لم تخرج معظم الأفلام السوفييتية والروسية مثل "هكذا بدأت الأسطورة" المنتج في 1976 عن الترويج لقدرة المواطن السوفييتي على تحقيق الريادة عالمياً رغم ظروف الحياة الصعبة، والنضال ضد الاحتلال النازي، ولاحقاً ضد الغرب في إطار الحرب الباردة وجهود محاربة الشيوعية.
ومع احتدام التنافس والصراع مع الغرب، أطلقت المحطات الروسية برنامجاً كبيراً للاحتفاء بإنجازات غاغارين والعلماء الروس، وتمكنهم من الفوز بالسباق على الغرب في بلوغ الفضاء. ولم تقتصر الأعمال على التحليق الأول، بل تجاوزته إلى التذكير بأنّ رواد الفضاء السوفييت كانوا السباقين إلى الخروج للفضاء الخارجي في 1965 عبر فيلم "وقت الأوائل" الذي عرضته للمرة الأولى قناة "أو إر تي" الحكومية. ويروي في إطار قصة إنسانية خروج رائد الفضاء أليكسي ليونوف، لأكثر من 12 دقيقة إلى خارج المركبة الفضائية والصعوبات التي واجهها الفريق أثناء أول حركة للإنسان في الفضاء.
وبالإضافة إلى العروض والاحتفالات في موسكو، تشهد جميع مناطق روسيا، بمدنها وقراها، فعاليات احتفالية منها أفلام مجانية تعرض في المراكز الثقافية والاجتماعية، بالإضافة إلى الأمسيات في الهواء الطلق والألعاب النارية وغيرها، ومن المنتظر أن يشارك الرئيس فلاديمير بوتين، في الاحتفالات عبر زيارة مكان هبوط المركبة التي أقلت غاغارين في بلدة إنغيلس في مقاطعة ساراتوف جنوب غربي روسيا، ويحضر اجتماعاً حول تطوير قطاع الفضاء.
ولا تقتصر الاحتفالات على روسيا التي أطلقت قبل أيام قليلة مركبة فضاء مأهولة تحمل اسم غاغارين إلى محطة الفضاء الدولية. فقد احتفت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا"، في الرابع من الشهر الجاري، برائد الفضاء الأول، في فعالية افتراضية حملت اسم "ليلة يوري" (Yuri's Night)، أعلن خلالها نائب مدير مركز كينيدي للفضاء، كالفن مانينغ، عن أهمية الحدث في قصيدة شعر، أشار فيها إلى أنّ بعثات مماثلة لرواد الفضاء الأميركيين أعقبت إنجاز الاتحاد السوفييتي. وذكَّر البشرية بضرورة الوحدة في حلّ المشكلات العالمية، قائلاً: "لقد مرّ 60 عاماً منذ بلغ الإنسان للمرة الأولى الفضاء. بدأ كلّ شيء برائد فضاء يدعى غاغارين. سرعان ما لحقت الولايات المتحدة بالبطل. كان ذلك خلال الحرب الباردة، عندما تعلم الأطفال الاختباء تحت مكاتبهم في حالة حدوث انفجار نووي".
وفي إطار "ليلة يوري"، أكدت رائدة الفضاء الأميركية السابقة كاثرين كولمان، أنّ من المهم أن يحتفل العالم بأسره برحلة رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين إلى الفضاء، خصوصاً في محطة الفضاء الدولية، موضحة أنّ "هذه ليلة مثيرة للغاية بالنسبة لي حين كنت في محطة الفضاء الدولية في الذكرى الخمسين (للرحلة). لقد كان الأمر يعني الكثير بالنسبة لي ولكلّ الطاقم".
من جانبه، قال رائد الفضاء الأميركي رون غاران، إنّ رحلة غاغارين إلىالفضاءكانت الخطوة الأولى نحو وحدة البشرية، التي كانت آنذاك منقسمة إلى معسكرين متعارضين: "لقد ولدت في العام الذي ذهب فيه غاغارين إلى الفضاء. لقد كانت ذروة الحرب الباردة. وبعد 50 عاماً، تقريباً في نفس اليوم ومن نفس الموقع الذي انطلق منه غاغارين إلى الفضاء، انطلقت أنا إلى الفضاء، كجزء من طاقم روسي، من بينهم عسكريان روسيان، على سفينة فضاء تدعى غاغارين. وبينما كنا نقف عند سفح الصاروخ في ميناء الفضاء السوفييتي السري سابقاً، رأيت أنّ الصاروخ حمل علمًا أميركياً إلى جانب العلم الروسي. بقيت هذه الصورة معي إلى الأبد".
كما تذكر رائد الفضاء كيف كان، قبل الطيران إلى الفضاء، طياراً عسكرياً خدم في ألمانيا الغربية، وكان يستعد للصراع مع الاتحاد السوفييتي. وأضاف: "لكنّ رحلة غاغارين كانت الخطوة الأولى نحو تشكيل حضارة واحدة للبشرية. انطلقت شرارة التطور، وأتيحت الفرصة للناس للانفصال عن أصولهم المتواضعة والارتقاء فوق أنفسهم، بالمعنى الحرفي والمجازي".
وبعد ستين عاماً على التحليق الأول للبشر إلى الفضاء الخارجي، أنتجت البشرية مئات الأفلام الوثائقية والدرامية والمسلسلات عن رحلة غاغارين التي لم تتجاوز 108 دقائق منها 50 دقيقة فقط خارج نطاق الجاذبية الأرضية، ومن المؤكد أنّ هذه الرحلة ستبقى حاضرة في جميع الأعمال الفنية حول تاريخ غزو الفضاء.