النسخة الكاملة

التنمر ضد النساء ناقوس خطر يطرق الأبواب

الخميس-2021-04-07 08:32 am
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - موجة من السخرية المصحوبة بالتجريح والذم والقدح، بلغ بعضها حد التهديد طالت العديد من النساء خلال خوضهن معترك الحياة العامة في الأعوام الخمسة اﻷخيرة، من بينهن النائبة السابقة في البرلمان الـ18 ديمة طهبوب، والناشطة والمترشحة السابقة في انتخابات 2020 روان بركات، برغم انتماءاتهما السياسية والايديولوجية المتعاكسة.

وخلال 4 أعوام من العمل النيابي، شكّلت المواقف السياسية لطهبوب، مادة خصبة لـ”المتنمرين” بحسبها، استهلها ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي بمنشور ادعى فيه استنكافها عن الوقوف دقيقة صمت تحت قبة البرلمان، حدادا على أرواح من أسمتهم خلال حديثها، شهداء تفجير الكنيسة القبطية في مصر في نيسان (أبريل) 2017.

وكانت الحادثة الأبرز والأكثر جدلا، عندما نُشرت صورة مركبة لطهبوب، تمتطي حصانا رافعة سيفا يقطر دما، في إشارة إلى "داعش”، على خلفية رفعها رسالة إلى وزير الداخلية آنذاك، تدعوه لفرض عقوبات "مجتمعية تعزيرية” على المفطرين في رمضان.

وتقول طهبوب، التي تعرضت لحوادث تنمر الكتروني، "غالبا، التنمر كان بسبب خلافات على قضايا بنيتها اجتماعية أو سياسية، وأي طرف كان يخالفني كان يعتقد بأنني هدف سهل، لأني امرأة أو ﻷنني ربما محجبة، وأن فكرة الدرويش الطيب الذي قد لا يرد تنطبق علي”.

وعن أول حوادث التنمر التي تعرضت لها، أوضحت أن "أول موقف كان متعلقا بالكنيسة القبطية من ناشط يساري، وهي كذبة لفقت لي لأنني لم أقف دقيقة صمت على أرواح شهداء التفجير، ونشرت صورة موثقة من المجلس، أن ذلك لم يحدث لكنه استمر في الخطأ”.

لكن طهبوب التي خرجت من العمل النيابي بحصيلة 5 شكاوى قضائية مختلفة، سجلتها بحق "متنمرين”، ترى أن اللجوء إلى القضاء والمظلة القانونية، كان "ردا” على خروج النقد عن الإباحة، إلى "الشيطنة واغتيال الشخصية”.

وأضافت "نشاطي على مواقع التواصل ورغبتي بأن أكون مشاركة في الحديث العام كنائب لا أتوارى في الزوايا، عرّضني لكثير من النقد الذي يستهدف خصوصياتي. والاصل هنا في أي خلاف، أن يحميه القانون كمظلة عند عدم التوصل إلى توافق، وهذا بالفعل ما فعلته، عندما أصبح هناك شخصنة، وعدم احترام للعرض والاخلاق واغتيال الشخصية”.

وتفاوتت ردود الفعل على ما سجلته طهبوب من شكاوى، إذ أسقط بعضها إبان العفو العام، فيما أسقطت هي حقها الشخصي في قضايا أخرى، لاعتبارات تتعلق بـ”مواجهة الفكرة” وليس الشخوص، على حد تعبيرها.

لكنها تعرضت لاحقا لحوادث تنمر سياسي أخرى، بينها توجيه تهديدات لها بـ”القتل وقطع الايادي”، ومنشورات من ناشط آخر، تضمنت قدحا وذما شخصيا، انتهت بحكم قضائي لصالحها بالتعويض، تبرعت به لتعليم طلاب لدى جمعية خيرية.

وعما دفعها ﻹسقاط بعض القضايا من جهتها، أوضحت أن "الهدف لم يكن الشخوص، بل أردت إيصال رسالة، تفيد بأن النقد مباح، لكن المرأة حيطها مش واطي”، وأن "الاحترام يجب أن يكون سقفا للخلاف في الميدان العام”.

وأضافت "عندما حكم لي في قضية كان هناك تعويض شخصي وكسبتها في كل مراحلها، تعمدت إرسال رسالة، تبين أن الهدف لم يكن شخصيا بل ﻹثبات موقف، وتبرعت ﻷحد طلاب العلم بالتعويض، وواجهت تهديدات أخذتها على محمل الجد، من بينها تهديد بقطع الايادي من طالب سنة أولى جامعة، قدم نفسه على انه ليبرالي متنور”.

طهبوب التي تعتبر من قيادات حزب جبهة العمل الإسلامي والحركة الإسلامية منذ التسعينيات، وواحدة من أهم النواب السابقات عن كتلة اﻹصلاح النيابية في البرلمان الـ18 وأكثرهم نشاطا، تعتقد بأن ظاهرة التنمر ضد المشتغلات في العمل العام، تعود بالأساس إلى كونهن نساء ولا، مشيرة إلى أن التنمر، أقصى العديد من النساء في العمل العام، بخاصة في ظل غياب حاضنة "اجتماعية أو سياسية أو حزبية قوية” تساندها.

ولعل الصمّود أمام هذه الحوادث والتصدي لها، وفقا لطهبوب، وتقادم الممارسة السياسية، تجعل الانسان أكثر "اتساعا في رؤيته، ليصبح تقييمه أكثر صبرا وتحمّلا لما يحدث، لكن دون أن ينال ذلك من الحق القانوني” للحماية.

وأضافت "في الاعوام الأخيرة من العمل النيابي، أصبحت أكثر صبرا وتأنيا في الرد على أي تعليقات، وهذا لم يؤثر على رغبتي في مغادرة العمل العام. سأبقى وليس بالضرورة من خلال النيابة، مع تمسكي بطبيعة الحال بقوة القانون إن تطلب اﻷمر ذلك، وأقول بكل تأكيد لم أكسر”.

تشير دراسة سابقة لمركز الحياة "راصد” ولجنة المرأة النيابية في المجلس الـ18 مطلع 2020، إلى أن 87.2 % من الناشطات السياسيات يعتقدن بضرورة إقرار وثيقة اخلاقية، تحكم عمل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بينما أيدت سيدات نواب وناشطات في الدراسة، أن النساء في المناصب القيادية هن اﻷكثر تعرضا للتنمر. ورأت 40.7 % منهن، أن النظرة النمطية للمرأة سبب وراء ظاهرة التنمر.

من هنا، تعتقد طهبوب، بأن هذه الظاهرة تنسحب على الرجال والسيدات، وأنها تؤثر سلبا على حياة الأفراد، قائلة إن محاربتها تبدأ من المدرسة أولا، ومراجعة الأنظمة الداخلية في المؤسسات العامة والخاصة، وإقرار مدونات سلوك "مفعّلة” تفرض إجراءات على المتنمرين، عدا عن ضرورة "الاعتراف بهذه الظاهرة رسميا”.

تشريعيا، يعتبر قانون الجرائم الالكترونية، بخاصة المادة 11 منه، من القوانين الأكثر جدلا وتأثيرا على مستخدمي مواقع التواصل، لما تتضمنه من فرض عقوبة الحبس في حال إعادة أو نشر معلومات، تنطوي عل "ذم أو قدح أو تحقير”، وترى طهبوب أن هذا القانون مطلب أساس، لكن بصيغة أكثر انضباطا وإحكاما.

وقالت إن "التشريعات مهمة جدا، وقد نفر الناس من قانون الجرائم الالكترونية، لأن المجتمع ظن أن القانون يستهدف فقط حرية التعبير، لكن فيه كثير من القضايا التي يمكن الحد منها”.

وشرحت إن "هذا القانون قد يكون فيه جانب يحارب ظاهرة التنمر وجرائم الانترنت، القصد ان أي قانون كهذا، لابد من أن يمنح ضمانات بحرية التعبير والنشر للصحفيين، ولكن فيما يخص المجتمع، نحن بحاجة إلى ضوابط لضمان استدامة الأمن الاجتماعي”.
وتتبنى منظمات مجتمع مدني، مبادرات لمواجهة ظاهرة التنمر والعنف السياسي ضد النساء، بخاصة مع تزايد تلك الحوادث في الاعوام الخمس الأخيرة.
وأطلقت الحكومة عبر وزارة الثقاقة منتصف العام الماضي، نافذة الكترونية للحملة الوطنية لنشر التربية الإعلامية والمعلوماتية (ثقتنا) للاعوام 2020 الى 2023، لإدماج مفاهيم التربية الاعلامية والمعلوماتية ومهاراتها في النظام التعليمي، ونشرها في المدارس والجامعات.

وتتضمن الحملة تأسيس نواد للتربية الإعلامية والمعلوماتية في مدارس وجامعات وهيئات ومؤسسات ثقافية وشبابية، كأطر مؤسسية غير رسمية، لتنظيم عمل نشر مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية ومهاراتها.

كما تعد أداة من أدوات الاستدامة، تهدف إلى لتعزيز المضامين المراعية لمبادئ حقوق الانسان، ومحاربة الاخبار المفبركة وتعزيز مصداقية الاعلام، وتطوير مدونة سلوك في مسائل الجندر واحترام حقوق الإنسان. ولم يعرف للآن كم عدد النوادي التي تأسست للآن.

في تجربة أخرى تحاكي شكلا جديدا من أشكال العنف ضد النساء في العمل العام، قوبل ترشّح مديرة مؤسسة "رنين”، والناشطة المختصة في قضايا التعليم روان بركات للانتخابات البرلمانية 2020 عن الدائرة الثالثة في العاصمة، بعدة حوادث من التنمر اعتبرتها "غير منظمّة” لكنها متعددة.

ولم يتردد أحد المعلقين عن انتهاك حق أساسي من حقوقها كمواطنة مترشحة، تسعى لتمثيل المجتمع برمته وليس فئة ذوي الاعاقة فحسب، على حسابها على موقع (تويتر) بالسخرية من ترشحها، قائلا "معقول للهدرجة صارت هيك الانتخابات؟ وانتي اللي حتعملي تغيير دخلك، ليش هو أنت شايفة ايشي عفوا علشان تعرفي تغيري؟ والله الحق مش عليكي. الحق على اللي ضحك عليكي وقلك رشحي حالك”.

تقول بركات لـ”الغد” إن "الحملة لم تكن منظمة، لكنني أستطيع أن أؤكد أن دوافعها على الترتيب بوصفي امرأة وشابة ومن ذوي الاعاقة البصرية، وأيضا بسبب الحكم على مظهري الخارجي، ربما ﻷنني غير محجبة وأحمل أفكارا مختلفة”.

وتأسف بركات من أن هذه الحوادث، صدرت من ناشطات سيدات، قالت إنهن تناسين اعوام بحثها الطويلة في مجالها ونضالها في قضية التعليم والتعليم الدامج لذوي اﻹعاقة”، وتأسيسها لمبادرة "رنين” غير الربحية في 2009، التي تعنى بتنمية مهارات الاستماع والتواصل لدى الطلبة، بتوظيف القصة المسموعة والفنون المختلفة، كالدراما وصناعة الدمي في المناهج المدرسية والمراكز المجتمعية، وحصلت خلالها على 6 جوائز محلية وعربية دولية.

وفيما أكدت بركات، أنها لم "تندم على قرار الترشح”، كما أن التنمر لم ولن يثنيها عن العودة للعمل العام عبر عدة بوابات، سواء النيابة، شريطة سنّ قانون عادل يعتمد الوطن كدائرة انتخابية واحدة، أو مشروعها القائم، أو أي اطر أخرى.

وتقول إن "تجربة الانتخابات، كانت ثرية وفرصة مهمة للتعلم والبحث، بخاصة لمتطلبات الحملات الانتخابية والمناظرات التي حملت فيها شعارات وقضايا تفصيلية، تمحورت حول التعليم والتعليم الدامج، وتعزيز الفرص للنساء والشباب”.

وبرغم الخسارة التي لحقت بقائمة "بكرا” التي ترشحت فيها بركات، لكنها تجزم بأن أسباب الخسارة غير مرتبطة بحوادث التنمر، بل بقانون الانتخاب لسنة 2016 "غير العادل في التمثيل ولا بتوزيع الأصوات، ومقاطعة الأغلبية العظمى من الناخبين لصناديق الاقتراع، بخاصة في الدائرة التي ترشحت فيها، وتسمى شعبيا دائرة الحيتان”، على حد قولها.

وتضيف بركات "هذه ليست دائرة حيتان.. هذه دائرة الكسلانين الذين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع. التحدي المالي كان أساسيا، وقلة إيمان الناخبين بجدوى الانتخاب واﻹصرار على إجراء الانتخابات في ظروف استثنائية، أسباب وراء عدم الوصول للبرلمان. التنمر باعتقادي لم يكن سببا في ذلك”.

لم تلجأ بركات إلى القضاء أو المسار القانوني للرد على المتنمرين، بل ذهبت لإعادة نشر وتوزيع ما كتبوه، للفت الانتباه حول هذه الظاهرة وتفشيها، فيما أكدت أنها لم ترغب أيضا باستخدام قانون الجرائم الالكترونية، الذي تعتبرهمن "القوانين المقيدة لحرية التعبير” اليوم في البلاد.
وتضيف "عندما تحدثت عن التنمّر، لم أوجه شتائم ولم يصدر مني أي إساءات، وسعيت لتنبيه الناس من خطورته. هناك حالة لاستضعاف ذوي الاعاقة والمكفوفين، وبعض الاصدقاء عبروا عن خشيتهم من أن أتأثر سلبا بالتنمر، وهذا سيكون بالفعل، لو كانت امرأة أخرى ستخشى العودة لممارسة حياتها الطبيعية مرة أخرى”.

وأشارت بركات، إلى أن العديد من معارفها عبروا عن سعادتهم، بعدم نجاحها في الفوز بمقعد برلماني، لـ”عدم إيمانهم بإحداث تغيير في ظل هذا المناخ السياسي، لكنهم كانوا مؤمنين تماما بهدفي”.

وتحمّل بركات المسؤولية في تنامي ظاهرة التنمر لعدة أطراف، أولها صانعي القرار والمجتمع أيضا، قائلة إن محاربتها تبدأ بتعديل وتطوير المناهج التعليمية، وإعادة بناء الرسائل الاعلامية في معالجة قضايا المرأة، والتوقف عن التنميط، وينسحب ذلك أيضا على ذوي الاعاقة.

وأضافت "هناك صور نمطية صادمة، كأن يصور ذوو الاعاقة على أنهم دائما فقراء ومتسولون (…). لم أرغب بمقاضاة أحد ممن تنمروا علي، لأنهم ضحايا لمخرجات تعليمية قاصرة عن تعزيز مفاهيم اختلاف دور المرأة في المجتمع”.

ودعت بركات لإقرار سياسيات مؤسسية في الدعاية المتعلقة بالنساء وقضاياهن، واعتماد مدونات سلوك على كل المستويات، من بينها التوقف عن استخدام المرأة كمصدر لـ”النكات”، معتقدة بأن العقوبات لا تكفي، وأن الحاجة ملحة أكثر لتغيير الثقافة المجتمعية.

وكانت بركات من بين بضعة مترشحين من ذوي الإعاقة في انتخابات 2020، لكنها تبنت في حملتها الانتخابية ملفات متخصصة كالمرأة والشباب والتعليم والتعليم الدامج، ضمن عقد محدد غير قابل للتجديد وقابل للقياس، كذلك عدة مواقف تتعلق بمحاربة التحرش في المجتمع.


الغد