى رحيله العاشرة التي صادفت يوم الجمعة الماضي، ندخل في باب المشير الركن حابس المجالي على سعته وبهائه وفروسيته واستشرافه، لنطالع صبره وكرامته وشجاعته، ونتصفح شيئاً من سجله الطافح بالمواقف والتضحيات والعطاء.. فهو المخلص الذي ما خان لوطنه أمانة، وقد كتب شجاعته بسبطانات البنادق وجبهات القتال في حروب الجيش العربي الأردني الأبي.
نرى صورة الفارس في نعنع ناهض بحاكورة بيت معاني، ودالية عنب سلطية، ورائحة جميد كركي، وعبق شجرة زيتون إربداوية.. وعلى اسوار القدس وابوابها.. ونتنشق شذى عطره، كلما تكحلت عيوننا برؤية «البوريه» تشمخ فوق رؤوس نشامى قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة.
حابس المجالي.. القادم من وهج الخيل وصهيل النصر، عندما كان ملتحفا النار في الخطوط الأمامية للمعارك، والوطن ما زال ينبض في عروقه وكان الحب أردنيا والرتبة على الكتف وردة زرعت على الثرى الطهور، وقد كتب البطولة والشجاعة في دفتر النصر رصاصا اردنيا حارقا، والقسم يعلو بأن الجيش سيبقى.. مؤسسة تكتب الرجال على جبهة الوطن بارودا وألقا.
شارون أسيرا
نتوقف هنا عند محطات عديدة في حياة المجالي العسكرية، ففي معركة اللطرون العام 1948 تمكن قائد الكتيبة الرابعة النقيب حابس المجالي من اسر الارهابي رئيس عصابات صهيون السابق «ارئيل شارون» الذي هو بنفسه كتب في مذكراته الشخصية انه وقع في اسر الجيش الاردني إبّان حرب العام 1948 هو وجنوده واقتيد الى الاردن حيث أقيم معسكر اعتقال الأسرى اليهود، وتم تبديله بأسير عربي عندما جرى تبادل الأسرى بعد الهدنة الثانية.
وكتب شارون ايضا انه عندما وقعت اتفاقية السلام بين الاردن واسرائيل في وادي عربة، طلب ارئيل شارون لقاء «حابس» إلا أن الباشا رفض لقاءه استهزاء به وقد ورد على لسان الباشا أنه يجهله حيث قال: «لقد أسرت الكثير منهم فكيف يطلب مني أن أتذكره».
قائد الكتيبة الرابحة
في معركة اللطرون التي قاد خلالها حابس القوات الأردنية المكونة من (1200) جندي في مواجهة شرسة مع عدد جيد التسليح يصل تعداده إلى (6500) جندي، تمكن القائد الشاب أن يدفع بالقوات الأردنية للتفوق وتحقيق نصر عز نظيره في تلك الحروب، منادياً نشامى الجيش العربي بعبارته الشهيرة: المنية ولا الدنية.. فلحقت بالقوات الإسرائيلية هزيمة نكراء، وقدرت بعض الجهات اليهودية خسائرها بألفي قتيل، وأسر عدد كبير من الإسرائيليين من بينهم رئيس وزراء إسرائيل السابق ارئيل شارون حيث نقل الى الاردن ليسجن في «أم النعام» شرق المفرق، وكان شارون قائداً في تلك المعركة وكان النقيب «حابس المجالي» انذاك يفاخر بصمود جيشه وبسالته وقد اهدى نصره للجيوش العربية التي كانت تعاني اخفاقات متتالية.. قلة في العدد والتدريب والعتاد.
لقد كان لصمود الجيش العربي ورمزه الكتيبة الرابعة التي اطلق عليها جلالة -المغفور له بإذن الله- الملك الحسين لقب «الكتيبة الرابحة» بطولات وتضحيات جعلت أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي ديفيد بن غوريون العام 1949 يقول أمام الكنيست: «لقد خسرنا في معركة باب الواد وحدها امام الجيش الاردني ضعفي قتلانا في الحرب كاملة».. يومها كان اهل القدس يغنون في افراحهم ولسنوات طويلة (حابس حابسهم في الوادي.. حابس وجنوده وتاد) في حين غنى الأردنيون في شرق النهر لحابس في اعراسهم «سرية قايدها حابس.. تهش الأخضر واليابس».
مذكراتي هنا
الشق السياسي في حياة حابس المجالي، كان نتيجة فعل وممارسة اكثر من التزام بالمعنى السياسي المحدد. ومن ميزاته السياسية انه كان يعي ضرورة الفصل بين الجندي والسياسي، فالجندي برأيه تابع لصاحب القرار السياسي، والجندية سياج الوطن، وتنفذ قرارات القيادة السياسية ولا تشارك فيها، وما يؤكد ذلك تنظيم الضباط الأحرار في بداية الخمسينيات الذي كان يهدف الى ازاحة القيادة الاجنبية البريطانية من الجيش العربي وكان عقبة على حابس المجالي ان يترأس هذا التنظيم وهذا ما ذكره شاهر ابو شحوت واحمد المعايطة.
رفض حابس العرض وقال لهم: «رغم جلال المهمة التي تسعون اليها إلا أننا كجيش ننفذ قرار التعريب حال أن يأمر به جلالة القائد الأعلى الملك الحسين والحكومة».
ولن ننسى الغضب النبيل الذي ارتسم في ذات يوم قبل بضع سنين على وجه الباشا حابس عندما اقترح عليه احدهم ان يكتب مذكراته، فما كان من الباشا إلا أن أشار بيده الى صدره وقال: مذكرات العسكري تبقى هنا.
رد حابس على عبدالناصر
من مواقف المشير حابس ما ورد في كتاب «بنو تميم في الاردن» من تأليف ثامر التميمي ص 219 أنه كان ضمن وفد كبير على رأسه جلالة -المغفور له بإذن الله- الملك الحسين لزيارة الرئيس جمال عبدالناصر العام 1964 بقصد اتمام «التصافي» بعد انعقاد مؤتمر القمة الاول، وكان الاعتقاد السائد ان الجمهورية العربية المتحدة وراء اغتيال رئيس مجلس الوزراء الشهيد هزاع المجالي.
لقي الوفد ترحيبا حارا من جمال عبدالناصر الذي صرح انه لم يكن يعلم بتدبير الحادث والتفجير في مبنى الرئاسة الا بعد وقوعه. بعد ذلك التحق بالوفد حابس المجالي الذي كان برتبة فريق آنذاك، وكان قد اعتذر من الملك الحسين عن لقاء الرئيس عبدالناصر بسبب اتهام عبدالناصر بأنه وراء اغتيال ابن عمه هزاع المجالي.
وعند مجيء الفريق حابس استقبل بحفاوة ثم استقبله الرئيس عبدالناصر وكرر امامه القول انه لم يكن له علم بتدبير الحادث، فقال حابس «نحن معتادون على أن نقتل (بفتح النون وضم التاء) ونقتل (بضم النون وفتح التاء) واحيانا نقيم فرحا في المآتم، فكيف اذا قتل واحد منا في سبيل وطنه»، فكان جواب عبدالناصر: إنا أفهم هذا، لا تنسى أنني من تميم.
في ذكرى رحيل المشير الركن حابس المجالي نكتب عنه من القلب الى القلب، ونرى صورته البهية يزهو بكوفيته المهدبة بصبر الأردنيات مهوى قلوب الصبايا على بيادر حوران، وسهول مأدبا، ومزارع الأغوار، والساحل المضيء في العقبة.. فهو الفارس الذي لم يعرف المعارك الخاسرة.
رحم الله القائد البطل المشير الركن حابس إرفيفان المجالي وأسكنه فسيح جنانه وحمى الله وطننا الغالي آمنا مستقرا في ظل «حبيب الجيش» جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية الباسلة الملك عبدالله الثاني حماه الله.
kreshan35@yahoo.com

