جفرا نيوز -
جفرا نيوز- قصر متنقل في شكل طائرة ضخمة نفاثة، لا يوجد مجال لتعطلها أو فشلها، حتى لو وقع هجوم نووي على الأرض. إنها تماما كما ينقلها فيلم الحركة الأمريكي "إير فورس وان" (Air Force One) الذي لعب فيه الممثل هاريسون فورد دور رئيس الولايات المتحدة.
تبدو طائرة "بوينغ 757″ المعروفة بـ"إير فورس وان" مدنيّة في الشكل، لكنها في الأصل عسكرية بامتياز، إذ تتحول إلى مخبأ قادر على حماية الرئيس عند الحاجة، ومزودة بعتاد مضاد للصواريخ البالستية، كما أن جسمها كله -بما في ذلك النوافذ الزجاجية- مضاد للرصاص.
عندما دخلت هذه الطائرة الخدمة كانت الولايات المتحدة غارقة في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي. آنذاك، اقترح القادة العسكريون في واشنطن تصميم طائرة عسكرية بمواصفات مدنيّة لجعل مهمة استهداف الرئيس شبه مستحيلة.
واليوم، أضحى أسطول طائرات "إير فورس وان" -رغم الانتقادات التي تلاحق تكاليفها- واحدا من أبرز رموز الرئاسة في أمريكا وأكثرها شهرة، فالطائرة مزينة من الخارج بعبارة "الولايات المتحدة الأمريكية"، والعلم الأمريكي، وختم رئيس الولايات المتحدة، وهي كلها أمور تمنح الطائرة هيبة خاصة.
تاريخ "إير فورس وان"
تاريخيا، كان الرؤساء الأمريكيون يتنقلون عبر القطارات داخل التراب الأمريكي. لكن بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية واختيار القادة في واشنطن إنهاء حقبة العزلة الدولية والانفتاح على "العالم القديم"، كان لا بد للرئيس الأمريكي من طائرة عسكرية قادرة على حمايته في أسفاره عبر العالم.
وفي 1943، اقترحت القوات الجوية للجيش الأمريكي تخصيص طائرة عسكرية للرئيس عوض الاعتماد على الطائرات التجارية، وكانت طائرة "سي 87 ليبراتور إكسبريس" أول طائرة مخصصة لنقل كبار الشخصيات الأمريكية إلى الخارج. وطبعا أَدخلت القوات الجوية تغييرات كثيرة على الطائرة حتى تصبح آمنة وفي الوقت نفسه مريحة للرئيس ومرافقيه.[1]
لاحقا، ظهرت عيوب عديدة متعلقة بالسلامة في هذه الطائرة، فتم التخلص منها واللجوء إلى طائرة عسكرية أخرى من نوع "دوغلاس سي 54 سكاي ماستر". وهذه الطائرة هي التي حملت الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت (1882-1945) إلى مؤتمر يالطا الشهير في فبراير/شباط عام 1945، كما استخدمها الرئيس هاري ترومان (1884-1972) لفترة وجيزة.
في 1959، ومع قرب نهاية فترة ولاية الرئيس دوايت آيزنهاور (1890-1969) الثانية، اشترت القوات الجوية الأميركية أول طائرة من نوع "بوينغ 707-120" النفاثة المصممة لمهمات عسكرية خاصة. واعتبر القادة العسكريون المسؤولون عن حماية الرئيس أن تكنولوجيا هذه الطائرة وسرعتها العالية صالحة لمهمة السفر لمسافات طويلة.
وقد استخدم آيزنهاور هذه الطائرة في جولة آسيوية ضمت 11 بلدا، وحلقت لمسافة 35 ألف كيلومتر في أقل من 19 يوما، أي بمعدل يتجاوز ضعف السرعة التي كانت تقطعها الطائرة الرئاسية السابقة. ولاحقا أضحت هذه الطائرة المفضلة في البيت الأبيض لسنوات عدة.
ومع تولي الرئيس جون كينيدي (1917-1963) الرئاسة في عام 1962، دخل الأسطول الرئاسي عهدا جديدا. فالرئيس كينيدي هو الذي دفع القوات الجوية للتعاقد مع شركة بوينغ لتصميم الطائرة الحالية "إير فورس وان" من نوع "بوينغ 707".
وكان لزوجته جاكي كينيدي تأثيرا كبيرا على الشكل الحالي المعروف للطائرة، فقد قامت السيدة الأولى آنذاك بتكليف المصمم ريموند لوي بإعداد تصميم داخلي جديد لـ"إير فورس وان"، وأشرفت على إعادة تصميم الجزء الخارجي الأزرق الذي تُعرف به الطائرة الرئاسية حاليا.
طائرة عسكرية بثوب مدني
تتوفر الطائرة الرئاسية على عدد هائل من صفارات الإنذار، وتتحول فعليا إلى قبو يختبئ فيه الرئيس في حال وقوع كارثة نووية على الأرض، كما أنها قادرة على التحليق أعلى بكثير من الطائرة التجارية العادية ولمسافات طويلة قد تستمر لأشهر عدة عند الضرورة القصوى.
ويتوفر الرئيس منذ سنة 1990 على طائرتين رئاسيتين جاهزتين للخدمة على الدوام، إحداهما جاهزة دائما للطيران تحت أي ظرف.[2]
ووفقا للموقع الرسمي للبيت الأبيض، فإن جميع الرؤساء الأمريكيين يتوفرون على مركز قيادة تحت تصرفهم، وتخضع الأجهزة الإلكترونية الموجودة على متن الطائرة لمراقبة وتشديد صارمين لحمايتها من أي إشعاع كهرومغناطيسي أو تفجير نووي، كما تم تزويدها بمعدات اتصال آمنة ومتطورة للتصدي لأجهزة التجسس التي قد تلاحق اتصالات الرئيس الأمريكي.
وبالإضافة إلى هذه الخصائص، زوّد الجيش الأمريكي الطائرة بأربعة محركات قوية لرفع حظوظ الرئيس في النجاة لو تم استهدافه بصاروخ عالي الدّقة في الجو.
وإذا كانت طائرة "إير فورس وان" تستخدم في الأسفار الطويلة، فإن الرئيس الأمريكي غالبا ما يستخدم مروحيات "مارين وان" (Marine One) في الرحلات الداخلية، وهي أيضا مروحيات مجهزة بالدروع البالستية وصواريخ دفاع مضادة. ويقوم أكثر من 800 فرد من قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) بالإشراف على عمل أسطول مارين وان.[3]
وبالإضافة إلى "إير فورس وان"، يعمل أسطول الطائرات المعروف بـ"إير فورس تو" بنقل أكبر الشخصيات الأمريكية، خاصة نائب الرئيس، إذ يستخدم الأخير طائرة من طراز "سي 32 إيه" مماثلة لطائرة "بوينغ 757".
ولا تقف مميزات الطائرات الرئاسية عند الأسلحة الحربية وتكنولوجيات الاتصال العالية الجودة، بل تضم أيضا جناحا طبيا متطورا يصلح كغرفة عمليات يشرف عليه طبيب يداوم باستمرار على متنها. ففي حالة الأزمات الصحية التي قد تلحق بالرئيس أو الوفد المرافق له، يكون الخيار الأكثر أمانا هو تقديم العلاج في الجو مباشرة عوض اللجوء إلى أقرب مطار كما يحدث عادة بالنسبة للطائرات التجارية.
وتتسع طائرة "إير فورس وان" لنقل أكثر من 70 شخصا، وغالبا ما تشمل الرئيس وكبار مستشاريه، بالإضافة إلى ضباط الخدمة السرية، والمراسلين التابعين لمختلف وسائل الإعلام المعتمدين في البيت الأبيض، وفي حالات كثيرة بعض الضيوف الآخرين الذين يرافقون الرئيس في جولاته الخارجية.
وفي فيلم "إير فورس وان" لعام 1997، تظهر الطائرة في مشهد درامي وهي تتزود بالوقود. ولم يكن هذا المشهد من نسج الخيال، فالطائرة الرئاسية تحتوي على مسبار يُمكّنها من التزود بالوقود في السماء، إذ يكفي أن تأتي طائرة وقود وتحوم فوقها لتزودها بالوقود الكافي. وبهذا يمكن للرئيس الأمريكي أن يبقى محلقا في السماء إلى أجل غير مسمى إذا ما كان الوضع غير آمن على الأرض.
وتقترب السرعة القصوى للطائرة من سرعة الصوت، إذ تبلغ نحو ألف كيلومتر في الساعة. وقد اشتكى أحد طياري مقاتلة "إف 16" الذين رافقوا الطائرة الرئاسية إلى واشنطن بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 من أنه لم يكن قادرا على مجاراة سرعة الطائرة الرئاسية.
كما أن "إير فورس وان" تستطيع الطيران عالياً بارتفاع يبلغ 14 كيلومترا فوق الأرض، وهو معدل أعلى بكثير من الارتفاع المعتاد للطائرات الجوية التجارية.[4]
في انتظار النسخة الجديدة
دخلت "إير فورس وان" الخدمة قبل نحو 29 عاما، لذلك صار من البديهي أن الطائرتين الرئاسيتين بحاجة إلى مميزات تكنولوجية جديدة، ومن المقرر استبدالهما في غضون السنوات العشر القادمة.[5]
وقد فاز عملاق الطائرات الأمريكي "بوينغ" في أبريل/نيسان الماضي بعقد قيمته 3.9 مليارات دولار لصناعة طائرات رئاسية جديدة تحل محل الأسطول الحالي. ويرتقب أن يكون الأسطول الجديد جاهزا بحلول عام 2024.[6]
ولا يقتصر الأسطول الرئاسي على الطائرات التقليدية فقط، ففي عام 1933 اشترت القوات البحرية طائرة برمائية من نوع "دوغلاس دولفين" للاستخدام الشخصي للرئيس، لكن الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت لم يستعملها إلا في عام 1943. ولم تكن رحلة هذه الطائرة البرمائية قصيرة، فقد نقلت الرئيس من العاصمة واشنطن إلى مدينة الدار البيضاء المغربية للاجتماع برئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك وينستون تشرتشل لوضع الخطة الحربية المعروفة بـ"غزو نورماندي".
واستغرقت رحلة روزفلت على متن الطائرة أربعة أيام، حيث غادر طياروه ولاية فلوريدا مرورا بمنطقة البحر الكاريبي ثم البرازيل قبل القيام برحلة عبر المحيط الأطلسي إلى غامبيا، ثم نقلوا الرئيس شمالا إلى المغرب.
وبعد تلك الرحلة التاريخية، أسّس فرانكلين روزفلت المكتب الرئاسي التجريبي المعروف الآن باسم مجموعة الجسر الجوي الرئاسي. وتعتبر هذه المجموعة جزءا رسميا من مكتب البيت الأبيض العسكري، وتتكلف بصيانة وتشغيل "إير فورس وان". وتحظى هذه الطائرات بالكثير من الاهتمام إذ يتم تلميعها وتنظيفها يدويا قبل كل رحلة.
طائرة بمواصفات قصر
"إير فورس وان" هي طائرة ضخمة بمواصفات قصر رئاسي. تحتوي على ثلاثة طوابق، ومساحة أرضية تبلغ 4000 قدم مربعة. وخصص مصممو الطائرة جناحا واسعا للرئيس يشمل مكتبا كبيرا، وصالة رياضة، وحماما، وغرفة مؤتمرات.
أما إذا توقفت الطائرة الرئاسية عن العمل، فيمكن للرئيس استخدام أحد الهواتف الـ84 الخاصة بالاتصالات داخلها. كما أنها توفر أجهزة راديو متعددة الترددات، وبطبيعة الحال شبكة إنترنت متاحة دائما للاستخدام.
وبالإضافة إلى الطاقم الطبي، يوجد بالطائرة طاقم من الطباخين قادر على إطعام 100 شخص. وجميع الطباخين بالطائرة على علم بالنظام الغذائي للرئيس، بالإضافة إلى المسؤولين الكبار داخل الإدارة الأمريكية، كما أنهم على معرفة دقيقة بالحميات الغذائية لباقي الوفد المرافق للرئيس، مما يعني أن الوجبات الغذائية للطاقم مختلفة ومتنوعة وأفضل بكثير مما توفره الرحلات التجارية العادية.[7]
ويتوفر المطبخان الموجودان في الطائرة الرئاسية على جميع معدات الطهي إلا المقلاة، لأن الطعام المقلي يسبب رطوبة عالية داخل الطائرة. ويتوفر الطباخون على تصريحات أمنية خاصة تجعلهم مصدر ثقة مثل باقي ضباط الاستخبارات الذين يقومون بحماية الرئيس.
ترامب.. طائرة أفخم
وعلى الرغم من أن الطائرة الشخصية للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب أفخم بكثير من طائرة "إير فورس وان" من حيث التصميم والزخارف (أحزمة ومقاعد مطلية بالذهب، وكراس جلدية، وقاعة سينما)، فإنه مجبر حاليا على استخدام "إير فورس وان" بسبب قدراتها العالية في الدفاع والأمن والسرعة والتحمل.
ويعتبر الرئيس الأمريكي السابق جون كينيدي أول رئيس يستخدم طائرة تم تصميمها خصيصا للرئيس بعد توليه منصبه في عام 1962. وعلى متن الطائرة نفسها تم نقل جثمانه إلى واشنطن بعد اغتياله في مدينة دالاس بولاية تكساس عام 1963.
ففي غضون ساعات من اغتياله، كان نائب الرئيس حينها ليندون جونسون (1908-1973) قد أدى اليمين الدستورية على متن الطائرة الرئاسية إلى جانب زوجته وجاكي كينيدي، وبحضور القاضية سارة هيوز لتشهد على مراسم أداء القسم قبل أن ينطلق الرئيس الجديد في الهواء للعودة إلى واشنطن.
موكب الرئيس
عندما ينزل الرئيس الأمريكي من طائرة "إير فورس وان"، يتجه مباشرة إلى سيارة ليموزين شبيهة بالدبابة. وهذه السيارة ترافق الرئيس على الدوام. فهناك طائرة شحن من نوع "ستارليفتر سي 141" تحمل سيارة الليموزين المقاومة للرصاص، بالإضافة إلى سيارات أخرى للوفد الرئاسي.
ويتضمن موكب الطائرة الرئاسية أيضا طائرة تتبعه ويطلق عليها اسم "دومسداي" (Doomsday) أو طائرة "يوم القيامة"، وهي عبارة عن مخبأ يلجأ إليه الرئيس لو وقعت انفجارات نووية، إلى جانب مركز قيادة العمليات في الجو. وقد تم تصميم هذه الطائرة في ذروة الحرب الباردة لحماية الرئيس من أي هجوم نووي. وتتبع هذه الطائرة دائما تحركات الرئيس وهي من نوع "بوينغ 4 إي".
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي يمتلك هذا المخبأ المتنقل، فإن "إير فورس وان" نفسها مصنوعة من مواد صعبة الاختراق. ويحتوي الجزء الخارجي للطائرة على زجاج مطلي بالدروع في النوافذ على حد ما هو معروف، ولكن معظم تفاصيل القدرات الدفاعية للطائرة تبقى سرية للغاية لأسباب غير مجهولة.