جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. طلال الزبن - باحث متخصص في التربية الاعلامية
يعد الإعلام ضرورة حتمية في المجتمعات المعاصرة وخصوصاً بعد تفجر ثورة الإتصال عن بعد، وتقدم العمل والمعرفة وتطبيق النظريات العلمية في جميع مجالات العمل والحياة، إذ أن تلك المجتمعات كلما ازدادت تقدماً تكون في حاجه أكثر للإعلام، وذلك كون الإعلام وسيلة مهمة لنشر الأفكار وسبيل من سبل التربية، فالإعلام بوجه عام يشكل وسيلة مهمة من وسائل الإتصال والتواصل، ويؤثر في سلوكيات الأفراد بما يبثه من قيم مختلفة.
فأفراد المجتمع اليوم يعيشون في عالم تأتيهم فيه المعلومات على مدار الساعة وبجميع الصيغ سواء أكانت مسموعة أم مقروءة أم مصورة، وهي معلومات تحمل قيم واتجاهات منها ما يلاءم ومنها ما يعارض ثقافة المجتمع، وأصبحت هذه المعلومات سلاح ذو حدين فهي متاحة أمام الجميع باختلاف أعمارهم الأمر الذي جعل الخصوصية تفقد مضمونها بسبب الانفتاح الخاطئ، ومن هذا المنطلق ترتب على التربية الإعلامية التعامل مع هذا الواقع الجديد وما يحمله من رسائل تؤثر في سلوكيات الناشئة وتوجهها حسب المضمون الإعلامي الذي تحتويه.
ومفهوم التربية الإعلامية ليس بحديث فقد ظهر في أواخر الستينات من القرن الماضي، عندما بدأ الخبراء في الاهتمام باستخدام أدوات الإتصال ووسائل الإعلام كوسيلة تربوية لتحقيق منافع تربوية ملموسة، وبحلول السبعينات من القرن الماضي بدأ النظر إلى التربية الإعلامية على أنها تعليم بشأن الإعلام ومشروع دفاع يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، وتم التركيز على كشف الرسائل المزيفة وتشجيع طلبة الجامعات على رفضها وتجاوزها، وفي السنوات الأخيرة تطور مفهوم التربية الإعلامية من مشروع دفاع إلى مشروع تمكين يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة لمواجهة التحديات المعاصرة.
في الوقت الحاضر فإن على الجامعات أن تعي أهمية ودور الإعلام في مواجهة التحديات المعاصرة كمجال يمكن توظيفه في الحقل التربوي، ويجب أن يتم تفعيل دور التربية الإعلامية في الجامعات بسبب زيادة الوعي والإدراك لدى الطلبة في الاستفادة من المضامين الفكرية التي يقدمها الإعلام المبنية على أسس علمية سليمة سواء أكانت على مستوى الفرد أم المجتمع، فهي تعمل على تنمية التفكير الناقد لدى أفراد المجتمع مما يؤدي إلى اكتساب مهارات المقارنة والتحليل، ومهارات اتخاذ القرار ومهارات حل المشكلات، وأيضاً تعزز التربية الإعلامية ثقة الفرد بنفسه كونها تقدم له صورة شاملة عن البيئة الإعلامية من حيث وسائلها المختلفة، ومقدرة الفرد أن يكون جزءاً منها كنتيجة للتطور التكنولوجي، الأمر الذي يتيح له أن يكون مشاركاً في تحقيق الأمن المجتمعي، وعلى مستوى المجتمع بشكل عام تعد التربية الإعلامية عاملاً مهماً في نشر ثقافة الحوار، فينشأ جيل إيجابي قادر على المشاركة بفعالية في تنمية مجتمعه وتقدمه وبناءه ومواجهة التحديات التي تقف أمامه.
ويجب أن يتسم مضمون التربية الإعلامية في الجامعات بمجموعة من الخصائص والصفات التي تستند على عدة محاور توائم عصر الثقافة الرقمية لإخراج جيل قادر على مواجهة التحديات الثقافية في ظل التطور الهائل والزخم الإعلامي لتحقيق الوعي الإعلامي لطلبتها، ومن بينها حماية النشء والشباب من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام ومضامينها المختلفة خاصة في زمن العولمة، وتنمية مهارات التفكير الناقد، وإكساب طلبة الجامعات المبادئ الأساسية لتحليل وتفسير ونقد كل ما يقدم من مضامين إعلامية ذات أهداف مقصودة وغير مقصودة، وإمداد طلبة الجامعات بالمعلومات والمعارف اللازمة لمساعدتهم لفهم الأيدولوجيات الخاصة بوسائل الإعلام، وتكوين جيل قوي ومنتج ومبدع يساهم في تنمية بلاده، فالتربية الإعلامية كالمؤسسات التربوية تُعلم لنقرأ وتُعلم لنراقب وتُعلم لنستمع.