جفرا نيوز - د. سعاد ملكاوي
إن المتتبع لما يجري على الساحة الأردنية يدرك جلياً بأن مفاهيمنا تجاه قضايا الوطن ما زالت تعاني من القصور، في الفهم تارةً، وفي التطبيق تارةً أخرى، وفي هذا الصدد فمن المؤكد بأننا لا نتكلم عن ادراك المفاهيم بمعناها المجرد والمعتمد على ثلاثة أبعاد(اللغة واشتقاقاتها، مرجعية المفاهيم ، أو البنى الاجتماعية) بل بمقصدها الحسي التطبيقي المجمع عليه من قبل عامة الأفراد وفي غالبيتها واضحة ولا لبس فيها.
والقضية هنا ليست بالبحث عن مصدر معرفتنا بهذه المفاهيم بل ارتباطها بردود فعل الفئات الشعبية إزاءها، فكم من شخص فسر الولاء للوطن، والشعور بهوية الوطن بارتفاع منسوب الجانب الخدمي بل وتداخل مفهوم الخدمية ليصل في كل مرة إلى البحث عن مصلحة الذات فقط على حساب الوطن وعدم الاكتراث بالمصلحة العامة.
وما أفرزته كورونا من تداعيات على المستويات السياسية، والاقتصادية، والتعليمية والاجتماعية وغيرها في بلدٍ يعاني في الأساس من شحٍ في الموارد، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع قاعدة الفقر، كان له أثراً بارزاً بتشكل ضبابية الفهم في النظرة لمشكلات الوطن وتفسيرها، وبالتالي السلبية في البحث عن الحلول الآمنة لها، ناهيك عن زيادة درجة الغوغائية، والتعصب للراي الذاتي، أو الجمعي، وفي المحصلة النهائية انتشار الفوضى والتشتت الفكري، والعاطفي لدى الأفراد.
ويبقى السؤال... هل نتعامل اليوم مع المفاهيم والقضايا كتعبير عن شخصيتنا الذاتية ذات النتاج الذهني الخاص، أم نتعامل بشخصية الجماعة التي ننتمي لها، وما تمثله من عادات وتقاليد وموروث شعبي؟ وهنا بواقع الحال وفي حديثنا عن الحس الجمعي لا نعني لا نقصد بالتحديد الجماعات الحزبية، أو المنظمات الفكرية، أو مجموعة نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي بقدر ما نتكلم وبكل بساطة عن حب المزارع ، والعامل، والمعلم، والموظف الحكومي للوطن وقدرته في التعبير عن هذا الشعور من خلال تعميق مفهوم المسؤولية المجتمعية ، واحترام القوانين، والإيمان بمبدأ تكافؤ الفرص، والابتعاد عن المحسوبية، والشللية، والوساطات،وتشجيع مفهوم التطوع وبث الحس الإيجابي في التعامل مع كافة القضايا المجتمعية بكل هدوء وحزم والابتعداد عن الاندفاع والعصبية.
ما زال الصغيرفينا والكبير... المتعلم منا والمثقف... السياسي ورجل الدين والاقتصلدي وجميع من يمثل الوطن، يعي بان الانتماء للوطن طريق واضح لتحقيق السعادة، والتنمية بكافة أوجهها، وأن التصدي للمشكلات يكون بالتروي قبل اتخاذ خطوات يغلب عليها التسرع ولا بد أن نراجع انفسنا في كل خطوة قبل حدوث ازمات كارثية تولد الندم والدمار، ولذلك التركيز التركيز على الفهم الشمولي المؤطر بالتفكير النقدي في حل المشكلات ومسبابتها،إذ لم تكن المسألة يوماً ( شريعة غاب) أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما وليس أنا وابن عمي على الغريب كما يقال ولكن لا بد أن نعي بأن النقد أساس الإبداع، والمعرفة بالشيء خيراً من الجهل به، وإن الحرية الفكرية خيراً من الانقياد وراء الافكار السلبية والأهواء المدمرة والأجندات المغرضة، وأن الهروب من مجابهة المشكلات وعدم التصدي لها بما يكفل الحقوق للمواطن بات أمراً مستحيلاً فلا حب فوق حب الوطن ولا انتماء فوق انتمائه ، وإن التسلح العلمي والمعرفي والفكري في ظل الطفرة المعرفية بات الخيار الأفضل من العشوائية، والجدلية السفسطائية التي تضيع الوقت وتبدده، فالتأرجح وعدم الثباتية أساس الفشل فلا أضع نفسي اليوم مع فلان وغداً ضد فلان ، فلنوحد صفوفنا ولنرفع راية الوطن خفاقة، كلٌ في مكانه وضمن مجاله ودوره في المجتمع، وهنا لا بد من الإشارة لدور الإعلام المسؤول ولمضمون الرسالة الإعلامية المهمة في التصدي للشائعات، وتوخي الحذر في نقل المعلومة وبثها ، فلا زال الكفاح عبر التاريخ من أجل الرفعة والبقاء لا من أجل التخلف والاندثار، عاش الوطن والقائد والشعب الأبي الذي لا ولن يرضى بالذل والمهانة .