جفرا نيوز -
جفرا نيوز - هل خطر ببالك هذا السؤال الغريب من قبل: ما هو مقدار الأموال الموجودة في هذا العالم؟ في محاولة للإجابة على هذا السؤال فإننا سنذهب في رحلة سريعة لشرح بعض التفاصيل عن فكرة "الأموال" ثمّ سنذهب إلى أمريكا ومنها إلى زيمبابوي، لنستكشف: هل يمكننا أن نُحصي عدد الأموال في هذا العالم؟
غطاء الذهب.. الطريقة القديمة التي تحافظ على قيمة الأموال
في الزمن القديم كانت قيمة العملات تأتي من قيمة المواد نفسها التي تُصنّع منها، فمثلاً كان الدينار ذهبياً بوزنٍ معيّن، هذا الذهب بوزنه له قيمة معيّنة محفوظة بالذهب. بينما الدرهم الفضّي أبـ"قلّ قيمةً من الدينار الذهبي، وهكذا.
ولكن، في نهاية القرن التاسع عشر، أصبح هناك ما يعرف بـ"غطاء الذهب" أو "المعيار الذهبي". وهو نظام لم تكن للعملة الورقيّة فيه قيمة في حدّ ذاتها، وإنّما يتمّ تأمينها بمقدار مماثل من الذهب، يسمّى "الغطاء الذهبي".
كان بناءً على هذا النظام يتمّ تقييم عملةٍ بلدٍ ما بوجود مقدار مماثل لها من الذهب لدى هذه الدولة، بعدما توافق هذه الدولة على اعتماد أسعارٍ ثابتة لبيع وشراء الذهب فيها.
يعني إذا كان الجنيه أو الليرة في هذا النظام يساوي قيراط ذهب، فيجب أن تحتفظ الدولة صاحبة عملة الجنيه أو الليرة بقيراط ذهب أمام كلّ عملة. وقد كانت المملكة المتحدة هي أوّل بلد يتبنّى هذا النظام المالي بداية القرن التاسع عشر.
ولكنّ هذا النظام لم يدم قرناً من الزمان حتّى تمّ استبداله بنظامٍ آخر، فبعد الحرب العالمية الثانية وخروج الولايات المتحدة منها قوةً عظمى، استطاعت إقناع باقي الدول بتبنِّي نظام يقارن جميع العملات بالدولار الأمريكي، نظير تعهّد أمريكا بحفاظها على قيمة الدولار مستقرة فيما يتعلّق بغطائها من الذهب، في مقابل أن تعتمد بقية الدول الدولار باعتباره عملةً احتياطية بدلاً عن الذهب.
لكنّ المشكلات الاقتصادية التي مرت بها أمريكا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي جعلت أمريكا تنهي هذا النظام.
وقد تعهدت هذه الدولة بالحفاظ على قيمة عملتها مستقرة فيما يتعلق بالذهب، في حين تلتزم بقية الدول باعتماد الدولار كعملة احتياطية. وهكذا لم تعد قيمة الدولار ترتبط بالمعيار الذهبي، ولا أي عملة في العالم. فأصبحت العملات تتقلّب قيمتها في السوق اعتماداً على معياري العرض والطلب فقط.
وقد كان من فوائد نظام "الغطاء الذهبي" أنّه يستطيع كبح التضخّم في العملات ويقلل الإنفاق الحكومي. وهذا يقودنا لسؤالٍ آخر:
ما هو مقدار الأموال الموجودة بالدولار الأمريكي؟!
لا تُحسب مثل هذه الأمور بإجابة سهلة وبسيطة، ولكنّها تحسب بطريقة معقدة بعض الشيء ذكرها موقع howstuffworks. وهنا يمكن لنا أن نسأل: إذا جمعنا كافة الأوراق النقدية والعملات المعدنية المتداولة اليوم، فكم سيكون لدينا من الدولار؟
يُعرف إجمالي سيولة كل هذه العملات المادية باسم "المعروض النقدي"، وهذا يشمل كافة الأوراق والعملات الموجودة في جيوب الناس، وداخل منازلهم، وفي خزائنهم الآمنة داخل البنوك، إلى جانب كافة ودائع البنوك داخل البنوك الاحتياطية.
ووفقاً لأحدث البيانات المتاحة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإجمالي "المعروض النقدي" حتّى شهر مارس/آذار عام 2021 كان 5.8 تريليون دولار أمريكي.
الدولار
هناك نحو 2.1 تريليون دولار حول العالم الدولار الامريكي/ IStock
تبدو هذه القيمة هائلة بالطبع، ولكن لحظة، يقول الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إنّ ما يتراوح بين نصف وثلثي مخزون المعروض النقدي من الدولارات الأمريكية موجود خارج الولايات المتحدة طوال الوقت.
أمَّا ما يتبقى من الأموال فهو موجود داخل الحسابات المصرفية من مختلف الأنواع، والتي يتعقبها الاحتياطي الفيدرالي عبر ثلاثة أنواع مختلفة من التقييم، وتُعرف باسم المعروض النقدي M1 وM2 وM3.
ولنركّز هنا لأنّ هذه التفاصيل مركّبة بعض الشيء.
يُمثّل المعروض النقدي M1 كافة النقود الموجودة خارج وزارة الخزانة الأمريكية، ومصارف الاحتياطي الفيدرالي، وخزائن مؤسسات الإيداع.
ويشمل كذلك الودائع تحت الطلب في البنوك التجارية (باستثناء المبالغ التي تحتفظ بها مؤسسات الإيداع والحكومة الأمريكية والبنوك الأجنبية والمؤسسات المالية).
وحتى مارس/آذار عام 2021، بلغ المعروض النقدي M1 من الدولار الأمريكي نحو 18.7 تريليون دولار.
أما المعروض النقدي الثاني المعروف باسم M2، فهو يُساوي M1 مضافاً إليه الودائع الصغيرة لأجل (أي الأقل من 100 ألف دولار). وحتى مارس/آذار عام 2021، وصل هذا المعروض النقدي M2 إلى نحو 19.9 تريليون دولار.
وبالتالي، يُمكن القول إنّ إجمالي الدولارات الأمريكية الموجودة في العالم حتى مايو/أيار عام 2021 من المتوقع أن يُساوي نحو 19.9 تريليون دولار، باستخدام تعريف المعروض النقدي M2. وإن أردنا فقط إحصاء القيمة الإجمالية للعملات الورقية والمعدنية، فهي تساوي نحو 2.1 تريليون دولار حول العالم، وفق الفيدرالي الأمريكي.
أما إذا كنت ترغب في معرفة العدد الفعلي للأوراق النقدية المتداولة (المطبوعة) بدلاً من قيمتها، فقد قدّر الاحتياطي الفيدرالي أنّها كانت تساوي 50.3 مليار ورقة نقدية متداولة فقط بنهاية عام 2020.
ولكن، بعد الحديث عن عدد الدولارات الأمريكية الموجودة، سيظهر في ذهنك سؤال: ماذا عن الأموال في باقي العالم؟
إشكالية تتبُّع النقود والأموال في العالم
حين تجد أيّ حكومة نفسها في مأزقٍ اقتصادي ستبحث دائماً عن حلّ لمشكلتها، وفي العصر الحديث أصبح الحلّ المباشر السريع للمشاكل الاقتصادية هو "طباعة المزيد من النقود"، لكنّ هذا الحل "مباشر" و"سريع"، ولن يحلّ المشكلة على المدى المتوسط أو البعيد. وخير مثالٍ على هذه الظاهرة هو عملة دولة زيمبابوي، الدولار.
في عام 2000 انهار النظام المالي في زيمبابوي، ولدعم الإنفاق على المشاريع العامة والرواتب الحكومية، طبعت وزارة المالية فائضاً من دولارات زيمبابوي، ولكنّها بسوء تقدير طبعت أكثر من اللازم بكثير.
من الناحية الاقتصادية البحتة، المال مثله مثل أيّ سلعةٍ أخرى تخضع لقانون العرض والطلب، فهو يفقد قيمته حين يتوافر بكثرة.
يُؤدي فائض الأموال المتاحة للتداول بين الناس إلى تضخُّم، إذ تقل القوة الشرائية للمال بسبب كثرة عرضه.
في بداية القرن الحالي دخل اقتصاد زيمبابوي في مرحلة "تضخُّم مُفرط". وقدّر الاقتصاديون الذين شاهدوا فقدان القيمة الهائل هذا لدولار زيمبابوي أنّه يفقد قيمته بسرعةٍ كبيرة لدرجة أنّ تراجعه كان يعني تضاعف الأسعار في المتاجر كل 1.3/يوم (أي كلّ 30 ساعة).
وقد وصل معدل التضخم السنوي في زيمبابوي أواخر عام 2008 إلى 516,000,000,000,000,000,000%، وهو المعدل الأعلى في العالم، بل ربما في التاريخ.
قررت حكومة زيمبابوي أن تحارب هذا الوضع المزري بطباعة المزيد من النقود بقيمةٍ أعلى، فبدل أن تطبع ورقة بألف ستطبع ورقة بعشرة آلاف، وهكذا.
في النهاية، أنتجت البلاد ورقةً قيمتها 100 تريليون دولار زيمبابوي، والتي كانت تُعادل نحو 30 دولاراً أمريكياً فقط في يناير/كانون الثاني عام 2009 ونحو خمسة دولارات أمريكية فقط في عام 2011.
بحلول عام 2015، وصلت قيمة الـ100 تريليون دولار زيمبابوي إلى 40 سنتاً أمريكياً فقط. مما دفع الحكومة إلى ترك عملتها بالكامل وتبنّي الدولار الأمريكي والراند الجنوب الإفريقي عملاتٍ رسمية في البلاد.
ولكن هنا يطرأ سؤال: بعد ترك العملة الرسمية وتبنِّي عملاتٍ أخرى، ماذا عن الأوراق النقدية التي طُبعت بقيمة 100 تريليون دولار زيمبابوي؟
لم تجمع الحكومة أياً من تلك العملات ولم تسمح للناس باستبدالها، وهكذا ظلّت موجودة، ولهذا السبب: لا يمكن لأحد يعرف العدد الإجمالي النهائي للعملات المتداولة في العالم.
تحولت العملات في الواقع إلى هوايةٍ يجمعها المهتمون، وخزّن التجار الكثير منها ليتمكنوا من بيعها لهواة الجمع مستقبلاً بسعرٍ أعلى من قيمتها.
ومنذ ذلك الحين، أعادت زيمبابوي تقديم عملتها الخاصة في عام 2019، لكن البلاد كانت تُعاني من ارتفاع معدلات التضخم ونقص العملات الأجنبية والغذاء. وبالتالي تراجعت العملة، التي كان يُفترض أن تُساوي الدولار الأمريكي، لتصبح قيمتها 84 سنتاً فقط مقابل الدولار الأمريكي.
وهكذا، ومن خلال تتبُّع مقدار الاموال المتوفرة من الدولار الأمريكي والذي يمكن تتبُّعه بشكل تقريبي، إلا أنّ تجربة زيمبابوي أوضحت لنا مدى صعوبة تتبُّع مقدار الأموال التي تملكها دولةٌ واحدة في الأسواق العالمية، ناهيك عن مقدار الأموال الموجودة في العالم فعلياً.
مع ذلك لم تُثنِ تلك الصعوبات والتعقيدات البعض عن المحاولة في تقدير الأموال الموجودة في العالم.
أقرب التقديرات لمقدار الأموال الموجودة في العالم جاءت من جيف ديسجاردينز، وهو رئيس تحرير موقع Visual Capitalist، في عام 2015. وقد نشر تحديثاً لتلك الأرقام في عام 2020.
جمع جيف ديسجاردينز فضة وذهب العالم كلّه، وأهم البورصات في العالم، والعملات الرقمية، وغيرها ليخرج بقيمةٍ تقريبيَّة تُعادل هذا الرقم: 2.7 كوادريليون دولار أمريكي.
وهكذا سيبدو الرقم إن كتبناه كاملاً: 2,745,319,000,000,000. وهو قدرٌ هائلٌ من المال. كما قدّر جيف أنّ إجمالي قيمة العملات المعدنية والأوراق النقدية في العالم تُساوي 6.6 تريليون دولار.