جفرا نيوز - كان تحذير الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل من التقارب مع الصين إحدى القضايا الهامة خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، إلى واشنطن
ترى ما مدى عمق قلق الولايات المتحدة من ذلك التقارب؟ وهل يقتصر فقط على إبقاء التقنيات الحساسة بعيداً عن أيدي الصينيين، أم إن واشنطن تشعر بفقدانها السيطرة على الشرق الأوسط، حتى أن حليفها الرئيسي في المنطقة قد يكون عرضة للإغراء والشراء من قبل الصين؟
أعتقد أن كلا الافتراضين صحيحان. لكن، وبغض النظر عن دوافع واشنطن، فما هي احتمالات وجود إسرائيل في مثلث يضم، إلى جانبها، الصين والولايات المتحدة الأمريكية؟
وهل تستطيع إسرائيل الحفاظ على موقعها الراهن الفريد في عالم تهيمن عليه الصين؟ بل قل هل تستطيع إسرائيل البقاء كدولة، في عالم لا تتمتع فيه بمكانة الشريك صاحب الامتيازات السخيّة للقوة الرائدة في العالم؟
من وجهة النظر الاقتصادية، ترتبط إسرائيل ارتباطاً وثيقاً بالدول الأنغلوساكسونية، وتحديداً، فقد بلغت الصادرات الإسرائيلية في عام 2019، زهاء 16 مليار دولار إلى الولايات المتحدة الأمريكية، و5 مليار دولار إلى بريطانيا، أما الصين فتحل ثالثة بصادرات قيمتها 4.4 مليارات دولار، حيث تشغل الأحجار الكريمة قائمة هذه الصادرات
كذلك تتربع الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الواردات الإسرائيلية، حيث قامت في عام 2019 بتصدير ما قيمته 12.8 مليار دولار إلى إسرائيل، بينما صدرت الصين ما قيمته 10.2 مليار دولار
نظرياً، يمكن للاقتصاد الإسرائيلي، على الرغم من الصعوبات، إعادة توجيه نفسه تدريجياً من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين ودول أخرى، دون الحد بشكل كبير من مستوى المعيشة الحالي المرتفع إلى حد ما
إلا أنه عملياً، فإن هذا الأمر يعوقه حقيقة أن إسرائيل ليست مجرد دولة تابعة تدور في فلك أحد الأطراف التي تتصارع من أجل الهيمنة العالمية، بقدر ما هي نواة لطرف من هذه الأطراف. فاللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية و"ملّاك الاقتصاد"، وأصحاب أكبر رؤوس الأموال في الغرب، قريبون للغاية من إسرائيل، على أقل تقدير، إن لم يكونوا منتمين فعلياً إلى نفس نخب "العولمة". بمعنى أنه يستحيل أن تغيّر الدولة العبرية من موقفها في المعركة التي تختمر، دون تغيير هويتها، بما في ذلك إلغاء تعريف دولة إسرائيل كـ "دولة لليهود"، بكل ما يحمله ذلك من تبعات، تتمثّل في التخلّي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو تحويلها إلى دولة فلسطينية
أعتقد كذلك أن إسرائيل لن تكون قادرة في المستقبل أن تصبح بالنسبة للصين ما هي عليه بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث لن يكون لديها ما هو أكثر قيمة من موارد الطاقة والأسواق العربية، لتقدمه للصين
لذلك فإن مصير إسرائيل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصير الولايات المتحدة الأمريكية، وانهيار الأخيرة يعني بداية كارثة وتحولات في الأولى
قد تحاول إسرائيل الجلوس، مؤقتاً، على مقعدين في نفس الوقت، لكن منطق الأحداث يفرض ترسيماً أكثر وضوحاً للعالم المقسم بين معسكرات منفصلة عن بعضها البعض، بينما تراقب واشنطن الانضباط في هذا الشأن على نحو متزايد
في الوقت نفسه، فإن خسارة الولايات المتحدة الأمريكية لقيادة العالم في العقد القادم هو أمر حتمي لا مفر منه، وستواجه إسرائيل بكل تأكيد عالماً جديداً، لن تتمكن فيه واشنطن من إجبار جيرانها على الحوار والتعايش السلمي معها
والسؤال الوحيد هو ما إذا كانت إسرائيل ستجد نفسها على خط المواجهة الصينية الأمريكية، أو ما إذا كان اللاعبون الإقليميون المستقلون سيكونون خصمها الرئيسي
حتى الآن، لا يمكننا التأكيد بثقة على أن الصين سيكون لديها الوقت للعب الورقة العربية/الإسلامية، بينما لا يزال الوضع في المنطقة على الأقل مستقراً إلى حد ما
فهناك عمليتان مترابطتان تجريان في العالم الراهن بالتوازي وهما اقتراب الولايات المتحدة الأمريكية والصين من الصدام العسكري، واقتراب انهيار النظام الاقتصادي العالمي، وما يتبع هاتين العمليتين من عواقب كارثية لا يمكن التنبؤ بها. ومن غير المعلوم حتى الآن.
روسيا اليوم