جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ينقل الأستاذ الجامعي الكوري الجنوبي، كيونغ هيون كيم، المتخصص بالدراسات الشرق آسيوية ودراسات التواصل البصري، وصاحب كتاب "هيمنة التقليد في الفلكلور الكوري الجنوبي للقرن الـ 21" (Hegemonic Mimicry: Korean Popular Culture of the Twenty-First Century)، نقده ومراجعته للمسلسل الأشهر حالياً في شبكة "نتفليكس" وعالمياً، "لعبة الحبّار"، في إطار تحليلي للخلفيات والأبعاد التي خلقت المسلسل، وحتى لشخصياته، بما تُمثّله في المجتمع، عبر مقالة له في صحيفة "فورين بوليسي".
فيما يلي نص المقال المنقول إلى العربية:
يبدأ الكاتب من أبعاد السينما والتلفاز في المجتمع الكوري الجنوبي، قائلاً إن أي شخص زار كوريا الجنوبية في السنوات الأخيرة، من المحتمل أنه لاحظ أن برامج الكوميديا/المقالب المتعددة مشهورة هناك.
فهي، على غرار نسخة برامج ذات توجه "فرد - لفرد"، المنتشرة في الولايات المتحدة الأميركية، تُقام عبر مجموعة من الأفراد الشبان، الذين يبدأون عرضهم أمام كاميرا في شارع عام، أو مرأب، أو حديقة عامة، أو ملعب، أو مركز تجاري كبير، وينتهي بهم الأمر بتغيير الملابس إلى لباس رياضي، ثم يبدأون لَعِب ألعاب، مثل "الغميضة"، و"الاستيلاء على العَلَم"، و"القفز على الحبل"، ولعبة "حجرة ورقة مقص".
الخاسرون في هذه الألعاب عادةً يتلقّون عقوبات مُهينة، لكن غير مؤذية. ومعظم الأحيان يُحرَمون من وجبة، أو توصيلة للعودة إلى الاستوديو.
وكلما كان العقاب أكثر توهيناً كان تفاعل المشاهدين وتعاطفهم أكبر.
وحظي أحد برامج الواقع الكوميدية، وهو "الرجل الذي يركض"، بشهرة واسعة، ليس فقط في كوريا الجنوبية، بل حتى في دول آسيوية كثيرة.
منذ عام 2010، وهذا البرنامج الذي يستضيف كوميديين ذوي أعمار متوسطة ليتنافسوا مع فناني الـ"ك-بوب" اليافعين، وفناني الأعمال الدرامية الكورية الجنوبية، كان جزءاً لا يُستهان به مما يعبَّر عنه بالـ"هاليو"، أي الموجة الكورية الجنوبية، والتي انتشرت في الإنترنت في مناطق المحيط الهادئ وحولها.
في الوقت عينه، ينتشر، بصورة كبيرة، كثيرٌ من الفيديوهات التي يشارك فيها الآسيويون من مختلف أرجاء القارة، والتي تحتوي على ألعاب منسوخة ومستوحاة من البرنامج.
وعن النقلة بين الألعاب الطفولية وإدخالها في هذا البرنامج، فإن واحداً من الأمور الممتعة والمثيرة في مشاهدة هذه البرامج المستوحاة من ألعاب الأطفال، هو الانطباعات التي يجسّدها الفنانون. فمشاهدة المشاهير، وهم يقلّدون تجسيد تصرفات الأطفال ويعيدون الأمر أكثر من مرة، تبعث على الضحك.
البرامج "مُعْدِية" عاطفياً، إلى حد كبير، بسبب ما تعكسه على المشاهدين بين تعاطف وحنين إلى الطفولة التي تظهر مع هذه الألعاب. فالمُعِدّون يُذكّرون المشاهدين، على نحو تلقائي، بفقدان براءة الشباب في الواقع، ويحفّزون الخيال على الرجوع إلى حيث تمر عقارب الساعة، ببطء.
فهذه المشاهد في اللعبة تجعلنا نتذكر ما كنا نسيناه من متعة بسيطة كانت تحضرنا عند لعب هذه الألعاب، فكانت كل تحليلاتنا وتفكيرنا تتمحور حول الفوز أو الخسارة.
أمّا عن تجربة مسلسل "لعبة الحبّار"، فإنها أخذت هذا الطرح، لكنها حولته إلى "عالم ديستوبي من الرأسمالية النيوليبرالية".
مسلسل نتفلكس "لعبة الحبّار"، والذي حطم الأرقام، انطلق بهذا الطرح، رافعاً الغطاء عن هذه الكوميديا الموجودة في لعب البالغين هذه الألعاب، محوّلاً إياها إلى عالم ديستوبي من الرأسمالية والنيوليبرالية، اللتين تود انتقادهما بصورة مروعة.
*انتبهوا: يوجد تسريبات من أحداث المسلسل (لمن لم يشاهده)*
بدلاً من أن يكون الممثلون هم من فناني البوب ومن الكوميديين، اختار المسلسل أبطاله الخياليين في الألعاب من نساء ورجال بائسين، غارقين في الديون، ومستعدين لفعل أي شيء ليجنوا المال السريع. فبد انتقاء معالم معروفة، مثل الحدائق والمراكز التجارية، تجري أحداث المسلسل في جزيرة معزولة، فيها كثير من السلالم، ومستوحاة من الفنان الغرافيكي الهولندي موريتس كورنيليس إيشر، وكذلك المتاهات الهائلة الملونة، والموسيقى الكلاسيكية التي تتراوح بين جو سعيد وجو مرعب، للمؤلفين جورج فريدريك هاندل وريتشارد ستراوس، والتي كانت تُطلَق عبر مكبّرات الصوت في المشاهد. كذلك، نرى أن العقاب عند الخسارة في الألعاب أو الإقصاء ليس كتلك التوهينات غير المؤذية جسدياً، بل هو حرفياً الموت.
ثم يدخل في تفاصيل الشخصية الرئيسية في المسلسل سيونغ-جي-هون، الذي يؤدي دوره الممثل لي جانغ جاي، وكيف يتم تحفيزه عبر لعبة "تاكجي"، أي قلب قصاصة الورقة المطوية عن الأرض (لعبة مشهورة بين الأطفال) في محطة مترو، بعد يوم طويل وعصيب خسر فيه ما جناه من القمار على سباق الأحصنة، واعتدت عليه عصابة من المدينين الذين طالبوه بتسديد ديونه، فيعرض عليه الرجل الغريب نوعاً جديداً من "المقامرة"، بحسب تعبير الكاتب، قد تصل فيه الجائزة إلى 40 مليون دولار.
يُعبّر الكاتب عن شخصية جي هون في المسلسل، فيقول إن "لديه أخطاء كثيرة على الصعيد الشخصي: سارق مثير للشفقة، مقامر، مدمن كحول. لكن الأبرز الذي يَظهر في المسلسل، أنه كريم للغاية".
ويضيف أن "صديق طفولته، تشو-سانغ-وو، المستثمر المصرفي الذي فشل في مشاريعه، والذي يصبح عمّا بعدُ في المسلسل خصمه الرئيسي، يعتبر أن مشكلة جي هون الرئيسية هي أنه يهتم أكثر مما ينبغي له بالآخرين. فهنا، يحاول المسلسل، في كلمات أخرى، إظهار هذه الميزة من خلال وجهة انتقادية، كأنها مشكلة، على غرار سوء إدمان المقامرة والكحول والسرقة".
وهنا، يعتبر الكاتب أن المسلسل يطرح هذا السؤال المصيري في الحياة: هل في إمكان إنسان أن يحتفظ بروحه ولباقتها، وأن ينافس، في الوقت عينه، في عالم عديم الرحمة خلقته البيئة الرأسمالية؟
ويعتبر الكاتب أن السؤال مستوحى من مقارنة قديمة،في العالم، تقوم على المجتمعات التي تطغى فيها النيوليبرالية، التي تفرّق الناس وتقسّمهم إلى طبقات. ومع أن طرح المسلسل غامض، إلاّ أنه لا تغيب عنه حقائق النِّسَب المرتفعة للانتحار في كوريا الجنوبية، ومعدل الخصوبة القليل. فهذا، في رأي الكاتب، جزء مما يجعل الناس بائسين إلى درجة المشاركة في ألعاب كهذه محفوفة بالمخاطر، فقط كي يسدّوا ديونهم.
ويتطرّق الكاتب إلى شخصيتي الشابتين في المسلسل، كانغ سي بايوك (الهاربة من كوريا الشمالية)، وجي يونغ، التي خرجت من السجن للتوّ.
يُقارب الكاتب الشخصيتين في أسلوب يقول فيه "هنا، تلمع الدراما"، فيعتبر أنه بينما كانت شخصيات الذكور كلها في صدد التخطيط والتحالفات، كانت هاتان الشخصيتان هما المنعزلتين، اللتين تخشيان مصارحة الناس، ثم عندما يبقى من عمريهما نصف ساعة من الحياة تجدان حريتهما في مصارحة إحداهما الأخرى، والحديث عن تجاربهما، في ظاهرة يربطها الكاتب بأفلام الإثارة الغربية، ورواية هاروكي موراكامي.
يجد الكاتب أن في هذه المحادثة تضيء على تجربة شابتين، واحدة تسعى للتخلص من "النظام التوتاليتاري" في كوريا الشمالية، والأخرى تريد التخلص من الحياة في كوريا الجنوبية، والتي تتراوح بين الرأسمالية والعنف الأسري والكآبة ومعدلات الانتحار المرتفعة.
يرى الكاتب، في الخلاصة، أن المسلسل يريد توجيه نظرة أخرى إلى الحياة، فحيث إنه في كل الأنشطة قد نكون في موقع الـمُشاهد للسباق أو الألعاب، لكن هذا لا يضفي المتعة ذاتها التي تكون في المشاركة فيه. وإن أغلبية الشكاوى من العمل المملّ والتمييز خلاله واحتمال الإقالة أو الطرد من العمل، هي سائدة في الأنظمة الرأسمالية، وإن الخسارة أو الفوز ليس المهم، بل المهم هو إيجاد المتعة في اللعب، أي في الحياة بين العمل والعيش.
لكن الكاتب تغاضى، في تقريره، عن شخصية علي عبدل، العامل الباكستاني الذي جاء إلى كوريا الجنوبية من أجل العمل وإعالة عائلته من خلال عمله في مصنع فقد إصبعيه فيه، فلا يعطيه مديره أياً من حقوقه، ويختلق الأعذار دائماً من أجل تلافي تسديد راتبه، الأمر الذي جعله يغضب ويأخذ حقه بيده وراتبه، ويتشاجر مع المدير، الأمر الذي أدى إلى إصابة المدير بالآلة نفسها التي سبَّبت قطع إصبعَي علي.
يهرب علي، بعد هذه الحادثة، ويوصي زوجته بأن تأخذ المال الذي أخذه من مديره الذي كان يخفيه عنه، وأن تعود إلى باكستان مع ابنهما، ثم يدخل اللعبة.
يتعرّف علي إلى سيونغ-جي-هون و تشو-سانغ-وو، اللذين يريان فيه صديقاً جيداً وطيّباً في البداية،لكن الأمر يتحول إلى استغلال له من جانب تشو سانغ وو.
يُظهر المسلسل، شخصية علي، على أنها تمثّل الباكستاني الطيب، والغريب الآتي إلى مكان يرى فيه نفسه أدنى من الجميع، ويظهر ذلك في تكراره عبارة "سيدي" دائماً. كما يُظهره المسلسل في خضم اللعبة في مظهر الساذج، الذي يُخدع بسهولة من تشو سانغ وو، الذي يحتال عليه، في نهاية الأمر ، الأمر الذي يؤدي إلى إقصائه وقتله.
تَظهر هنا رسالة، من خلال المسلسل، عن معاناة العمال الأجانب في كوريا الجنوبية، وكيف تتم معاملتهم، وربما كيف يراهم المجتمع، أو كيف يرون هم أنفسهم فيه. وهي، إلى حد ما، رسالة ليست بريئة، ومن الغريب أنها مرّت مرور الكرام بين النقّاد ومتابعي المسلسل.
والمفارقة أيضاً بعد نقل مقال الكاتب، أنه يرى في أن المسلسل ينتقد الرأسمالية، بينما الشركة المنتجة التي تعرضه، "نتفليكس" هي شركة رأسمالية بامتياز، فكيف يُنتقد الشيء ويُفعل نقيضه؟
وهنا يبقى السؤال، هل أن مجال انتقاد الرأسمالية يكون مقبولاً فقط حينما يغذيها، وحينما يصب في جمع ثروات من المشاهدات؟
وبين النقد، والاستعراض، ماذا عما يُخلفه المسلسل لدى شريحة واسعة ومن ضمنها الأطفال، بالرغبة في العنف؟