النسخة الكاملة

الربيع العربي وجدَ ليبقى

الخميس-2021-01-27 09:28 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب سائد كراجة 

 رُغم أنه انطلق «فلتة» وظهر كأنه جاء صدفة، فإن الربيع العربي عندما انطلق في مثل هذه الأيام قبل عشر سنوات كان مستحقاً، ومثل – دون شك- احباطاً واحتجاجاً شعبياً متراكماً في تونس – بلد الشرارة الأولى للربيع العربي- «ثورة الياسمين»، وبنفس الوقت كشف عن احباطٍ واحتجاجٍ متراكم مكتوم لدى جميع شعوب الدول العربية التي انتقلت إليها شرارة الثورة، في مشرق الوطن العربي ومغربه، وعند انطلاق الربيع العربي كان قد مضى على أقدم استقلالٍ لدولة عربية حوالي 89 عاما في مصر، ومضى على أحدث استقلال 34 سنة في جيبوتي.

ومع استحضار الاختلاف في بعض الظروف النوعية لكل دولة عربية، فإن إشكالات الدولة «الوطنية» العربية متشابهةٌ نوعاً ما، وقد تركزت في ثلاثة محاور أساسية، وهي غياب تكافؤ الفرص، وغياب حكم الشعب والحياة الديمقراطية، وغياب الحرية الفردية والجماعية بكل ما تحمله هذه الحريات من آفاق التمدن والعقل والعلم، ومن هذا فإن الشعارَ الأوضح لثورات الربيع العربي كان في المطالبةِ بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية.

وقد مارست الدول العربية فشلها في مجال تلك المحاور الثلاث بأشكالٍ متعددة، أهمها تغييب الشفافية في الحكم، وانتشار الفساد، واستبدال سيادة القانون بسيادة «الفهلوة» والاسترضاء، وفي بحث الأنظمة عن ضمانات بقائها بالدكتاتورية حيناً أو في الدخول في تحالفات لا تمثل بالضرورة مصلحة شعوبها والأمة العربية حيناً آخر أو بكليهما معاً.

الربيع العربي ضاعت بوصلته أو ضُيعت وتم حرفها عن وجهتها بالتآمر والقبضة الحديدية، وهو بالعموم لم يحقق أياً من أهدافه وشعاراته التي حملها، لا بل إن في أفيائه وليس بالضرورة بسببه، انهارت أربع دولة عربية مهمة في الوطن العربي هي سورية والعراق وليبيا واليمن، وانتشرت فيها السياسة الشعبوية بدل سلطة الشعب، كما خرج أخطر تنظيم إرهابيٍ مسلحٍ إقصائي في تاريخ العرب والمسلمين، وهو داعش الذي حمل راية الخوارج وتسلح بتأويل الدين واستخدامه في إشاعة الإرهاب والحرب، وكاد يقود العالم العربي لمرحلة فوضى هدامة، وحروبٍ أهلية ودينية وإثنية شاملة.

الأنظمة العربية اليوم تمر في حالة زهوٍ ذاتي بانتصارٍ موهوم على الربيع العربي، والعملُ جارٍ على سحقِ أي مظهر من مظاهر ذلك الربيع، وأهمها حرية الراي والتعبير والمشاركة النزيهة في الحكم، وقد عادت الدولة العربية إلى التسلح بحجج أولوية الأمن على الحرية والديمقراطية، حمايةً لنفسها ورفضا للتغيير في نهجها ومنهجها، وما تزال في غيها سابحةً متجاهلةً أن ثورات الشعوب جولاتٌ وليست جولة واحدة، فالثورة الفرنسية مثلاً مرت في مراحل وتقلبت في عدة انتكاسات وتراجعات قبل أن تشكل لنفسها نظام حكم وحياةً قائمةً على مشاركة الشعب والحرية والتمدن لشعوبها.

نعم الربيع العربي لم يحقق أهدافه ولا شعاراته التي رفعها، ولكن عوامل انطلاقه ما تزال كامنة، وقد زرع في جميع أرجاء الوطن العربي بذرة مواطنٍ عربي مختلف عن مواطن فترة الاستقلال السابقة على الربيع العربي، مواطن متسلح بثورة الاتصالات والتواصل مع العالم، مواطن كسر حاجز الخوف وهو وإن كمن فإنه لم يمت، والأولى بالدول والأنظمة العربية أن تعي هذا الأمر، وعلى الأنظمة العربية التي تسعى للبقاء الفهم أن لا سبيل أمامها سوى الرجوع إلى روح الربيع العربي، فالأهم الذي سطره هذا الربيع هو أن المواطن العربي لن يقبل باستمرار الحال على ما هو عليه، وأن وهم نجاح الأنظمة العربية، لا يلغي حقيقة أن الاحتجاج وأسباب الثورات تَعتَمِل، ولهذا فلا بديل عن الإصلاح السياسي والاقتصادي الثابت المتدرج نحو دولة سيادة القانون وتكافؤ الفرص والطمأنينة والمشاركة في الحكم، وقبل ذلك وبعده صون الحريات الفردية والجماعية وتهيئة المواطن لينطلق نحو العقل والعلم والعمل والتمدن، ومحاربة أي فكرٍ إقصائي بنظامِ تعليمٍ فاعلٍ وعصري، وبإشاعة التنوعِ في الفكرِ السياسي، والعملِ على التكاملِ الاقتصادي والسياسي العربي بديلاً عن الأحلاف الغربية، الربيع العربي انطلق ليبقى وهو عائد، والذي يعيش يذكر الآخر جنابك!