النسخة الكاملة

"ليس تسحيجا".. الملك عبدالله الثاني "صمّام الأمان" داخليا وخارجيا

الخميس-2021-01-27 12:19 pm
جفرا نيوز -
 جفرا نيوز- خاص - كتب نضال فراعنة 

في ٣٠ يناير ١٩٩٩ كان جلالة الملك عبدالله الثاني يحتفل بعيد ميلاد مختلف فيه الكثير من "الأمل والألم والرهبة والأماني والقلق"، فجلالة الراحل الكبير كان وقتئذ يرسل للأردنيين "إشارات الوداع"، ولبكره من الذكور "أمر عمليات" بأن تكون "المعنويات عالية"، فعبدالله الذي لم يكن وقتذاك قد اشتبك مع السياسة ودهاليزها قائد عسكري يعرف تماما ماذا يعني الأمر العسكري لقائد لم يعرف ٨٠% من الأردنيين ملكا غيره، كان يطل عليهم بكوفيته وصوته ولحيته البيضاء فتنفرج الأسارير وتتهلل الوجوه لملك لم يعرف غير التسامح والتواصل والاحتضان حتى لمَن حاولوا إنهاء حكمه ذات "طيش وخِفَة" لبضعة مغرّر بهم وقتذاك.

ما إن دُفِن الراحل العظيم حتى وجد الملك عبدالله الثاني نفسه في مواجهة "المستقبل الصعب" لشعب أسوة بكل الشعوب يريد العمل والطبابة والتعليم والإسكان، إذا بدا الملك حينما كان بعمر ٣٧ عاما كما لو أنه "مقاتل" لكنه يتعين عليه أن يهزم جيشا من الأعداء، فحجم المشكلات الاقتصادية للأردن عام ١٩٩٩ هي وحوش كشّرت عن أنيابها لالتهام الأردن وموارده الصعبة.

ومن "حسن حظ" الأردن أن حباه ملك جاء من "مصنع الرجال" فالجيش العربي منذ تأسيسه لم يسجل حالة فرار من أرض المعركة لأي رتبة عسكرية مهما صغرت أو كبرت، والملك قرر الاستمرار في حرب حماية الأردن وصونه رفقة شعب عظيم صَبَر وتحمّل الكثير، إذ أن قول للحسين العظيم لا يزال دون غيره يرن في آذانهم وضمائرهم حينما قال: "كثيرون في هذا العالم يريدوا للأردن أن ينهار أو يضعف".

في عيد ميلاد جلالة الملك هل ما أقوله هنا هو "تسحيج"؟.. بالطبع "ليس تسحيجاً"، فالأردن وعرشه ومليكه يستحقون مني أن أتحدث بلا مواربة مهما قيل، ففي عام ٢٠٠٤ كان أول قائد حول العالم يتحدث عن "الخطر الإيراني" ولم يلاقيه أحد في منتصف الطريق من عواصم كانت تحابي إيران وتشتري ودها وتغمض أعينها عن طموحها التوسعي، قبل أن يقف الملك عام ٢٠٠٩ وقبل عامين من موجة الربيع العربي ليتحدث بنقد ل"عشريته الأولى" في الحكم وقتذاك ومتحدثا عن عيوب وأخطاء شابتها، دون أن تلاقيه بمنتصف الطريق حكومات قوية أو برلمانات شجاعة للتعامل مع "منحة الملك" لمراجعة كل الأخطاء وإصلاح السياسات بضوء أخضر ملكي.

الملك عبدالله الثاني في عز الربيع العربي الذي كان يلتهم أمن وأمان عواصم مجاورة كان يذهب إلى أشد مناطق الأردن فقرا متقصيا الحال ومتلمسا الحاحات، فيما كانت الشوارع في دول قريبة تهدر وقتذاك لإسقاط قادتها وسجنهم وتمزيق صورهم، لكن الملك كان يزور مضارب القبائل الأردنية التي كانت تؤيد الملك وتدفعه للأمام، وهو واقع لافت تحدثت عنه تقارير دولية واصفة الأردن بجزيرة آمنة وسط حزام ناري لا يهدأ منذ عقود.

في عز الأزمة الخليجية وحينما كانت أربع عواصم كبرى شقيقة تقاطع الشقيقة قطر فتح الأردن ذراعيه لصاحب السمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إذ رفض الأردن الانحياز لأحد في الخلاف بين أبناء البيت الخليجي الواحد، إذ فرح الأردن رسميا وشعبيا بطي صفحة الخلافات مؤخرا.

سأكون صريحا إن عقد مقارنات بين العهد الملكي الحالي وعهد الملك الحسين هو أمر فيه ما فيه من القسوة والتجني واضطراب الرؤية السياسية، دون النظر إلى القفزة السكانية الهائلة وتعقيدات الأزمات الدولية وشح الموارد وانقطاع المساعدات الخارجية لدول تعاني أساسا من انهيارات مالية صامتة بسبب انهيار أسعار البترول.

الأردن يعاني هذا صحيح ومؤكد، ولدينا في الأردن مئات ملفات الفساد المالي والإداري لحكومات رحلت ولم تكن شجاعة بحلها وكشفها، لكن الأردن لا يزال بلدا يشار إليه بوصفه "معجزة الصحراء" ولا يزال دوره الإقليمة عصية على الطيٍ والاندثار، وهذا لم يكن ممكنا من دون ملك آمن ب"ضراوة الحرب" ولا زال يرفع سلاحه لقتال "أزمات الأردن" الولّادة لأزمات أخرى، لكن يبدو أن الأردن سيكون فعلا خلال العامين المقبلين بمواجهة النور في نهاية النفق المظلم، وإلا لماذا يقول السفير السعودي لدى المملكة أن الأردن سيكون محط أنظار العالم قريبا.

الأردن بخير وهذا فضل الله أولا على هذه الأرض الطيبة، ثم فضل عبده عبدالله الذي لم يرتخي لأزمات تنوء الجبال بحملها، فيما يكتمل الفضل بصبر شعب عظيم وطيب تحمل فوق طاقته بكثير.

العمر المديد لسيدنا الهاشمي النبيل عبدالله الثاني الذي ارتضيناه ملكا وأرضانا بأن يكون "الجندي الأول" الذي يصون الأرض والعرض، فكان بحق صمام الأمان داخل المملكة، وخارجها فبعض الكلام لا يقال لأن "المجالس بالأمانات"، لكن التاريخ سيقول في النهاية كلمته بوضوح.