جفرا نيوز -
بقلم الدكتور : ابراهيم العابد العبادي
كان من المفاجئ لي وللعديد من المطلعين والمهتمين التصريحات المنشورة في بعض المواقع الاخبارية وتناقلتها الكثير من منصات التواصل الاجتماعي، حول ما ادلى به رئيس ديوان الخدمة المدنية، السيد سامح الناصر، رداً على استفسار نيابي داخل اللجنة المالية خلال مناقشات موازنة وزارة الأداء المؤسسي وديوان الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة: اذ تضمن التصريح الاشارة الى فشل كافة المتقدمين والبالغ عددهم 31 مرشحاً، وأنهم لم يستطيعوا تجاوز الامتحان المقرر لهذه الغاية، وفشلوا جميعا من دون استثناء.، وأن ذلك هو السبب وراء طول مدة تعيين مدير عام لدائرة الأراضي والمساحة ان المتقدمين لشغل وظيفة مدير عام دائرة الأراضي والمساحة، لم يتجاوزوا الامتحان المعد لهذه الغاية، مما يستدعي وحسب تصريح الناصر، الى التوجه لنشر إعلان مرة أخرى لشغل منصب المدير عام دائرة الأراضي والمساحة، الذي قارب على العامين شاغراً.
أضع هذا التعقيب بين يدي دولة رئيس الوزراء الأفخم وأصحاب المعالي وزير تطوير الأداء المؤسسي وعطوفة رئيس ديوان الخدمة المدنية، وأصحاب السعادة رئيس مجلس النواب ورئيس اللجنة المالية ورئيس اللجنة الادارية في مجلس النواب. وكذلك معالي وزير المالية بصفته المعني بشأن دائرة الاراضي والمساحة. ويأتي هذا التعقيب من باب تفسير حالة عملية واقعية مُّطلع عليها عن كثب من جانب، ومن جانب أخر الخوض بقضية آليات تعيين واختيار شاغلي الوظائف القيادية، حيث أن هذا الأمر اصبح حديث المجالس الاردنية على امتداد رقعة الوطن. وأرجو أن تتسع صدور كافة المعنيين لما سيتضمنه التعقيب من بيانات ومعلومات تمثل بالدرجة الاولى وجهة نظري الشخصية والتي يتوافق معها الكثير من ابناء هذا الوطن.
لا اكتب من عبث فالتصريح وبكل صراحة اثار بداخلي الكثير من التساؤلات والاستفسارات وعلامات الاستفهام والتعجب...!!؟؟ فقد حمل التصريح في طيه مغالطات ...لا اداري أن كان الاعلام ومواقع النشر تجاوزت عنها في نشر التصريح...ام أن التصريح جاء مجتزاً من مصدره لا يحمل كل كافة التفصيلات التي لا تقل اهمية عن الاستفسار ذاته الموجه من اللجنة المعنية بمجلس الامة...فحسب علمي واطلاعي ...فقد تم طرح الاعلان الاول لشاغر وظيفة مدير عام الاراضي منذ اكثر من سنة... في الربع الاخير من عام 2019. وتقدمت مجموعة من الراغبين بإشغال الموقع...ولم يجتز احداً منهم امتحان القدرات ...ثم أعيد طرح اعلان ثاني وشارك فيه مجموعة من المتقدمين للوظيفة بعضهم من المتقدمين بالمرة الاولى وبلغ عددهم سبعة ليبلغ اجمالي المتقدمين بالمجموعتين (31)شخص.
تأهل في الامتحان الثاني ثلاثة أشخاص، تم استثناء احدهم من قبل اللجنة القانونية نتيجة الخلاف على مدى ارتباط بعض الوثائق فنياً وقيادياً وتلبيتها للشروط المعلن عنها، ليبقى مجموع المتأهلين لمقابلة اللجنة الوزارية ( مرشحين أثنين فقط)...هم السادة (ع. ر- ر، ح) واتحفظ هنا على ذكر الأسماء صراحة حفاظاً على الخصوصية....وقد تمت المقابلة في رئاسة الوزراء منذ ما يقارب ثلاثة أشهر....الا أنه لم يتم اعلان او اصدار قرار بالتعيين لأي منهما، حتى تاريخ صدور تصريح رئيس الديوان يوم أمس...والمشار اليه في بداية المقال اعلاه. وكان الأجدر أن تكون هناك شفافية ومصداقية ووضوح لعدم التعيين، واسباب توقفت الإجراءات.
في نظرة تحليلية تستند للمعايير الادارية، أجد من الضرورة التطرق للأمور التالية:
1- مضى على شغور موقع مدير عام الاراضي اكثر من سنة ونصف، وقد سبق وأن تكرر مثل هذا السلوك في مواقع عديدة خلال السنوات الاربعة الماضية، وقد عمل الاشخاص المكلفين بالوظائف الشاغرة على تسيير الامور بكفاءة واقتدار وبشهادة العديد من المسؤولين المباشرين، مما يعني أن هناك كفاءات من موظفي هذه المؤسسات قادرة على حمل المسؤولية باقتدار وأمانة.
2- من الاهمية مراجعة آليات عقد وتنفيذ امتحان القدرات الذي يعقده ديوان الخدمة، في ظل النتائج المشار اليها، اذ قواعد اجراءات وتقييم الامتحانات عبر جامعات اغلب دول العالم وتحديداً الاوروبية منها، ـتأخذ بعين الاعتبار نسب النجاح واجتياز الامتحان، فاذا كانت نسب الاجتياز تقل عن (70%) فهناك ثمة فشل في الامتحان ذاته وليس بالمتقدمين للامتحان، وبالتالي تعود المسؤولية على عاتق ديوان الخدمة المدنية ووزارة الأداء المؤسسي بهذا الشأن.
3- سبق وان شاركت انا شخصياً كاتب المقال في الامتحان، إثر التقدم لوظيفة قيادية واجتزت الامتحان، لكني وللأمانة العلمية لم أجد أية قيمة مضافة أو ارتباط فني بين الامتحان والوظائف المتنافس عليها. بل أن اخضاع المتقدمين للوظائف القيادية والعليا لمثل هذا النمط من الامتحانات والاختبارات يقلل من شان هذا النوع من الوظائف، ويعاملها كما يعامل وظائف الفئات الاخرى الاقل ضمن الهيكل التنظيمي للمؤسسة مما يضعف من الروح المعنوية ويحد من القدرات الابداعية للقيادات.
4- هذا النوع من الامتحانات يسعى لاختبار نسب معينة من الذكاء الشخصي والاجتماعي...الخ، لكنه يفشل في تقديم قياس دقيق لتعريفات الذكاء المتنوعة. كما يتجاهل معايير ومرتكزات أخرى مثل الإبداع والذكاء الاجتماعي. والدليل ان العديد من الشخوص تم تعيينهم وفشلوا فشلاً ذريعاً على ارض الواقع والشواهد كثيرة وعديدة.
5- عملية اختيار شخص ما لإشغال منصب قيادي ليس من المفترض أن يخضع لامتحانات تخصصية فنية دقيقة، بل لا بد من التركيز على أبعاد ترتبط بالقدرات لوضع رؤية وفكر استراتيجي ورسم للسياسات ومواصفات ادارية وقيادية قادرة على تطوير الانتاج والأداء، ونظرة ذات بعد وذكاء اجتماعي وعاطفي.
6- خلال مقابلة اللجنة الوزارية الموقرة، في دائرة رئاسة الوزراء، ومن خلال تجربتي الشخصية مرتين، تبين لي أن الأمر لا يتجاوز كون المقابلة هي أمر روتيني، وان هناك اثنان او ثلاثة فقط من اعضاء اللجنان الذين نكن لهم كل الاحترام والتقدير، يقوموا بمحاولات خجولة لطرح اسئلة ذات طابع قريب من الفكر الاستراتيجي، وان اجابة المتقدم للوظيفة تُحدد السؤال او الاستفسار التالي، بمعنى أن الأمر يرتبط بالتقدير الشخصي ومدى قبول او عدم قبول المظهر العام للشخص المتقدم...دون الفكر او الرؤية، ...وهذا كان انطباع العديد من الاشخاص الذين حصلوا على فرصة الوصول الى اللجنة الوزارية.
7- جانب أخر شكل انطباع شبه موحد عند غالبية المتقدمين للوظائف القيادية، أن الامر يرتبط بالواسطة والمحسوبية والعلاقات الشخصية وصلة القرابة والمعرفة، بل أن كثير من المواقع والوظائف كانت تتسرب اخبار ومعلومات عنها بان فلان او علان... قد تم اختياره وتعيينه، وان الاجراءات منتهية وتحصيل حاصل...وللأسف يظهر لاحقاً أن الاخبار المسربة حقيقية.
8- ضمن الآلية المعتمدة في ديوان الخدمة المدنية، هناك نموذج يتم ارفاقه عند الاعلان عن وظيفة قيادية، وهذا النموذج يتضمن كم كبير وهائل من البيانات المتعلقة بالمتقدم للوظيفية، وهو أمر جيد من الناحية الشكلية فقط، اذ يتطلب النموذج الى تعبئة كم هائل من البيانات تتضمن ( المعلومات الشخصية، والخبرات العملية، وانجازات الخبرات العملية، والمعرفة الفنية في مجال التخصص، والشهادات العلمية، والخبرات التدريبية واللغات...الخ)، مما يعني امكانية توفير قاعدة بيانات ضخمة عن كافة المتقدمين لإشغال وظائف قيادية، يمكن الاستفادة منها في مواقع ووظائف اخرى اذا رغبوا، لكن المصيبة ان هذه البيانات لا قيمة لها، والدليل أن الشخص الذي يرغب بالتقدم لوظيفية قيادية جديدة، عليه أن يعيد تعبئة وارفاق كافة الوثائق في كل مرة. بدلاً من أن تكون متاحة ويتم تحديثها فقط ان لزم الأمر. وهذا يعني أن ديوان الخدمة لا يستفيد ولا يتجه نحو بناء قاعدة معلومات.
9- الرسالة الاخيرة في هذا الشأن موجهة الى معالي وزير المالية، بصفته المعني المباشر، فهذا التصريح يسيء لدائرة الاراضي وكوادرها، مما تستدعي أن يطالب رئيس ديوان الخدمة المدنية بالاعتذار عما صرح به. كما هي رسالة لرئيس مجلس الامة، واعضاء رؤوسا اللجنتين المالية والادارية، لتوجيه استجواب للحكومة بهذا الشأن.
الخلاصة؛ اذا كان هناك ضعف في كوادر وموظفي الادارة العامة( الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية)، فهي بالدرجة الأولى مسؤولية ديوان الخدمة المدنية، استناداً للأنظمة المعمول بها، وخاصة نظام الخدمة المدنية الذي ناله من التعديلات والتغير ما يفوق كافة قوانين وانظمة الحكومة الاردنية منذ تأسيس المملكة، حتى اصبح فارغاً محبطاً مثير للجدل، يتم تطويعه لتحقيق مصالح شخصية وفردية، ثم يعدل بعد تحقيق المصلحة، اللهم احفظ الاردن بلد الحشد والرباط من كل سوء.