النسخة الكاملة

إشهار كتاب "تنظيم حراس الدين" لأبو رمان وأبو هنية

الخميس-2021-10-11 09:12 am
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - بحضور نخبة من المختصين والمهتمين والقرّاء تم مساء أمس الأحد إشهار كتاب "تنظيم حراس الدين: صعود القاعدة وأفولها في المشرق العربي"، وسيتخلل حفل الإشهار ندوة فكرية تناقش تطور مشروع القاعدة في منطقة المشرق العربي، وبروز تنظيم حراس الدين كصيغة تختزل ما آل إليه هذا المشروع، ومعادلة إدلب في إطار السياسات الدولية والإقليمية.

أدار الإعلامي حسام غرايبة الندورة – التي دعا إليها معهد السياسة والمجتمع في عمان للكتاب الصادر عن مؤسسة فريدريش ايبرت، وأقيمت في مكتبة الأرشيف في جبل عمان، وشارك فيها المؤلفان محمد أبو رمان وحسن أبو هنية وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية، د. بدر ماضي.

ووفقاً للكتاب فإنّ تنظيم "حراس الدين" في سوريا الذي أُعلن عن تأسيسه في 27 شباط/ فبراير 2018 ، النسخة الأحدث لمشروع القاعدة في المشرق العربي عموماً وفي بلاد الشام خصوصاً، فمنذ اندلاع الحركة الاحتجاجية السلمية في سوريا منصف آذار/ مارس 2011، ثم تحول الاحتجاجات إلى حالة عسكرية مسلحة، دخل تنظيم "القاعدة" في فترة مبكرة إلى الساحة السورية لتنفيذ مشروعه الواسع الخاص في المشرق العربي، فعملت "القاعدة" على استثمار حالة الفراغ والفوضى وعجز النظام السوري عن فرض سيطرته على أراضيه، بإنشاء هياكل تنظيمية جهادية متعددة وملاذات مكانيّة آمنة.

لقد استثمرت القاعدة خبراتها الطويلة في الصراعات بالتكيّف مع التحولات والتطورات والمتغيرات، التي شهدتها سوريا خلال مراحلها وأطوارها المعقدة وتحولها إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية في إطار "حروب الوكالة"، وسرعان ما أصبحت سوريا أهم ساحة قتالية جهادية للحركات الجهادية المعولمة، فتقاطر جهاديوا القاعدة المعولمون من شتى بقاع الأرض، وانخرطوا في جماعات جهادية عديدة للتعمية على صلاتهم التنظيمية وانتماءاتهم الإيديولوجية.

أصبح للقاعدة بعد الربيع العربي نفوذ، وأيّ نفوذ في منطقة الشرق العربي، تلك التي لم تكن قبل احتلال العراق 2003، تمتلك أي وجود حقيقي تنظيمي فيها، ثم يأتي الزرقاوي ويكوّن جماعته، وينضم إلى القاعدة بعد العام 2004، ويمتد بعملياته وشبكته إلى دول الجوار، ليؤسس تنظيم كتائب عبدالله عزام، قبل أن يقتل في العام 2006 بقصف أمريكي، ثم يبدأ بعد عامٍ من ذلك تنظيمه بالتراجع والأفول والعودة إلى حرب العصابات إلى أن جاءت اللحظة المناسبة، وحدثت الطفرة الكبرى، وعاد التنظيم ليعمل بقوة في العراق ويحقق انتصارات كبيرة وسريعة، ويسيطر لاحقاً على الأنبار، والموصل، ومناطق شاسعة من العراق.
في الأثناء كانت جبهة النصرة تنشط منذ العام 2012 في سوريا، وبالرغم من حرص زعيمها أبو محمد الجولاني على إخفاء علاقته بتنظيم القاعدة، إلاّ أنّها تمكنت خلال فترة وجيزة من استقطاب آلاف الجهاديين القادمين من الخارج، وتجنيد الآلاف من الداخل، لتصبح من أكثر الجماعات المسلحة قوة وخطورة في مواجهة النظام السوري، إن لم تكن الأخطر.

إلى تلك اللحظة كانت القاعدة تشعر بأنّ مخطط اقتحام الشام يسير في نجاح كبير، وأنّ الأبناء (في العراق وسوريا) يمثلون امتداداً للمشروع الأيديولوجي والسياسي، الذي أقامه أسامة بن لادن ورفاقه، قبل مقتله في مخبئه في العام 2011، وتولي رفيقه، أيمن الظواهري قيادة التنظيم.

الأمور انقلبت رأساً على عقب، بعد ذلك، والخلافات المختبئة والراكدة بين مشروع الزرقاوي وتنظيمة في العراق والتنظيم الجديد في سوريا، جبهة النصرة بدأت بالظهور، ثم انفجرت مع إعلان أبو بكر البغدادي في 9 نيسان ضم جبهة النصرة لتنظيمه، وإقامة الدولة الإسلامية في العراق والشام (التي أصبحت تختصر لاحقاً بعبارة داعش)، ما دفع بالجولاني لكشف وإظهار بيعته للتنظيم الأمّ، ولاحقاً ينحاز الظواهري للجولاني، وتبدأ المعارك الإعلامية والتنظيمية والفكرية بين الطرفين؛ القاعدة والنصرة من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من جهةٍ أخرى، الذي أعلن الخلافة لاحقاً وتوّج شيخه خليفة للمسلمين.

لم يقتصر الأمر على الخلافات في أوساط القاعدة في المشرق العربي (العراق وبلاد الشام)، بل دخل فيها التنظيم الأم (القاعدة المركزية)، وانتقلت الانقسامات والاستقطابات إلى أرجاء المعمورة كافّة، بعد أن انقسم جهاديو العالم بين الاتجاهين (القاعدة وداعش)، ولا نبالغ – هنا- إن قلنا منهجين، لأنّ داعش لم يكن فقط طفرة تنظيمية أو حركية، بل أيضاً طفرة أيديولوجية، فقد أحدث نقلة نوعية كبيرة في أفكاره عن الجهادية القاعدية، وفي طرائق التجنيد وأساليبه واستراتيجياته وحتى تكتيكاته، وهو الأمر الذي ناقشه مؤلفا هذا الكتاب، في كتابٍ سابق بعنوان "الدولة الإسلامية: الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية).

بعد ثلاثة أعوام حدث تطوّر آخر صادم لتنظيم القاعدة، عندما ظهرت بوادر انشقاق الفرع السوري، إذ شرع بالابتعاد عن ارتباطه بالقاعدة تدريجياً، وذلك بعد إعلان "جبهة النصرة" في البداية عن فك ارتباطها شكلياً عن القاعدة، والإعلان عن تشكيل "جبهة فتح الشام" عام 2016، فبرزت خلافات عميقة وانقسامات حادة حول جدوى إعلان "فك الإرتباط"، الذي سرعان ما تحول من الإطار الشكلي إلى الواقع الموضوعي عقب الإعلان عن تأسيس "هيئة تحرير الشام" 2017، ودخلت القاعدة في سجالات إعلامية وسياسية وأيديولوجية شبيهة بتلك التي حدثت مع تنظيم الدولة، وانتهى الأمر إلى صدام واضح بين الطرفين، فقرر أنصار القاعدة أو الجناح المتبقي لها في سوريا، وفي العراق أيضاً، تأسيس التنظيم الجديد حراس الدين، الذي يمكن أن يقال أنّه بالفعل وُلد من الخاصرة، إذا استعرنا هنا عنوان المسلسل السوري المشهور، لمؤلفه الأديب السوري سامر رضوان!
***
بتتبع هذا الكتاب مسار ظهور مشروع القاعدة وأفوله في المشرق العربي عموماً وبلاد الشام خصوصاً، ونركّز هنا على ما حدث في سوريا، تحديداً، لأنّ التطورات المهمة التي يركز عليها الكتاب حدث أغلبها منذ بداية تراجع تنظيم الدولة الإسلامية، وبروز الانشقاقات بين النصرة والقاعدة، وفي أوساط النصرة نفسها، ولأنّ الحالة السوريةتختلف، أيضاً، في كثير من الجوانب عن الحالة العراقية، من زاوية الاعتبارات الجيواستراتيجية، والمجتمعية، والسياسات الدولية والإقليمية، ثم خصوصية حالة "إدلب" والتوزانات الداخلية والخارجية التي شكّلتها في سوريا، منذ بدء جولات الحوار التركي- الروسي في آستانا وسوتشي.
لماذا تنظيم حراس الدين؟!

سؤال مشروع ومهم، لأنّه تنظيم بمقايسس القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية والنصرة صغير، محدود الحجم، يعاني من أزمات كبرى منذ البداية. والجواب على ذلك أنّ أهمية الحديث عن التنظيم، الذي يتناوله الكتاب في الفصول الأخيرة، لا ترتبط بالتنظيم نفسه، بل بما وصلت إليه مشروع القاعدة في المشرق، بعد أن انفصل الأبناء عن الأمّ، ويعكسوا المثل الذي يقول القطة التي تأكل أبناءها. فالكتاب هو رحلة في التضاريس الأيديولوجية والتنظيمية والحركية لمشروع القاعدة في بلاد المشرق العربي، منذ الجذور الأولى وصولاً إلى "الحرّاس"، وهي تضاريس تتشكّل من التحول بداية من الجهاد المحلي نحو "عولمة الجهاد"، ثم مشروع الزرقاوي في العراق، فالحالة السورية، وبروز النصرة، وما رافق ذلك كلّه من خلافات أيديولوجية ومراجعات قامت بها القاعدة المركزية ونقاشات فكرية وظروف سياسية وسياسات خارجية ساهمت في صعود التنظيمات القاعدية وفي تراجعها، وفي انشقاق هيئة تحرير الشام عن القاعدة المركزية، وصولاً إلى حراس الدين صعوداً وتراجعاً.

يتضمن الكتاب ثمانية فصول رئيسية، تبدأ منذ البدايات وتحولات الأيديولوجيا الجهادية، مروراً بمحطات رئيسية، وصولاً إلى احتلال العراق، ثم الربيع العربي، ثم الانشقاقات المتتالية، وأخيراً تنظيم حراس الدين وأيديولوجيته وبنيته التنظيمية..

في الفصل الأول يتناول الكتاب التدرج في مشروع الجهادية العالمية من الجماعات المحلية (التي تأسست على أفكار الحاكمية والجهاد)، مروراً بالجهاد التضامني منذ أفغانستان وحتى منتصف التسعينيات، وصولاً إلى إعلان الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين (1998)، والانتقال من مشروع قتال الأنظمة العربية إلى قتال الولايات المتحدة الأميركية مشروع القاعدة، والتطور التاريخي لوجود القاعدة في المنطقة، وصولاً إلى مرحلة الربيع العربي، وذلك بتتبع مسارات القاعدة منذ النشأة والتأسيس إلى مرحلة الإعلان عن تأسيس الجبهة العالمية الإسلامية 1998، وأحداث 11 سبتمبر 2001، وتشكّل فرع القاعدة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي.

وفي الفصل الثاني يراجع الكتاب أبرز معالم طريق القاعدة إلى المشرق العربي، بداية من دور المؤسس الفعلي له في هذه المنطقة، أبو مصعب الزرقاوي، مروراً بمحاولته التمدد من العراق إلى الشام، ثم الربيع العربي الذي تزامن وساعد على قيام القاعدة بمراجعات فكرية واستراتيجية وصولاً إلى التمدد والانتشار في العراق وسوريا.

أما الفصل الثالث فيتوقف قليلاً، مبتعداً عن متابعة هذا المسار التاريخي ليراجع مكانة سوريا وفلسطين الاستراتيجية في أدبيات القاعدة ويسلط الضوء على أدبيات الجهاد الأولى التي كانت تركز على العدو القريب، أي الأنظمة العربية، ثم التحول الذي حدث مع عولمة الجهاد، والقفزة التي حدثت في خطاب بن لادن والزرقاوي لتصبح فلسطين على رأس دعاية القاعدة وخطابها الفكري والسياسي.

أما الفصل الرابع فيختص بتأسيس جبهة النصرة بوصفها وجه القاعدة الجديد في المشرق العربي، بعد أن دفعت المراجعات نحو تغييرات في التكتيك والخطاب، بما في ذلك التحول نحو ما يسمى جماعات أنصار الشريعة، ومحاولة الاندماج في المجتمعات المحلية، ثم الخلافات التي قفزت إلى السطح بين منهجي الزرقاوي والظواهري، ودور السياسات الدولية ولعبة الجيوبوليتيك التي رسمت اعتبارات مختلفة للمشهد السوري عن العراقي، مما انعكس على أولويات كل من تنظيم الدولة الإسلامية والنصرة.

وفي الفصل الخامس نتوقف في الرحلة مرّة أخرى لنفكك طبيعة الخلافات التي أدت إلى انشطار القاعدة والاتجاهات الأيديولوجية المتنافسة، وبروز منهجين في البداية متباينين، ثم انشقاق النصرة وبروز منهج أيديولوجي وفكري ثالث.

يخصص الفصل السادس لعملية الانفصال التي حدثت وحيثياتها بين جبهة النصرة، التي تحولت إلى جبهة فتح الشام، ثم هيئة تحرير الشام، وموقف القاعدة والحرب الإعلامية المتبادلة بين الطرفين، ثم تشكيل "لجنة حطين" من كبار قيادات القاعدة، التي تولت مسؤولية إدارة الملف السوري، في ظل اختفاء الظواهري لثلاثة أعوام تقريباً، بسبب الرقابة الأمنية العالمية. ويحلل الفصل – كذلك- الاختلافات والصراعات التي حدثت في أوساط الهيئة بين الجناح المعولم (ومجموعة خراسان) من جهة وزعيم التنظيم أبو محمد الجولاني، والتفريخات التي حدثت في أوساط الرافضين لعملية فك الارتباط بالقاعدة، ثم نحلل تأثير السياسات الدولية والإقليمية على عملية الانفصال وموقف الإدارات الأميركية من هيئة تحرير الشام.

يصل الفصل السابع إلى تنظيم "حراس الدين"، ويتناول البنية التنظيمية والعمليات العسكرية والجغرافيا الحركية له، والتحالفات التي عقدها مع الفصائل المختلفة في إدلب، والنزيف المستمر لقياداته بين سندان الطيران الأمريكي ومطرقة هيئة تحرير الشام التي أرادت السيطرة على كامل إدلب وإعادة تأهيل دورها إقليمياً وعالمياً.
أمّا الفصل الثامن فيحلل أيديولوجيا حراس الدين والخلافات الفكرية والأزمة التنظيمية والرؤية الاستراتيجية وتكتيك التنظيم الجديد، ثم خاتمة الفصل التي تتناول تراجع التنظيم وضعف قدراته وتدهور الرهان الأخير للقاعدة في الشام.
وأخيراً تقدّم خاتمة الكتاب إطاراً تحليلياً لأبرز معالم التحول الأيديولوجي والأسباب التي أدت إلى صعود مشروع القاعدة وأفوله في العراق وبلاد الشام.