جفرا نيوز - كتب - زيد نوايسة
ليس مستغرباً أن يبادر المسؤول السياسي الى الاستقالة إذا تشكلت لديه قناعة بأنه لن يتمكن من إنجاز ما يعتقد أنه الأفضل خاصة إذا كان مقتنعاً بأنه استثنائي ومختلف وصاحب مشروع يتمايز فيه عن الآخرين وهذا سلوك وحرية شخصية لسنا بمعرض الخوض فيه.
سطوة الحضور والتأثير على وسائل التواصل الاجتماعي والمزاج العام الذي يطرب للصوت المعارض والناقد للحكومات عموماً تعزز ذلك؛ هنا تطفو معادلة الموازنة بين كلفة البقاء في الموقع او المغادرة والعودة لفخ النجومية وبريقها؛ غالباً تصبح التضحية بالموقع السياسي أولوية على ما يحمل من أهمية ومكانة في مجتمعنا.
البضاعة التي لن تجد من يشتريها قصة الإغراق في الوفاء بالقسم والعهد والى آخر قائمة الوطنيات ومشتقاتها وصار مفهوما أن كل ذلك لم يعد من الممكن أن يمر على مجتمع غادرت الغالبية العظمى منه الأمية بالمعنى التعليمي والسياسي.
في مقال سابق في «الغد»، ذكرت فيه أن حسابات القرايا لا تتطابق مع حسابات السرايا ولربما تكون كلفة الباحثين عن النجومية داخل الحكومات أكبر من كلفتهم خارجها؛ ذلك ان الحديث بأريحية ودون أن يطلب منك الآخرون تقديم البديل سهل ومريح بينما عندما تكون داخل أروقة صناعة القرار ستضطر أن تتعامل بواقعية وبما يتناسب والإمكانيات المتوفرة وعندها يتداخل الشخصي بالوطني ويبدو الحسم ملحاً لجهة الاستمرار أو المغادرة.
من باب استعادة التاريخ؛ عبر 102 حكومة تشكلت منذ التأسيس؛ حصلت العديد من الاستقالات والارشيف السياسي يروي لنا الكثير منها؛ يسجل مثلاً أن الشهيد هزاع المجالي استقال بعد خمسة أيام من تشكيل حكومته في 20/12/1955 بمبادرة منه نتيجة الظروف السياسية وتحملاً للمسؤولية، بينما استقال السيد محمد داود العباسي رئيس الحكومة العسكرية التي شكلت في 14/9/1970 بعد أسبوع وسلم الاستقالة الى السفير الأردني في القاهرة حازم نسيبة.
خلال العقود الأخيرة تبقى استقالة رئيس الوزراء الاسبق السيد عون الخصاونة هي الأشهر إذ اختار أن يستقيل من تركيا عبر تسريب الخبر لجريدة القدس العربي أولاً ومن ثم ارسالها للديوان الملكي مع وزير العدل في حكومته آنذاك الدكتور إبراهيم الجازي احتجاجاً على عقد دورة استثنائية للبرلمان دون موافقته كما قيل حينها.
على صعيد استقالة الوزراء تبقى استقالة وزيرة الاعلام السيدة ليلى شرف من حكومة السيد أحمد عبيدات بتاريخ 27/1/1985 احتجاجاً على ضيق الحكومة من حرية التعبير وغياب سياسة إعلامية واضحة أهم وأبرز الاستقالات في تاريخ الحياة السياسية الأردنية.
هذا لا ينفي مطلقاً أن يعمد رؤساء الوزارات الى دفع بعض وزرائهم للاستقالة خاصة إذا كان ثمة دوافع فاعلة تقف وراء وجودهم في الحكومة وتحول دون اخراجهم بالطرق المعتادة عند اجراء التعديلات الوزارية ولكن تبقى حالات محدودة فأي رئيس وزراء يختار من يعتقد انهم ينسجمون معه باستثناء الوزارات التي تجمع دوائر صنع القرار المركزي على وجودهم وهم الوزراء العابرون للحكومات.
لتلافي هذه المطبات يبدو من الضروري أن تأخذ أي شخصية تكلف بالتشكيل ضمن الآليات الحالية والمتاحة والتي تعتمد بشكل كبير على الخيارات الشخصية للرئيس الوقت المناسب في الاختيار سواء عند التشكيل أو التعديل حتى لو طالت المدة الزمنية؛ فلكل شخص أرشيف كامل من ناحية التفكير وطريقة التعامل وحتى المزاج والسلوك الشخصي من السهولة معرفته؛ فقبل الرصد المؤسسي هناك الرصد الذي وفرته وسائل التواصل الاجتماعي ويضع الجميع تحت المجهر.
على كل حال الاستقالة التي حدثت مؤخرا وكانت مدار حديث الشارع لم تكن مفاجِئة ولا مستغربة والاستغراب إن وجد فقط في تأخر حدوثها.