جفرا نيوز - د. محمد حسين المومني
المؤمل ان يشهد هذا الاسبوع خطابات تشريعية تخوض في عمق الوجع الاقتصادي وكيفية التعامل معه، لا أن تقتصر على مطالبات خدمية للمناطق قد يكون من المستحيل على الخزينة تلبيتها. لا ضير من التأشير على بعض مكامن الخلل الخدماتي واستغلال مناسبة الموازنة انتخابيا، لكن لا بد من ترشيد النقاش على نحو يحاكي قدرات البلد وامكانات خزينته. الحديث عن الخدمات يجب ان يكون ضمن نهج مقارن بمعنى ان نقارن انفسنا وخدماتنا بالدول التي تمتلك نفس امكانياتنا وليس تلك التي تتفوق امكانياتها علينا بدرجات.
التحدي الاقتصادي هو اولوية الاولويات على الاطلاق. كثير من تحدياتنا الوطنية الاخرى من اجتماعية وثقافية سياسية ما هي الا انعكاس لضائقتنا الاقتصادية بما في ذلك ظاهرة شراء الاصوات التي آذت مشهدنا الانتخابي وتنامت على وقع ضيق الحال. هذا الاسبوع هو مناسبة فريدة واستحقاق دستوري لنخوض في نقاش صريح ومكاشفة عن حقائق وضعنا الاقتصادي، لتحقيق هدف استراتيجي كبير وهو ترشيد سقف التوقعات عند الناس والمجتمع، الذي تتوقع فئات منه ان تستمر الحكومة بالقيام بدور الدولة الرعوية وهو جوهر اختلالاتنا الاقتصادية وما لا نقوى عليه.
لا بد من نقاش صريح وبالحقائق عن اسباب العجز وارتفاع المديونية، وهنا لا بد من الاشارة الى تكلفة انقطاع الغاز المصري على المديونية، ولا بد ايضا من الاشارة الى تضخم حجم القطاع العام الذي يستنزف الكثير من موازنة الدولة العاجزة عن احقاق التوازن بين الايرادات والنفقات نظرا لارتفاع تكلفة الرواتب. كما لا يجب تفويت الفرصة للحديث عن صعوبات احقاق معدلات التنمية المطلوبة، والتأشير على تراجع انتاجية العامل الاردني وتراجع مستوى المنافسة وجودة التعليم للخريج الاردني مقارنة بالسابق وبمن حولنا، وتبيان الاسباب السياسية والامنية الاقليمية التي فرضت نفسها على الاقتصاد ومعدلات النمو المطلوبة.
مداولات الموازنة هي فرصة لمكاشفة وطنية اقتصادية تضع الحقائق والتحديات كما هي دون تجميل، لأن التشخيص الدقيق هو الخطوة الاولى والاهم نحو ايجاد حلول منتجة. اما ان نبقى نتصرف وكأننا دولة ريعية نفطية فهذا ضار وغير منتج، ويعمق الفجوة بين خطابات وتطلعات الناس الخدمية والاقتصادية وبين حقائق الموارد والاقتصاد الذي تستند عليه الحكومة في مقارباتها وسياساتها.
ما نزال بانتظار خطة الحكومة التنفيذية التي ستحدد الرؤية وأطر العمل والأولويات، تقول لنا كيف ترى الحكومة امكانية الخروج من نفقنا الاقتصادي المظلم، وما هي الوسائل العملية التي ستتبناها الحكومة من اجل احقاق ذلك، وما هي الاهداف التنموية والاقتصادية التي يجب ان نلتف جميعا حولها من اجل النهوض بالاقتصاد. جودة هذه الخطة ومستوى الصراحة والمكاشفة فيها سيكون ذا أثر كبير على سوية النقاش العام حول الاقتصاد، الذي ما يزال يراوح في مربع الريعية يعمق فجوة الثقة بين توقعات الناس وبين امكانيات الحكومة للاستجابة لهذه التوقعات.