لا يزال شبح كورونا يلاحق أرباح الشركات وموجوداتها، هذه الازمة التي أتمت عامها الأول لا زالت تفتك بنشاط عدة شركات لم يشفع لها أسمها وتاريخها او حتى موجوداتها، فالمصاريف التي تكبدتها الشركات المحلية بغض النظر عن حجم نشاطها –كبيرة، متوسطة او حتى صغيرة ومتناهية الصغر-كانت كفيلة بالقضاء على الأرباح وفي بعض الشركات تم تسييل الموجودات لتغطية التكاليف، أو حتى ان الموجودات لم تكفي للوفاء بالالتزام كون اغلب الشركات الناشئة والمتوسطة لا تمتلك العديد من الموجودات.
محلياً، تباين أثر الجائحة اعتماداَ على نوع القطاع وحجمه، فهنالك من وجدها فرصة جيدة لتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وعلى النقيض هناك من وجدها تهديد فعلي للقطاع بأكمله. الصناعات المحلية مثل (الدوائية، المستلزمات الطبية، الغذائية) وجدت أن الجائحة سلطت الأضواء على الإنتاج المحلي الذي استطاع ان يواكب الطلب المستمر من المستهلك. من ناحية أخرى، قطاعات مثل (السياحة، التعدين، الانشاءات والمقاولات، المقاهي والأندية الرياضية) تضررت من الجائحة بسبب القيود التي تم فرضها من الحكومة بخصوص نسبة العمالة وساعات الحظر الجزئي بالإضافة الى قيود السفر فيما يتعلق بالقطاع السياحي.
البنك المركزي الأردني الذي أطلق العديد من الإجراءات الاحترازية لمواجهة الجائحة ودعم القطاعات المتضررة منها مثل تأجيل أقساط التسهيلات الائتمانية، تخفيض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، ضخ سيولة إضافية للبنوك بمبلغ 1050 مليون دينار من خلال تخفيض نسبة الالزامي على الودائع لدى البنوك من 7% الى 5% الامر الذي وفر سيولة تقارب 550 مليون دينار بالإضافة الى عمل اتفاقيات إعادة شراء مع البنوك بمقدار 500 مليون دينار لآجال تصل لسنة، تخفيض كلف تمويل برنامج البنك المركزي لتمويل ودعم القطاعات الاقتصادية التنموي بنسبة 0.5%-0.75% مع زيادة الآجال المتاحة للسلف واخيراً دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بمبلغ 500 مليون دينار بكفالة الشركة الأردنية لضمان القروض.
القطاع المصرفي كان له دور كبير في دعم الاقتصاد الوطني في ظل تراجع أداء القطاعات الأخرى، واظهر تقرير اعده البنك المركزي بأن القطاع المصرفية سليم ومتين نظراً لمؤشراته الجيدة حيث يعتبر حجم موجودات القطاع كبيراً مقارنة مع حجم الاقتصاد بنسبة 261% الى الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت نسبة السيولة 47% وكلما ارتفعت هذه النسبة ارتفعت نسبة الأمان وقدرة البنوك على تمويل الاقتصاد مع الإشارة الى أن الديون غير العاملة او المتعثرة في الأردن مغطاة بمخصصات تصل لحوالي 80% من قيمتها بمعنى انها لا تشكل مخاطر على الجهاز المصرفي.
من خلال قراءة أداء القطاعات المحلية، نجد أن قطاع مثل قطاع المستلزمات الطبية –على سبيل المثال-حقق نسب مبيعات مرتفعة خلال الجائحة لكن أغلب هذه المبيعات هي ذمم مستحقة الدفع مترتبة على الحكومة، يضاف الى ذلك جهود رجال الاعمال الذين لبوا دعوة جلالة الملك عبدالله الثاني لدعم الاقتصاد المحلي فقاموا بأنشاء مصانع الكمامات والمستلزمات الطبية الضرورية لمواجهة الجائحة وتحملوا تكاليف الانشاء وخطوط الإنتاج والعمالة بالإضافة المواد الخام التي تتباين أسعارها بشكل شبه يومي، ثم تم السماح باستيراد الكمامات من البلدان المختلفة بمواصفات متفاوتة ليتم بيعها بأسعار تكاد تصل الى تكلفة المنتج المحلي وبالتالي انخفاض مبيعات المنتج المحلي وتدهور ايراداته في بداية عمر المشروع علماً بأنه يتطلب ضخ سيولة في هذه الفترة، وبالتالي فأن انخفاض السيولة قد يكون سببا للتعثر.
خلال العامين الماضيين قام القطاع الحكومي بدفع جزء من مستحقات القطاع الخاص مثل المقاولين وشركات ومستودعات الادوية، وشركات المشتقات النفطية بالإضافة الى مستشفى الجامعة الأردنية والخدمات الطبية الملكية، الامر الذي ترك اثراً ايجابياً وحفز على إعادة تدوير هذه المبالغ في عجلة الاقتصاد المحلي وتنشيط الطلب وديمومة الحركة.
في نهاية المقال، أرى انه أصبح لزما على القطاع الحكومي دفع المستحقات للقطاع الخاص علما بأن قيمة هذه المستحقات في تزايد مطرد، والعديد ان الكثير من هذه الشركات قائمة على هذه الذمم وتمارس نشاطها بالاعتماد على هذه المبالغ التي يتم تحصيلها. مع الإشارة الى ان هذه القطاعات تحملت الكثير واستنفذت حلولها الذاتية والمصرفية، وفي حال لم يتم دفع هذه الذمم قد تضطر هذه الشركات للتصفية الاجبارية والخروج من الأسواق بسبب سوء بعض القرارات الحكومية علماً بأن الاقتصاد الوطني حقق تراجعا بنسبة 1.6% للعام 2020.
ثامر الشرايعه
ماجستير اقتصاد الاعمال – الجامعة الأردنية
Thamerabbadii@yahoo.com