النسخة الكاملة

زمن المرأة العالمي

الخميس-2021-03-10 09:26 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب سائد كراجة

رتيبا يحضر هذه السنة، الاحتفال بيوم المرأة العالمي، والحقيقة أن هذا العيد صار روتينيا باردا، وذكرى شعائرية، وكأن نضال المرأة على ظروف عملها وعيشها وتعامل المجتمع معها أنجز، وكأن النساء كل النساء وبكل الأعمار صرن محاربات قديمات ليس لهن سوى التكريم بباقات الورد أو عبارات الثناء، كأن المرأة وضعت أوزار حربها وتقاعدت عن الحراك.
منذ بداية القرن التاسع عشر، شاعت تظاهرات النساء -وخاصة في البلدان التي بدأت الثورة الصناعية فيها- مظاهرات للاحتجاج على ظروف عمل مهينة وغير إنسانية للمرأة، وقد استدعى حراك المرأة إبان الثورة الصناعية تاريخا عالميا لأعمال السخرة والعبودية والاضطهاد التي لحقت بالمرأة وخاصة في أميركا، ونتيجة لهذا «الحراك» حققت المرأة الكثير من الإنجازات على صعيد العمل والحرية، وصدرت تشريعات دولية ومحلية لحماية المرأة، وأقبلت نتيجة لنضالها على التعليم والسياسة والعلم، ومع فروق واضحة بين بلد وآخر، وحضارة وأخرى، فإن المرأة حققت إنجازات نوعية في جميع أنحاء العالم تقريبا.
ومع ذلك ما تزال المرأة هي أولى الضحايا وآخر الناجين من أشكال اضطهاد تقليدية ومعاصرة، فهي أول المسرحين من العمل في الأزمات الاقتصادية، وأول المعتدى عليهن جنسيا وجسديا، وأكثر المستغلات في تجارة الرجال المفضلة «الدعارة»، وهي في أكثر الأحيان فاقدة حتى لحرية امتلاك جسدها، وتقرير مصيره إلا على أبواب مواخير الجنس، وخاصة في بلدان التحرر «الغربي»!
أغلب إنجازات المرأة التي حصلتها بنضال وتعب وبعد مقاومة عتيدة هي أصلا حقوق لها، حقوق إنسانية اعترف بها للرجال دون كثير معاناة جنادرية، مثل حق الحياة وحق تقرير مصير الجسد، وحق الخيارات العاطفية العلائقية، وحق المشاركة السياسية، وحق اختيار الزوج والجامعة والشكل وخطة الحياة، وأجور العمل العادلة، وظروف العمل المناسبة، ومع أن هذه جميعا حقوق ذاتية، إلا أن المرأة ناضلت لانتزاعها، ودفعت في هذا النضال ثمنا غاليا كلفها حياتها أحيانا أو كلفها كمدا واضطهادا مستمرا يمارس ضدها.
من مشاهداتي في مهنة المحاماة ومن الحياة، أستطيع أن أؤكد لكم أن أكثر إنجازات المرأة ما تزال شكلية، وهي بعيدة كل البعد عن تقلد المرأة مكانتها التي تليق بها كإنسان مستقل حر الإرادة والعقل، فهي الكائن الوحيد الذي يدفع -وخاصة في الشرق غير المشرق من هذه الزاوية- ثمن خصائصه الجسدية، وأقصد الحمل والولادة، فهي مجبولة على الأمومة -أو لعلها مخدوعة بذلك- ولكنها دائما تدفع ثمن هذه الجبلة غاليا، فكم من امرأة حولنا نعرف أنها تعيش مع رجل مسيء لها ولأولادها فقط لأجل ما تعتقده مصلحة الأولاد، وكم من امرأة نعرفها تدفع ثمنا لتمسكها بحقها في العمل وتحقيق الذات، فتعمل في البيت وخارج البيت وما بينهما و «مش عاجب»، والأمثلة لا تنتهي، فكل كارثة تلحق بالإنسان، (الحرب، والأزمات والجوائح..)، وبشكل ما ينجح المجتمع في أن يجعل المرأة تدفع ثمنا مضاعفا لها، وكورونا لم تخرج على هذا القانون.
حركة النساء بدأت أصلا مطلبية، بمعنى أنها مطالبات بحقوق منقوصة، فصار تحقيق المطالب هو الهدف، وفعلا تم رفع الأجور مثلا، وقد كانت هذه الحركة بشكلها المطالبي ضرورية آنذاك، ولكن هذا الشكل من الحراك لم يؤد إلى الاعتراف بإنسانية واستقلالية وأحقية المرأة بذاتها بشكل كامل، ولهذا أعتقد أن تجديد ثورة فكرية مطلب مهم وأساسي للاعتراف بالمرأة باعتبارها «كائنة» بخصائصها الطبيعية، مستقلة حرة بذاتها لا تحتاج إلى أن يكملها أحد فهي غير ناقصة، وغير زائدة أيضا فإن بعض التقديس استعباد.
إن ثورة «ذاتية في المفاهيم والأفكار» ضرورية لوضع الميزان الصحيح لمكانة المرأة في المجتمع، ولا يشترط أن يكون ذلك الميزان «المساواة بالرجل» بل يكون الميزان مكافأة المرأة لكفايتها وإمكانياتها الذاتية، باعتبارها إنسانا حرا مستقلا ذا سيادة على نفسه ومستقبله، يحكمه عقله وما يقوده له من قيم وأفكار، وبهكذا مفهوم للمرأة قد لا نحتفل بيوم المرأة العالمي، وقد لا يكون الاحتفال ضروريا، ذلك أن الزمن سيكون زمن المرأة العالمي، فاهمة علي جنابك؟!
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير