جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب علاء الدين أبو زينة
كعادتها، تحتكر الدول الكبيرة لقاحات «كورونا» لمواطنيها، تاركة الفقراء للكلاب. وعندما تعطي هذه الدول بعض الكميات للدول الضعيفة، فعلى أساس شراء -أو تأكيد- ولاء الضعفاء. وقد دخلت حاجة الفقراء إلى اللقاحات بقوة لعبة تنافس القوى العظمى للهيمنة عليهم وتمييز الأتباع والمرشحين للتبعية بالجرعات.
الآن، يتحدث دعائيو الغرب وأميركا على «دبلوماسية اللقاح»، وبالتحديد ما يصفونه بأنه قيام الصين وروسيا بتوزيع لقاحاتهما -مجاناً أو بأسعار منخفضة- لبسط نفوذهما على الدول المستهدفة. البعض يحثون دولهم على أن تحذو حذوهما من باب تسجيل نقاط أيضاً، وآخرون ينتقدون عمل هاتين الدولتين باعتباره استغلالاً لحاجة الفقراء ووسيلة للابتزاز. ولا يشير المدافعون عن الغرب إلى جشعه وتقصيره في مساعدة الدول الفقيرة باللقاحات وغيرها، ولا يذكرون طرقه الخاصة في بسط النفوذ وضمان التبعية بالعدوان والتخويف وتعطيل الإمكانيات.
يختار مهاجمو الصين وروسيا إحصائيات منتقاة للتشكيك في كفاءة اللقاحات التي ينتجها البلدان، ويقارنونها باللقاحات الغربية. ويشددون على أن الصين وروسيا توزعان لقاحات لم تجيزا استخدامها في بلديهما. كما يأخذون على الصين مأخذاً غير عملي، مثل أنها توزع اللقاحات مجاناً أو بشكل شبه مجاني، فقط لجعل الناس ينسون أن الصين كانت مصدر الوباء ويتذكرون أنها تأتي للنجدة في مكافحته. وما العيب، حتى لو كانت الصين مصدر الوباء، أن تُساعد الآخرين الفقراء على مكافحته فعلياً بدلاً من التركيز على التبادُل الكلامي؟
وإذا كانت الفكرة هي أن الصين وروسيا توزعان اللقاحات من أجل النفوذ، فلن يخدم نفوذهما بالتأكيد أن توزعا لقاحات سيئة تفشل على الملأ وتجلب لهما السخط والكراهية، وبالتالي تقويض فكرة شراء الولاء باللقاحات من أساسها واستدعاء ضربة ارتدادية تؤذي صورة ونفوذ البلدين معاً. وحتى لو كانت نسب فعالية اللقاحين الصينيين؛ «سينوفاك» و»سينوفارم»، منخفضة، كما يقول المناهضون الذين يختارون أرقاماً منخفضة من تجارب منتقاة (يشيرون إلى أنها تجارب معينة وليس جامعة مانعة)، فإن توفير حماية للناس بأي نسبة أفضل من «صفر حماية» في الدول التي لا تسعفها خزائنها ولا علاقاتها الدولية.
وحتى بين الدول المحسوبة على الغرب، تدخل الأولويات والتفضيلات في حسابات تخصيص اللقاحات. مثلاً، الكيان الصهيوني حصل على لقاحات تكفي معظم مواطنيه وقطع شوطاً أكثر من أي دولة في العالم. وقد يكون من الأسباب القيمة التي يُسندها الأسياد للكيان من بين الدول التابعة. وحتى لو دفع الكيان سعراً مضاعفاً للقاحات لجلبها بسرعة وبكميات كبيرة، فمن أموال المساعدات التي يتلقاها من نفس الذين يشتري منهم. وفي المقابل، حصلت دول غنية تابعة للغرب على اللقاحات بدفع أثمان كبيرة، كجزء من عادتها في دفع الأموال لمؤسسات الغرب، سواء بشراء الأسلحة أو السلع الأخرى التي تضمن تبعيتها أن لا تنتج بدائل عنها في بلدانها.
تبقى الدول الفقيرة المحسوبة على الغرب، لكنها لا تُعد ذخيرة استراتيجية يُعتد بها ولا لديها مال يمكن استخلاصه. ولأنها محسوبة على الغرب، ربما لا تنافِس عليها روسيا والصين فتعرضا عليها لقاحاتهما. (تشير الكاتبة سيندي يو، في مجلة «ذا سبكتيتور»، إلى أن الدولتين تنافسان باللقاحات -من بين أمور أخرى- على كسب ولاء نحو 100 دولة اختارت عدم الانحياز في حقبة الحرب الباردة). وبذلك، يكون «المنحازون» غير المهمين لا من هنا ولا من هنالك في مسألة اللقاحات -لا هؤلاء ينتبهون إليهم ولا أولئك ينافسون على كسب ولائهم.
قد تصلح «دبلوماسية اللقاحات» في هذه الحالة لوصف محاولة هذه الدول تنويع خياراتها وتخليص نفسها من انتظار العون من المعسكر المحسوبة عليه عندما تكون حياة مواطنيها واقتصاداتها واستقرارها على المحك. ينبغي تجنيد كل المهارات والمناورات للحصول على اللقاحات الصينية والروسية والهندية ومن أي مكان ممكن. (الكيان الصهيوني، بولائه المعروف، يفتح أبواباً على الاستثمار الصيني -رغم اعتراض الأميركان).
ربما لا تكون للصين وروسيا مصلحة في منح لقاحاتهما مجاناً لدول محسومة لغيرهما، لكن مبدأ المصلحة يقترح أنهما لن ترفضا فرصة لبعض التأثير. وينبغي أن يعترف الفقراء المحتاجون وجودياً للقاح بزيف المكانة العالية التي تدعيها لنفسها دول الغرب وأن يفتحوا لأنفسهم نوافذ على آخرين غير السادة الغربيين الذي لا يرحمون، ولا يدعون رحمة الله تنزل على عباده.