النسخة الكاملة

صاحب الطابة....!!!

الخميس-2021-03-07 01:19 pm
جفرا نيوز -

جفرا نيوز - كتب الدكتور ابراهيم العابد العبادي

هذه المقالة تحديداً تتطلب خبرات ومعرفة عميقة من القارئ...ليس لكونها لغة علمية أو إحدى لغات الجيل الخامس من برمجيات الاتصالات الالكترونية...ولا لكونها تمثل مادة اجبارية في كلية الفيزياء النووية...الموضوع أبسط بكثير...فهي تتطلب خبرات تراكمية ارتبطت بمراحل عمرية لمن ولدوا في مرحلة الخمسينات والستينات وحتى بدايات الثمانينات من القرن الماضي...لكّون الغالبية منهم عاشوا وتعايشوا مع موضوع المقالة ( صاحب الطابة).
في الأحياء الشعبية والحارات عبر محافظات المملكة... برزت شخصية صاحب الطابة.. وقد تكون من أشهر الشخصيات رغم أنه يقع في الفئة العمرية ما بين (7-14) عاما من عمره فقط...فعادة ما يكون هذا الشخص ينتمي الى طبقة اجتماعية ارستقراطية قياساً بمفهوم ومستوى الاحياء الشعبية آنذاك ...والده او أحد اخوانه الكبار يملك سيارة عمرها لا يقل عن عشرين عاماً ... قلّب عددها كما يقال عدة مرات...او يملك محلاً للبقالة... أو مطعم صغير في الحي... ونتيجة لهذا الوضع المادي والمعيشي البرجوازي للأسرة... قام الأب بشراء طابة ( كرة قدم) لهذا الأبن ليعوض النقص الكبير لديه في عدم قدرته او تدني مستواه في ممارسة لعب الكرة.... وفي الغالب وليس قاعدة ...هو أقل مهارة من اقرانه.. لا يمتلك القدرة على التحكم او السيطرة على الكرة... سمين بعض الشيء...او خامل النشاط وغير قادر على الحركة بكفاءة اللاعبين اقرانه...غير نشط وغير فاعل ومتخلف دوماً عن المشاركة في السلوكيات والنشاطات الاجتماعية الشيطانية لأبناء الحارة...ومنها ( تنفيس عجال(اطارات) السيارات في الحي ان وجدت...الضغط على جرس الباب او طّرق الباب الخارجي والهرب...العبث بممتلكات الحارة او الحي...الكتابة على الأسوار...الضرب على أعمدة الكهرباء لإصدار أصوات مزعجة.. مغافلة اصحاب البساتين وسرقة البطيخ ليلاً... التسلق الى المعرشات والحواكير في البيوت وسرق قطوف العنب وثمار الأشجار، ترويع الحيوانات الأليفة في الحارة...الخ من حركات صبيانية وولدنات...!!!
رغم ما ذُكر سابقاً من صفات لصاحب الكرة...إلا انه يكون في معظم الظروف والأوقات هو الأمر الناهي في لعبة الطابة...فهو الشخص الذي سيحدد اقامة او عدم اقامة المبارأة...ومكان وموعد اللعب...وعدد اللاعبين وتشكيلة الفريقين وتوزيع مراكز اللاعبين...ومن شروطه الاساسية أن يكون هو رأس الحربة ( وهذا تعبير مستخدم) للدلالة على انه المهاجم الرئيس في الفريق الذي يلعب به ويختار اعضائه... وعلى الجميع تمرير الكرة له...وفي كل الهجمات...حتى وان أضاع كل الفرص او اسهلها.. بل انه يقرر اذا كان هدف او لا ...كما من الشروط الاساسية وقبل البدء بالمباراة، انه في حال فقدان او ضياع الطابة، او قيام أحد السكان المجاورين للملعب بسطح أو شق الطابة...( ويعني ذلك ضرب الطابة بالسكين).. او لأي سبب عارض او طارئ او حتى لعوامل ترتبط بالطبيعة... فعلى الجميع تحمل ثمن الكرة...كما لا يتوقف دوره عند هذا الحّد...اذ يُعين الحكم وهو صاحب الحق على الاعتراض امام الحكم...كما يقوم بتعديل الفريق وادخال للاعبين جدد بعد ان يتم استئذانه في حالة قدوم احد اللاعبين متأخراً ويرغب باللعب...وبغض النظر عن رأي او اعتراض او امتعاض بقية لاعبي الفريقين...وان حدث ان اعترض او أبدى أحدهم اعتراضه...يكون الرد أنا صاحب الطابة... فيضطر المُعترض ومن يؤازره الى السكوت على مضض والخنوع للواقع...
أحياناً تظهر مستجدات او ظروف تَقلب الموازين... اذ نتيجة الشعور بالغبن والظلم وعدم القناعة من بعض اللاعبين المميزين في الفريقين ازاء صاحب الطابة...يتم الاتفاق بين أعضاء هذه المجموعة الاشتراكية المتمردة على تجميع ثمن طابة بسرية تامة من مصروفهم المحدود جداً وبانتظار العيديات وعوائد اسهم مقصف المدرسة لاستكمال القيمة...ثم يتم شراء كرة والاتفاق ضمنياً على تركها كل ليلة لدى شخص من اعضاء المجموعة، لأسباب عدة منها (الشعور بحق تّملك الطابة، عدم تأنيب الأهل اذا ما بقيت لدى شخص بعينه، ضمان أن الطابة لا يتم استغلالها من شخص بعينه...الخ)، ...وهنا يبدأ التمرد على صاحب الطابة الأول والاستقلال عن هذا الحكم الاستعماري..... ولكن يبقى لصاحب الطابة مجموعة موالية لأسباب منها الصداقة المشتركة، والجيرة أحياناً او صلة القرابة...او سطوة شخص على صاحب الطابة ( الخوف منه) وهذا تحديداً يكون له دور في القرارات المصيرية للمباراة او اللعبة...او أن صاحب الطابة سيتعرض لضرب مبرح تتورم وجنيته على اثره...، او محافظة صاحب الطابة على بعض اللاعبين في فريقه خاصة المجتهدين في الدراسة لضمان عملية الغش والتنقل والمساعدة في حل الواجبات المدرسية ...واحيانا يكون هناك لاعب جيد لكنه لا يملك الفرصة لتعنت صاحب الطابة...فيضطر للاستعانة بشقيقه الأكبر او ابن عمه...من اصحاب السطوة على صاحب الطابة... وكذلك البعض ليس باستطاعتهم توفير مساهمتهم في ثمن الطابة. من جانب اخر يضطر بعض الاولاد او احدهم بعد التوافق... على سرقة طابة المدرسة واللعب بها بشكل سري...او أن يكون احد اللاعبين على سوية عالية من المهارة تعطيه الحق في وضع بعض الشروط التفضيلية الخاصة به واللعب ضمن فريق بعينه او مركز محدد في الفريق.
مغّزى هذا المقال...أن اصحاب الطابات اليوم، في اللعبة السياسة وضمن المواقع القيادية يحاولون فرض شروط صاحب الطابة على كل اللاعبين ويتعاملون مع المجتمع كانه طابتهم التي اشتراها الوالد او الاخ الاكبر...يعينون.. ويفصلون... يخرجون.... ويدخلون... يعدلون...ينقلون المراكز... وان حردو ( غضبو) منعوا الكرة وهم يعلمون تماماً ان الفريق لا يملك ثمن طابة...الا اذا سرقوا...والخاسر في كل الظروف هو (الوطن) أرض الملعب ودافع ثمن الطابات...واصحاب الطابات ما زالوا يتحكمون بكل المفاصل وهم لا يتقنون أساسيات او مبادئ اللعب.. بل يتم تبرير اخطاءهم بإخراج اللاعبين المميزين وادخال الاحتياطي.... في هذا الزمن وفي عصر التكنولوجيا وادخال تقنية الفار في اللعبة...كنت معتقداً خاطئاً أن زمن صاحب الطابة قد ولى نظراً لكثرة الاندية والطابات وكثرة الرياضات...لكني قرأت في عيون صديق لي ومن كلماته...مدى انزعاجه من صاحب الطابة الذي منعه او اخرجه من اللعبة...ليتشكل لي قناعة تامة أن الأمر لم يختلف منذ عقود وليس له علاقة بزمان او مكان او آلية او نظرية...بل هي سياسة صاحب الطابة الموروثة من المستعمر.. ومن الحاقد والمحتكر والمتحكم بحياة الشعوب لاعبين وجمهور وداعمين...وهذا الحال ينطبق على كل مصارف ومناحي حياتنا...الخلاصة في هذا الواقع كل واحد يشتري طابته ويلعب فيها.... لا نريد أن يأتي لاعب مهزوز مغرور ليقول لنا يا لعيب يا خّريب..... حمى الله الوطن... حمى الله الأردن أرض العزم الحشد والرباط.