جفرا نيوز - موسى العجارمة
أبدى مجلس النواب قبل أمس موافقته على مشروعي قانوني الموازنة العامة للسنة المالية 2021 وموازنة الوحدات الحكومية عن السنة ذاتها، ليتم إحالة المشروعين لمجلس الأعيان للموافقة عليهما، وإقرارهما وترشيحهما بالإرادة الملكية ونشرهما بالجريدة الرسمية لكي يتسنى العمل بهما، وسط تحديات عميقة تحملها هذه الموازنة ؛ إثر جائحة كورونا التي استباحت بالاقتصاد الأردني وأودت به إلى "عنق الزجاجة".
رئيس الوزراء بشر الخصاونة قالها بلسان صريح إن الموازنة العامة لسنة 2021 ستكون الأصعب والأعقد في تاريخ المملكة بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وسط تأكيده على حرص الحكومة ببناء العلاقات التشاركية بالفعل والقول والتقرير لقيادة زمام الأمور، وإعادة ثقة المواطن في مؤسسات الدولة من جديد، كبادرة تفاؤلية ودرءًا للتشاؤم في ظل الأجواء والظروف الراهنة التي فرضتها جائحة كورونا اليوم.
وفي سياق رد الحكومة على لسان وزير المالية محمد العسعس حول مناقشات النواب لمشروع الموازنة، قالت بشكل مفصل إن تراجع حجم التجارة الخارجية أدت إلى انتكاسه كبيرة في ضوء التأثير السلبي للجائحة على اقتصادات الدول المشغلة للعمالة الأردنية، موضحة بشكل علني ودقيق أن تخفيض عجز الموازنة بشكل آني سيترتب عليه تضحيات واسعة تتمثل برفع الضرائب والرسوم، أو التوقف عن الوفاء بالالتزامات الحكومية الداخلية والخارجية، ليشكل رد العسعس الصورة المكلمة للخصاونة لإطلاع المواطن الأردني على واقع الحال دون زيادة أو نقصان.
والخوف الأكبر الذي طال سوق العمل الأردني كان ممثلاً بلجوء الحكومة لخيار الاستغناء عن الموظفين أو تخفيض رواتب موظفي القطاع العام أو تخفيض الرأسمالي، ليؤكد العسعس أن هذه الخيارات ستفاقم التحدي الاقتصادي والاجتماعي، مع حرص الحكومة على أولوية وضع الدين العام على منحنى هبوط تدريجي عبر السيطرة على العجز وتحويله إلى فائض دون التأثير على استعادة زخم النمو وخلق الوظائف.
*العناني: هناك إمكانية بالتحكم بأرقام النفقات بالتزامن مع صعوبة التنبؤ بنسبة 100%
نائب رئيس الوزراء الأسبق جواد العناني يؤكد إمكانية التحكم بأرقام النفقات بالتزامن مع صعوبة التنبؤ بنسبة 100% من قيمة الدخل الذي ستُحصله الحكومة خلال عام 2021 سواء أن كان في ضريبة الدخل أو الجمارك أو المبيعات أو الغرامات أو حتى بأرباح أسهم الشركات والمساعدات الخارجية، لافتاً إلى أن هناك بابين للحقيقة حيال هذا الأمر، بدءاً من مقارنة الدراسات الإحصائية التحليلية والتنبؤات المستقبلية المتعلقة بالإيرادات، مضيفاً أن مسألة تحديد النفقات معروفة لحد كبير، إلا بحال حدوث مشكلة طارئة كالجفاف والكوارث الطبيعية.
ويشدد العناني أثناء حديثه لـ"جفرا نيوز" على ضرورة تحسين الأدوات المتعلقة بالقدرة التحليلية لتقدير حجم الإيرادات؛ لكون النفقات ومسألة تحديدها مرتبطة بحجم الإيرادات، مبيناً أن مسألة تقدير الإيرادات تكمن بتحديد الناتج المحلي الإجمالي ومعدل النمو استنادَا بالعام السابق حول الدخل الحقيقي، لطالما الضريبة لا تتأثر بالدخل الحقيقي إنما بالنمو النقدي، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن نسبة التضخم كلما ارتفعت كانت إيرادات الحكومة أعلى.
وفيما يتعلق بمسألة رفع الأسعار، يوضح أن عملية ارتفاع الأسعار تخدم الحكومة؛ لكونها تحصل الضرائب بنسب مئوية ولا تأخذها بالحجم إنما بالقيمة الجارية، ومن هنا يجب أن يكون لدينا القدرة على التنبؤ بالقيمة المالية داخل البلد الجاري، وخاصة أن فرضيات الحكومة مبنية على التقدير، وصندوق النقد الدولي أشار إلى أن الأردن سينمو بنسبة 1.8 بالأرقام الحقيقية.
ويعتقد العناني أن الحكومة في حال وظفت إراداتها بدقة ستكون الأمور خالية من المبالغات، إلا في حال استمرارية تداعيات جائحة كورونا لمنتصف العام الحالي، منوهاً أنه في حال انتهت الجائحة في شهر 7 القادم وتم إعادة فتح القطاعات من جديد سيحدث انفراج واستجابة لعملية الإنفاق في السوق المحلي، وعلى إثرها ترتفع الأسعار ونسبة النمو لـ(1.8) أو (2)% أقصى حد، لافتاً إلى أن الفروقات ليست كبيرة عن توقعات الحكومة، وهناك عقلانية في تقدير الإيرادات أكثر من مداخلات النواب.
وتابع:" إنه بحكم الدستور لا يستطيع مجلس النواب مناقشة الموازنة إلا ضمن حدود معينة، وهناك مادة في الدستور تقضي بذلك، والغاية منها عدم إتاحة الفرصة لبعض النواب بالمزاودة من أجل تحقيق الشعبويات، إلا في حال إقامة انتخابات محكمة بأسس حزبية وقانون انتخاب يدعم ذلك، مما يصبح هناك حاجة ملحة لتغيير هذه المادة من الدستور الأردني وستصبح مناقشة الموازنة مبنية على المصارحة بحجم الدخل وإمكانية إضافة وإلغاء بعض بنود مقابل الأخرى؛ لضمان عدم الزيادة بحجم الإنفاق الكلي لتتحول مناقشات النواب حول الموازنة بين بعضهم البعض".
ويقول العناني في نهاية حديثه لـ"جفرا نيوز" إن النواب منحوا الثقة لهذه الموازنة باستناد الحكومة لتوصياتهم ونصائحهم، مقترحاً من الحكومة الجديدة ألا تقدم بياناً للثقة على حدة، بل عليها دمج بيان الثقة ومشروع الموازنة بمدة لا تتجاوز فترة الشهر لاستغلال الوقت، لكون الخطابات واحدة ومتشابهة، فالأولى استغلال الوقت والحصول على الثقة وفق البيان ومشروع الموازنة سوياً.
*ملحس: نقف أمام موازنة تقليدية
وزير المالية الأسبق عمر ملحس يرى من ناحيته، بأن موازنة 2021 جاءت في ظروف صعبة محلياً وإقليمياً وعالمياً، وفي ظل الانكماش الاقتصادي الذي عصف بسنة 2020، مبيناً من وجهة نظره: "إننا اليوم نقف أمام موازنة تقليدية (إن جاز التعبير)"، لا تحمل في طياتها أمور واضحة نحو تحفيز النمو الاقتصادي ومعالجة النمو المضطرد بالعجز والمديونية ومعالجة ارتفاع معدلات البطالة، ولا تسعى بالضرورة لتأسيس انطلاق نحو تحقيق الاستقرار المالي.
ويوضح ملحس أثناء حديثه لـ"جفرا نيوز"، أن الموازنة الحالية افترضت ألا يكون هناك إغلاقات في سنة 2021 والنمو في الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الجارية) سيكون بحدود 3.8%، والنفقات العامة ستصل إلى حدود 10 مليار دينار (أي بنمو مقداره 6% عن إعادة تقدير موازنة سنة 2020)، كما تفترض أن الإيرادات المحلية سترتفع بحوالي 15%، والإيرادات الضريبية سترتفع بنسبة 9% وتأسيساً على ذلك تفترض الموازنة أن العجز المجمع سيصل إلى حدود غير مسبوقة بواقع 2.6 مليار دينار، وبناء على ذلك سيصل إجمالي الدين العام إلى حدود 35 مليار دينار أي حوالي 111% من الناتج المحلي الإجمالي.
"كنت أتمنى ألا تتوسع الموازنة في النفقات الجارية بصورة تخلق هوة بين القطاع العام والقطاع الخاص الذي ألقى على عاتقه تحمل كل تبعات القرارات الخاصة بوباء كورونا، ومن وجهة نظري لربما كان من الأفضل إعادة توجيه المبالغ المخصصة للنفقات الرأسمالية نحو برنامج حكومي لتحفيز الاقتصاد الكلي هذه السنة (big bang) ونحن بأمس الحاجة الى ذلك". بحسب ملحس.
ويعتقد أن أرقام النمو بالإيرادات الضريبية وغير الضريبية كبيرة ومتفائلة جداً وستكون صعبة التحقيق، مما يسهم بزيادة العجز الذي سيؤدي لارتفاع حجم الدين العام والذي ستزيد كلفة خدمته، وسيصبح التعامل مع مديونية بهذا الحجم والنسبة صعب جداً وذات آثار سلبية على الاقتصاد الكلي، لافتاً إلى أن عدم التصدي لاختلال الاستقرار المالي طويل الأجل يضعف الاقتصاد، وتنخفض الفرص الاقتصادية للأفراد والأسر (كما يحدث الآن)، وتتراجع المرونة المالية للخزينة للاستجابة للأزمات، لطالما شهدنا عدم قدرة الحكومة من الاستجابة المالية لآثار أزمة جائحة كورونا خلال العام الماضي.
يذكر أن وزير المالية د.محمد العسعس أكد خلال رده على مداخلات النواب أن أبرز المطالب والاحتياجات التي أشاروا إليها النواب كانت خدمية، مضيفاً أنه من بين الطلبات كانت ممثلة بانشاء 20 مستشفى وإنشاء 34 مدرسة، و27 مركزا صحيا و5 جامعات، لافتاً إلى أن الحكومة تحرص على رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين وتلبية احتياجاتهم، إلا أن هذه المطالب تفوق في الواقع قدرة هذه الموازنة وأضعافها.